اللقاء الذي نفرده اليوم للشاعر الرائع سعد الجميري تأخر كثيرا، ربما لأننا لم نرد الارتجال في مزيد من التصورات للصفحة، اضافة الى ان علاقة الصفحة - أية صفحة - لا بد أن تقوم على تأن وتقييم وقراءة ومتابعة، قد توفق عبرها وقد لا توفق، قد توفق بلقاء أحدهم فيثير عددا من القضايا والاشكالات التي ربما تسهم مساهمة وان لم تكن مباشرة في احتواء بعضها والحد من بعضها الآخر، أو قد تسلط الضوء على المسكوت عنه، وقد لا توفق في بعض تلك اللقاءات حين لا تخرج بمحصلة مفيدة واضاءة منشودة، أو حين يكون سقف الحوار رفيعا لدرجة قد يغيّب فيها الضيف أو لا ينتج عن ذلك الحوار قيمة تُذكر.
لقاؤنا بالجميري واحد من اللقاءات التي نزعم اننا وفقنا فيها، أولا لأن الرجل قليل الكلام، وكذلك نصوصه التي ينشرها، ليس لأنه غير منتج بل لأنه يريد أن ينأى بنفسه عن الأضواء المسلطة لسبب أو من دون سبب، أو ربما لأنه وبوعي منه تيقن أن الماكنة الاعلامية وخصوصا الصحافة هي في جانب منها نموذج لـ 'المحارق'، ونأمل عبر هذا اللقاء واللقاءات المقبلة أن تتسع النافذة التي نطل من خلالها على الأحبة القراء.
يبقى جزء من طموحنا أن تخرج هذه الصفحة بالألوان، فحجم الجهد الذي يبذله زميلنا الرائع السيد ماجد السيد عبدالله لا تكفيه كلمة شكر أو اشارة في هذا العمود أوغيره، ثم انه درجت العادة الا قليلا أن تكون صفحات الشعر الشعبي باللونين الأبيض والأسود ذلك اذا ما استثنينا ملحقا يتيما في الصحافة الكويتية كان يشرف عليه الزميل الشاعر دخيل خليفة، ثم ان ادخال عنصر اللون على الصفحة لا شك سيظهر القصائد في شكل وصورة مختلفتين قد تشجع كثيرين على التجاوب معها، وهو ليس سببا يمكن التعويل عليه ولكنه واحد من المحفزات التي قد تنشّط المتكاسلين والمترددين في عملية نشر نتاجاتهم فهم نشطون سواء نشروا أم لم ينشروا، وتظل ثقتنا في إمكاناتهم كبيرة.
المكالمة الهاتفية التي وردت من الزميل الشاعر الجميل محمد الشيخ واحدة من المكالمات التي تبشر بمزيد من تواصل الأحبة الشعراء... قرأنا له عددا من النصوص في الصحف الزميلة، له نكهته الخاصة ولغته الجميلة العذبة وحضوره المختلف، وهو واحد من الأصوات المبشرة بمستقبل القصيدة الشعبية هنا في المملكة.
تذهب الى النص محمّلا بذروة الأمل وأوْج اليأس... تذهب اليه وكأنك موعود بما يحيلك الى رماد وشظايا...تذهب الى النص ونصْب عينيك العتمة اللعينة... العتمة التي تستفزك لاجتراح قارات من الضوء... تذهب اليه وأنت لا تلوي على شئ سوى أن تمعن في تيهك النفيس... سوى أن تمعن في النشور الناصع... سوى أن تصاب بمزيد من الغفلة والصحو!... ذهبٌ هو النص وكتابته هي النبش بعينه... كأنك مصاب بداء الكنوز حين تذهب اليه محمّلا بالمعاول... معاول اللغة والرؤيا... فأنْ لا تعرف الى أين يأخذك النص فذلك هو عين المستقبل... التيه ذروة المستقبل وعصبه الفريد... كأنك مصاب بصخب رزين... مصاب بالعقيق والزبرجد والياقوت، فذلك هو معدن النص... كأنك مصاب بوعد صارخ... وعد يفضح مالم يُرصد أو يُقل...
أول النص
على الغيم البعيد ورجفة الليل الطويل وصمتك الذبّاح
أنا اشوف العمر ومضة أمل في كون كله ياس
ترجّيتك ترفّق لا تواري هالجروح الفاضحه بوشاح
ترجّيتك تهوّن لا قسى اقرب قريب وهدّني هوجاس
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 652 - الجمعة 18 يونيو 2004م الموافق 29 ربيع الثاني 1425هـ