العدد 650 - الأربعاء 16 يونيو 2004م الموافق 27 ربيع الثاني 1425هـ

إصلاح الإصلاح العربي أم تجميل «الاحتلال» الغربي؟

صراعات ورؤى بشأن قمة الثماني والدور الأميركي في الشرق الأوسط

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

كشفت اجتماعات قمة الدول الثماني في الولايات المتحدة الأميركية عن عدة صورمتتالية من العلاقات في عالم اليوم: العلاقة العربية - العربية، العلاقة العربية - الأميركية، العلاقة العربية - الاوروبية... وكذلك يمكن ان تتكرر هذه «الثلاثية من العلاقات» مع أية منظومة إقليمية في العالم... ولكن السؤال المميز، لكبار الكتاب والمعلقين، إضافة إلى الصحافة اليومية وصراعها الازلي نحو الخبر والرأي: هل ما تطرحه الولايات المتحدة، هو اصلاح أم تدشين لدور استعماري جديد: هل يمكن نشير إلى صلاح الاصلاح العربي، أم اننا فعلا نحو عملية تجميل وترميم للاحتلال الجديد الغربي في دور المنطقة والشرق الأوسط تحديدا.

مغالطة... أم تحد

أحمد شقيرات يرى أن طرح الادارة الأميركية مبادرة الاصلاح المشهورة للشرق الأوسط بالقوة كما ظهر منها والتلويح بالعصا من دون الجزرة، اضطرت هذه الادارة إلى تعديل تلك المبادرة التي تفرض على الآخرين ولا تلقى قبولا منهم، فقبل اجتماع الدول الصناعية الكبرى الثماني يوم الثلثاء عدلت الولايات المتحدة من خطتها لاصلاح الشرق الأوسط وفرص الديمقراطية عليه «والمقصود بذلك الدول العربية» فاسمت الخطة الجديدة «المشاركة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع منطقة الشرق الأوسط الأوسع وشمال إفريقيا» وزعمت انها أدخلت عليها تعديلات جوهرية مثل التعاون بين الدول الصناعية الثماني والدول العربية الراغبة في الاصلاح والتعاون، وليس تقديم وصفات جاهزة لفرض ما تراه أميركا وحلفاؤها.

ومن أهم ما تتضمنه الخطة الجديدة حل قضايا الشرق الأوسط الساخنة والعالقة منذ أكثر من خمسين سنة، وهي قضية فلسطين التي كان للمساعدات الأميركية لـ «إسرائيل» بمختلف أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية الدور الأساسي في إطالة امدها بل وتشجيع قادة «إسرائيل» على تدمير الارض والإنسان فيها يوما بعد يوم ما جعل حلها سياسيا مستعصيا بل مستحيلا، وان الزعم بتأييد خريطة الطريق التي يجمع كل العقلاء في العالم انها ماتت منذ ولادتها أو ولدت ميتة أصلا هو زعم باطل بعد كل ما فعله شارون في قطاع غزة والضفة الغربية.

اما قضية التسوية لاحتلال فلسطين حسب قرارات الامم المتحدة فهي الاخرى قضية باطلة لأن اتفاقات كامب ديفيد لم تطبق على فلسطين فماتت قرارات 242، 363 وما بعدها من القرارات التي تطالب «إسرائيل» بالإنسحاب إلى حدود 1967 وابرام صلح عام مع الدول العربية لصنع سلام حقيقي دائم وعادل كما يسمونه، ويزعم المسئولون في الولايات المتحدة ان الصراع في منطقة الشرق الأوسط ليس عقبة في طريق الاصلاح بل ان الاصلاح كما يزعمون يمكن ان يحل هذا الصراع. ولنفرض جدلا ان الدول العربية نفذت اصلاحات جوهرية وأعطت لشعوبها الحرية واحترمت المواطن العربي كما يجب فهل تنسحب «إسرائيل» إلى حدود 1967 تماما وتعيش في هذه المنطقة كما يراد لها بأمن وسلام؟

ومن المغالطات التي تظهرها الخطة الجديدة للاصلاح ما يقوله الأميركيون من ان على شركائهم في الشرق الأوسط ان يفهموا انهم «الأميركان» لا يرون الديمقراطية التي يطالبوننا بها ذات صبغة أميركية بحسب ما يقول الباحث أحمد شقيرات في صحيفة «الرأي»، وانها لا يمكن ان تتحقق بين عشية وضحاها وان الاصلاح الذي سيتحدثون عنه في قمة الثماني هو كما نراه نحن العرب ولكن بمساعدة العالم الحر الذي يقودونه هم بالقوة، وهذا يعني اننا غير قادرين على إحداث اصلاحات تناسب حياتنا ومجتمعاتنا، وعلى رغم من هذا التراجع الصريح من جانبهم بفعل الرفض العربي لخطة اصلاحهم، وعلى رغم من هذه المزاعم عن عدم نيتهم فرض ما يريدون علينا، إلا ان اقوال المسئولين في الولايات المتحدة تكذب هذه المغالطات، فقد قالوا إن هذه الصيغة المعدلة لخطة اصلاح الشرق الأوسط لا تغير من التزام إدارة بوش بإحلال الديمقراطية في العالم العربي، وانهم يؤيدون ذلك بقوة، ويجب الا يلتمسوا الأعذار للتراجع عن الديمقراطية، وفي ذلك من التناقض ما فيه، ومن الذي يستطيع الضغط على البرلمان الكويتي مثلا لإعطاء المرأة حقها في الانتخاب أو تسلم مسئوليات قيادية؟ وأين هي الديمقراطية حينئذ؟ ثم الا تعد ممارسة النواب لحقهم الدستوري عملا ديمقراطيا؟ وهنا يكتشف الأميركان اننا لسنا بحاجة الى توجيهاتهم هم والعالم الحر كله.

ويؤكد شقيرات ان أحد كتابهم وصحافييهم قال إن هناك مئة واثنتين وثمانين حالة «182» تدخل في شئون الدول المستقلة في العالم مارستها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خلال السنوات الماضية، ولعلها العشرون الأخيرة من اعتقال لرؤساء دول مثل العميل رئيس هندوراس نورييغا وخلق اضطرابات وانقلابات واغتيالات وغير ذلك من صور التدخل المباشر وغير المباشر، إذا ما علمنا ذلك فإننا نستغرب أو يستغرب بعضنا من المفتونين بالديمقراطية الغربية عامة والأميركية خصوصا، ولا نكاد نصدق جهلا منا ببواطن الأمور انهم هم الذين يخلقون الارهاب، وخصوصا في تلك الدول في منطقتنا التي اصبحت لا تناسب امزجتهم، بينما يخفون نواياهم بالاطاحة «بجورج تينيت» رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، وفي الوقت ذاته يقترحون عقد اجتماعات وزارية بين دول الثماني الصناعية ودول الشرق الأوسط في إطار «منتدى من أجل المستقبل» للحوار وتنسيق طرق دفع الأموال للاصلاح الذي يعتقدون انه يجفف منابع الإرهاب الذي يصنعونه بأنفسهم، فأية مغالطات هذه التي يمكن ان تنطلي على منطقتنا العربية بالذات؟

الإصلاح بعد قمة الثماني

ويستبعد رئيس تحرير صحيفة «العرب» اليوم الروائي المعروف طاهر العدوان ان يلاقي بيان قمة الثماني بشأن الاصلاح في «الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا» أية استجابة عملية من غالبية الدول العربية، خصوصا تلك التي لم تحضر القمة، ومع ان الزعماء الذين حضروا وفي مقدمتهم الملك عبدالله قد ادخلوا تعديلين على مشروع الاصلاح (1) ان ينبع من الداخل العربي وان لا يفرض من الخارج (2) ان يتم العمل على حل القضية الفلسطينية، الا ان مشروع (الاصلاح من الداخل) بما في ذلك الذي تبنته قمة تونس أيضا، سيظل حبرا على ورق لأن القمع وتغييب الشعوب أصبح طابعا عربيا مرضيا.

سنقرأ ونسمع ونرى خلال الايام المقبلة، في الصحافة ووسائل الإعلام العربية، موجة عارمة من التحليلات التي تدعو لمقاومة مشروع الاصلاح، من باب مقاومة التدخل الأميركي والدولي في الشئون العربية، وقد يكون أكثر ما يقال صحيحا خصوصا ما يتعلق بسياسات بوش البغيضة في العراق وفلسطين، ونظرته المعادية الى العرب والمسلمين، لكن هذا كله لا يبرر الوقوف ضد الاصلاح، كما انه يظهر غياب أي دور للاعلام، وحتى للمعارضات، في تسليط أضواء قوية على حقيقة الأنظمة السياسية العربية، وما تمارسه من قمع وتغييب للشعوب وسلب ارادتها واغتصاب حريتها. مع مرافقة ذلك بالفساد الذي تشيب له رؤوس الرضّع.

الذين وافقوا على «مشروع الاصلاح» في قمة الثماني ليس الولايات المتحدة فقط، انما زعماء أوروبا واليابان وروسيا أيضا، وهذا يعني ان غسيل القمع والاستبداد في النظام العربي اصبح منشورا على الحبال فوق الاسطح وفي طرقات العالم، وهذا بحد ذاته بداية احساس الآخرين بمصائب المواطن العربي وأوضاعه التي لا تسر الصديق ولا تغيظ العدو، بفضل حكومات تعتقد انها ممثلة الله على الارض. مأساة الشعوب انها واقعة بين نارين، فالذي يرفع راية الاصلاح من أجل الحرية والديمقراطية لها، هي الولايات المتحدة، المكروهة بسبب سياساتها في فلسطين والعراق، بينما تقاوم (الحكومات) الاصلاح لأنه أميركي وبحجة مقاومة التدخل في الشئون الداخلية، فيما هذه الحكومات شرّعت الأبواب العربية على مصاريعها للأميركيين ليتدخلوا في كل شيء، حتى بجيوشهم، وبشكل غير مسبوق في التاريخ السياسي للدول المستقلة، وبما يقارن بدور الاستعمار في الدول المستعمرة.

حتى لا (تضيع الطاسة) ويستمر التوهان وحال الضياع، فإن بيان الثماني، بغطائه الدولي، يجب ان يستثمر لصالح حركة الاصلاح السياسي في الدول العربية، وان يقابل من التيارات الثقافية والاعلامية والحزبية وهيئات المجتمع المدني بالترحيب، ليس بهدف استقبال السيىء فيه، والمعادي للأمة، انما من أجل تعزيز قوى الضغط الوطنية، في كل بلد عربي لدفع عجلة الاصلاح، ووضع حد للقمع ومصادرة الحريات ووضع حد لحال التنكر لحق الشعوب بالمشاركة في عملية البناء السياسي واتخاذ القرارات.

مواجهة تداعيات

وأهمٌ من ظن أن الزعماء العرب سيواجهون وحدهم تحديا ذا وزن ثقيل في قمة الدول الثماني، فأميركا كما يقول الباحث الاستراتيجي مصطفى الدباغ في مقالته في صحيفة «الرأي» هي أيضا ستواجه التحدي نفسه في مسألة نشر الديمقراطية والاصلاح، كما انها في المسائل الأخرى تخوض معارك ضارية كما في القمم السابقة وكانت على خلاف مع اصدقائها الأوروبيين في كثير من القضايا فلماذا يصر العرب على الذهاب وهم على ثقة بأنهم لن يغضبوا احدا؟ اما هذه المرة فهم يحضرون القمة وحملوا معهم «ورقة» الاصلاح العربي التي من المفترض ان يكون رضي عنها العرب وترضى عنها أميركا... وان تكون منسجمة مع تطلعاتها في تصدير الديمقراطية الغربية الى المنطقة ما يضعنا مباشرة أمام السؤال الأخطر «هل حقا تريد أميركا ان تتفشى الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي؟ وهل سيحقق ذلك مصالحها هنا؟».

ويؤكد الدباغ ستكون الانتخابات التي ستقرر ملامحها كافة لجنة خاصة، والمجلس الوطني الذي سيفرزه المؤتمر الوطني المنوي عقده في يوليو/ تموز ليمارس صلاحياته النيابية، كل ذلك وغيره سيكون بمثابة محددات مسبقة ومؤشرات وشواخص وطرق فرعية وأخرى التفافية ودهاليز ومنعطفات على الطريق الديمقراطية المرسومة والمحددة الملامح والتضاريس سلفا والتي ستقود السائر عليها طوعا او كرها إليها ما تأتي منسجمة مع توجهات الاحتلال وديمقراطيته العلمانية والمعاكسة لرغبة السكان في ديمقراطية ذات أصول وجذور تربطها بقيمها وعقيدتها ما يعيدنا نحن والعراق وقمة الدول الثماني وأميركا معا إلى المربع الأول: هل حقا تريدها أميركا ديمقراطية حقيقية؟

والسؤال هل يمكن لأميركا وهي تتزعم الغرب ان تؤكد صدقيتها وترفع الضغوط المصطنعة كافة عن العراقيين ما سيجعل المقاومة والذبح والارهاب وكل هذه المصطلحات تتبخر امام نور الحرية الصادقة المصفاة.

الاصلاح الإنساني قبل الاصلاح السياسي

ويقول المحلل السياسي إبراهيم العبسي انه إذا ما سلمنا بأن الأنظمة العربية والإسلامية من بنغلادش شرقا إلى مراكش غربا فيما أصبح يعرف بالشرق الأوسط الكبير، بحاجة إلى اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وديمقراطية تسعى الولايات المتحدة الى فرضها واقرارها في مؤتمر قمة الثمانية في جورجيا، فإن الكيان الصهيوني الذي تتوخى الإدارة الأميركية ادخاله ضمن هذه المنطقة بحاجة الى ما هو أكثر من هذه الاصلاحات. ولا اعني بذلك فقط القيادات والأحزاب والقوى الصهيونية والدينية واليمينية المتطرفة على اختلاف اطيافها وتباين ايديولوجياتها، بل اعني ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي برمته، هذا الذي شوهته تماما تعاليم التلمود والتوراة وثقافة الحركة الصهيونية. فالغالبية العظمى من مستوطني الكيان الصهيوني تنطوي أعماقهم على أقصى درجات الحقد والكراهية للفلسطينيين والعرب، وهم يعتقدون ان قتل هؤلاء هو واجب ديني مقدس، تماما كما الصلاة، لابد من ممارسته تقربا إلى الله. وهم لا يخفون ذلك على الاطلاق، فقد كشف الاستطلاع الإسرائيلي الشهري المعروف باسم (مقياس السلام) ونشرته صحيفة «هآرتس»، الحقيقة الفاشية العدوانية لهذا المجتمع إذ أكد 51 في المئة ممن استطلعت آراؤهم عن ما حدث في رفح أخيرا، انهم لا يكترثون لتدمير منازل الفلسطينيين في رفح ولا يتعاطفون مع سكانها، ويعتقدون ان جيشهم لم يخطئ في تدمير رفح وان القوة التي استخدمت لذلك كانت ملائمة، فيما قال 20 في المئة إن القوة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في رفح كانت قليلة جدا، أي انهم كانوا يتمنون استخدام قوة اكبر لتدمير رفح بالكامل على رؤوس سكانها. بالطبع هذه ليست هي المرة الأولى التي يؤيد فيها المجتمع الصهيوني مجتمع الحقد والكراهية عمليات الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في القطاع والضفة، ففي كل مرة كان يجري فيها اجتياح مدينة فلسطينية كانت الغالبية العظمى من الإسرائيليين تؤيد هذا الاجتياح، وتنادي بقتل وابادة اكبر قدر ممكن من الفلسطينيين، افلا يحتاج هؤلاء اذن إلى اصلاح نفسي وثقافي يعيدهم إلى انسانيتهم بدلا من هذا الايغال الرهيب في التوحش والرغبة المريضة في قتل وابادة الفلسطينيين!! وكيف يمكن التوصل إلى سلام مع هذا المجتمع المحكوم بثقافة القتل وشهوة الدم، وحب تدمير الآخر!! وكيف يمكن التعايش معهم إذا ما تم التوصل إلى تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية، وحل للصراع في الشرق الأوسط.

ويشير العبسي في مقالته التي نشرت في صحيفة «الدستور» ان المجتمع الصهيوني غير مؤهل للتعايش مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والاسلامية ما دام يختزن في اعماقه كل هذه الرغبة والشذوذ في قتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم واحالة حياتهم الى جحيم يتلذذ به هؤلاء الشواذ... ولذلك فإن هذا المجتمع بحاجة إلى اصلاح إنساني، أو لنقل تأهيل انساني يرتقي به الى مستوى المجتمعات السوية المحبة للسلام والخير. فلماذا اذن لا تدرج قمة الثماني في جورجيا هذا البند الأكثر أهمية على جدول أعمالها الاصلاحية، وتشترط على الكيان الصهيوني التخلي عن ثقافته العدائية وتربيته الحاقدة وسلوكه الاجرامي وسيكولوجيته الشاذة، واصلاحه إنسانيا قبل اصلاح الشعوب العربية والاسلامية سياسيا وديمقراطيا

العدد 650 - الأربعاء 16 يونيو 2004م الموافق 27 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً