العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ

قرصنة رسمية

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

عندما سيطر الاستعمار البريطاني على منطقة الخليج وأدرك الأهمية الاستراتيجية للمنطقة على خطوط الملاحة الدولية وإمكان الاستفادة من إقامة موانئ على ضفاف مياه الخليج بهدف زيادة المكاسب التجارية والسياسية لاحقا، ظهرت فكرة أمن الخليج، إذ بحث المستعمر الانجليزي التحديات التي تواجه المنطقة وحركة الملاحة فيها، وكان طبعا أبرز هذه التحديات القرصنة البحرية التي كانت تقوم بها بعض القبائل العربية التي امتهنت البحر واستغلته وسيلة لكسب الرزق.

ودفع ذلك الانجليز لجلب بوارجهم وسفنهم الحربية للقضاء على حركات القرصنة في الخليج باعتبارها تهديدا صارخا لأمن المنطقة، وبالتالي يمسّ وجودهم كغزاة جاؤوا للسيطرة والاستفادة من خيرات هذه الشعوب. وكان من الطرق التي اتبعوها توقيع اتفاقات مع حكام مشيخات الخليج لوقف القرصنة ومحاربتها، وبمرور الوقت توقف النشاط القرصاني في الخليج. ومع استقلال دول المنطقة، وبروز الكيانات الحالية لم تظهر بوادر للقيام بخطوات تضمن حفظ وصيانة أمن الخليج، وأصبحت قضية مثل الملاحة وما قد تتعرض له من هجمات من قبل عصابات منظمة وغير منظمة ليست ذات أهمية، ما دامت هناك جيوش وقوات أمن بحرية تابعة لكل بلد خليجي.

إلا أنه مع بداية القرن الجديد أصبحنا نعيش حالة فريدة من القرصنة، فالحالات الفردية التي يتعرض لها البحارة من أبناء منطقة الخليج - سواء كانوا عربا أم فرسا - تشير إلى عودة القرصنة في الخليج، ولكنها بثوب جديد. فحوادث المصادمات والاشتباكات العسكرية البحرية التي أعلن عنها قبل أيام وأدت إلى توتر العلاقات الخليجية - الخليجية، وأعنى هنا تحديدا العلاقات بين كل من إيران وعمان والإمارات وقطر، يمكن اعتبارها مظهرا من مظاهر القرصنة الجديدة.

وعلى رغم التحليلات الواردة بشأن هذه الخلافات وارتباطها بالنزاع الإماراتي - الإيراني عن الجزر الثلاث (أبوموسى والطنبين) إلا أن المتضرر الأكبر من القرصنة هم أبناء الخليج أنفسهم، والذين لم تقم حكوماتهم بأدنى جهود لمساعدتهم وضمان سلامتهم وهم يقومون بكسب الرزق في عرض البحر.

الغريب في الحوادث التي تقع للبحارة، وحتى الحوادث التي وقعت للبحارة البحرينيين عندما احتجزتهم السلطات القطرية أو الإيرانية والعكس صحيح أيضا أنها تكون مسيسة، إذ تستغل حكومات دول الخليج هذه الحوادث في التصعيد الإعلامي وتوظيف هذه الحوادث للحصول على مكاسب محددة لها. ولذلك أعتقد أن بالإمكان تسمية هذه الحوادث بالقرصنة الرسمية التي تستغلها الحكومات من أجل تحقيق مصالح على صعيد السياسة الخارجية.

وإذا لم يتم تدارك الوضع سريعا فإن ظاهرة القرصنة الرسمية ستكون عاملا من عوامل عدم الاستقرار في الخليج. ويمكن معالجة ذلك سريعا من خلال طرح مشروع لاتفاق أو معاهدة دولية عن الملاحة في الخليج، بحيث تنظم عمل الصيادين والبحارة الذين يعملون في الخليج وتضمن تنقلاتهم بسلامة داخل المياه الإقليمية لكل دولة. وهذه الفكرة تكون مناسبة للغاية حاليا وأن تكون بمبادرة من دول الخليج، قبل أن تحذو الولايات المتحدة - ذات الحضور العسكري القوي في الخليج - حذو بريطانيا السابق وتوقع اتفاقات قسرية مع حكومات الخليج لمنع القرصنة الرسمية

العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً