العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ

فليُصلب مرهون !

أنور الحايكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حين أعلن مراسل هيئة الإذاعة البريطانية أندرو كليجان في برنامجه الاخباري (اليوم) أن الحكومة البريطانية ضخّمت تقارير الإستخبارات لتبريرِ شنّ الحرب على العراق، بل وزاد على ذلك بأنه حصل على هذه المعلومات من مصدرٍ في الإستخبارات البريطانية ورفضِ الكشف عنه. في هذه الأثناء كانت لجنة الشئون الخارجية ولجنة شئون الإستخبارات والأمن في مجلس العموم البريطاني بدأت التحقيق في الأمر وخصصت إحدى الجلسات لمساءلة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير عن التقارير التي استند عليها في جزمه بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وقام مجلس العموم بدعوة نواب برلمانيين من مختلف دول العالم لحضور هذه المحاسبة، وشارك فيها من البحرين أعضاء من مجلس النواب، من بينهم رئيس المجلس إن لم تخني الذاكرة. وترافق مع هذا التحقيق أو نتج عنه الكثير من المواقف والحوادث التي تستحق التوقف عندها.

وعلى رغم إغلاق ملفات التحقيق مع النواب إلا أن هذه الحوادث جديرة بالتحليل والدراسة والمقارنة بما دار على الساحة البرلمانية لدينا في الفترة الأخيرة، من حوادث ومواقف بعضها برزت كردود فعلٍ ربما نتيجة لمواقف سابقة مثل إعادة تعديلات اللائحة الداخلية من دون صوغ، وبعضها تمخض عن تجربة الإستجواب الأولى ولجنة التحقيق في التجنيس ومن هذه المواقف عدم السماح لوزير العدل لإبداء وجهة نظر الحكومة القانونية في اقتراح بقانون تقدم به بعض النواب لفصل النيابة العامة عن وزارة العدل، ما دفعه لنشرها في الصحف، وتم الرد عليها من قبل رئيس المجلس في حوار قانوني مفيد بلا شك على رغم تحفظ رئيس المجلس على هذه الآلية في «التخاطب بين السلطات». وكذلك قيام بعض المواطنين بتقديم بلاغ في النيابة ضد أربعة من النواب، وإحالة أحد النواب إلى التحقيق من قبل زملائه أعضاء المجلس المفترض بهم أنهم أكثر من يدافع عن الحقوق والحريات المدنية والسياسية للمواطنين، فما بالك بنائب ممثل للشعب ويقف معهم في الخندق نفسه.

قد تكون المقارنة مجحفة بحق التجربة الديمقراطية الوليدة لدينا، والمعرّضة بطبيعة الحال لهفوات وأخطاء إذا ما قارنّاها بالتجربة العريقة في بريطانيا، ولكنها نظريا ممكنة على الأقل بدافع البحث في المسائل السياسية والنيابية والقانونية، وفي موضوعات محددة للخروج باستنتاجات قد تسهم في معرفة الشوط الذي قطعناه في تجربتنا الإصلاحية وذلك بالمقارنة التحليلية بين ما يجري في العالم وما يجري عندنا والتي بفضلها يمكن القول أنه على رغم الإنفتاح الإعلامي النسبي فإن الدور الرقابي للهيئة التشريعية ودور السلطات الأخرى يبدأ عندنا ويتمحور عن مسألة تشديد الرقابة على الصحافة والإعلام والخوف من «الشفافية»، وتنتهي بمحاسبة النواب أنفسهم ووضع القيود على تصريحاتهم وحقهم في التعبير عن آرائهم في عمل السلطات الثلاث ومن يمثلها أو فيما يخص القوانين والقرارات وآليات تطبيقها والتي لم تشرّع إلا لإدارة شئون الدولة والمجتمع والأفراد. فإذا مُنِعَ النائب من ذلك وهو الذي من واجباته بحسبما جاء في المادة ( 89) من الدستور أن يرعى المصلحة العامة وهو الذي لا سلطان لأية جهة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه، كما لا تجوز مؤاخذته عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء أو أفكار إلا إذا كان الرأي المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة أو بالإحترام الواجب للملك أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان - نقول إذا مُنِعَ النائب وهو المتمتع بالحصانة النيابية فكيف نضمن حقوق وحريات المواطنين المدنية والسياسية والتي منها حقهم في التعبير وهم من غير المتمتعين بهذه الحصانة.

بدأ الكثير من المواطنين والمراقبين يلحظون أن بعض النواب هم الذين يضعون القيود على الحقوق والحريات المدنية والسياسية سواء بتصريحاتهم أو بالقرارات التي يتخذونها ضد زملائهم وهم الذين يؤسسون لسوابق وأعرافٍ برلمانية بمعالجاتهم للأمور الخلافية على هذه الشاكلة. هناك في بريطانيا يوجهون الدعوات لنواب العالم لحضور جلسات استجواب رئيس الحكومة الذي تم اتهامه بالكذب والتلفيق في أكثر من وسيلة للإعلام، وتم الإستجواب ومقارعة الحجة بالحجة وانتهت المحاسبة من دون أن نسمع برفع دعاوى قذفٍ وتشهيرٍ ومن دون أن يحال صحافيٌ أو نائبٌ إلى القضاء أو إلى لجان تحقيقٍ بسبب تعبيره عن رأيهِ أو ذكره لمعلوماتٍ أو استناده لإحصائياتٍ رسمية عامة متعلقة بعمل إحدى السلطات تم أو يجري مناقشتها في البرلمان. وعلى رغم ذلك فإن الدول التي تعتمد في سياساتها مبادئ الرقابة والمحاسبة والشفافية وحرية الوصول إلى المعلومة والابواب المفتوحة و«نشر الغسيل فيما يخص الشأن العام» يُنظَرُ لها كدولٍ يسود فيها القانون وكنظمٍ ديمقراطية وفي مقدمة الركب الحضاري لأن أنظمتها تقوم على أسسٍ ديمقراطيةٍ راسخة وحقيقية تجعلها قادرة على امتصاص الصدمات ووضع الحلول للمشكلات بأقل الأضرار للمجتمع، وسرعان ما يجف الغسيل وتبدأ عندهم دورة حياة جديدة، في حين لاتزال محاولاتنا مترددة وعاجزة عن علاج الكثير من المشكلات على رغم استخدام كل تقنيات الحضارة (لتبييض غسيلنا وتجفيفه من دون نشره للهواء والشمس) وذلك لخللٍ فيما يبدو في المنهجية التي نواجه بها آفة الفساد والإستبداد، ما يجعلنا في مؤخرة الركب سياسيا واقتصاديا وتنمويا ونتيجة لاستيرادنا الديمقراطية كأيةِ سلعةٍ نحتاجها كوكلاءٍ تجاريين نُطبَّق عليها مفاهيم الدولة الريعية من دون تهيئة الوضع لتصنيعها محليا بنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ووضع الآليات لحمايتها وترسيخ مبادئ التعددية والشفافية ومن خلال الممارسة الفعلية للحقوق والالتزام الصادق بالواجبات ما يؤدي بنا في المحصلة النهائية إلى هذه المفارقات والمتعلقة دائما بشأنٍ عام فنمنعُ وزيرا عن إبداء وجهة نظر قانونية في جلسةٍ برلمانيةٍ بسبب اللائحة الداخلية ونستهجن رد الوزير في الصحافة معللين ذلك بمخالفة أصول التخاطب بين السلطات ويصور أحدهم عدم السماح للوزير بالكلام بأنه «جريمةٌ لا تغتفرْ» ويبلع مجلس النواب خلافا للمزاج السائد هذه الإهانة وهذا الاتهام (بحسب المادة 216 والمادة 364 من قانون العقوبات ومواد أخرى في قانون المطبوعات) وذلك لأن المجلس تغاضى عن سابقةٍ قبلها حين تم إهانة النائب الأول لرئيس المجلس في الصحافة وبالبنط العريض. وإني لأتَخيلُ لو أن واقعةَ منع الوزير من الكلام حدثت في جلسة ترأسها النائب الأول لكُنّا قرأنا في اليوم التالي فليُصْلَبْ مرهون!؟ أما آخر المفارقات فهو تخصيص جلسةٍ لمحاسبة نائب ينتمي إلى كتلةٍ نيابيةٍ عبرت عن رأيها بتصريح صحافي... في «تقرير لإحدى لجان المجلس!» وفي مسألة لا يمكن فصلها عن عمل أية كتلة نيابية في أي برلمان في العالم وفي موضوع حيوي متعلق بأموال الشعب ومدخراته. وكان هناك قبلها تصريحات وأفعال لنوابٍ أثارَتْ الشارع وسالَتْ بسببِها دماء وتمخض عنها اعتداءات على الناس وحقوقهم وعلى ممتلكاتٍ عامة وأثَّرت سلبيا على النشاط الاقتصادي وعلى الكثير من المشروعات الاستثمارية ولكن المجلس لم يرَ في ذلك ما يستحق المحاسبة أو حتى المناقشة.

وأخيرا نتمنى على الهيئة التشريعية في أدوار الإنعقاد القادمة أن تؤسس لحوار حضاري وقانوني متعدد الرؤى بين جدرانها أولا، وبينها وبين السلطات الأخرى ثانيا. ولابد من العمل على إلغاء التشريعات التي لا تتوافق مع ميثاق العمل الوطني ومع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك والعمل منذ الآن على مواءمة التشريعات المحلية مع أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وإلغاء ما يتعارض معهما تمهيدا لانضمام المملكة إلى هذين العهدين. ولابد من تكريس الشفافية في عمل جميع السلطات وتجنب التعالي على الشعب لأن السيادة في نظام الحكم الديمقراطي للشعب وهو مصدر السلطات جميعا بحسب نص المادة الأولى في الدستور فكيف يستقيم أن تحجر هذه السلطات على حق المواطن في معرفة ما يدور بينها إذا كانت القضية عامة وتمس حقوقه مباشرة؟.

(مع الاعتذار للنائب الأول لرئيس مجلس النواب)

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"

العدد 648 - الإثنين 14 يونيو 2004م الموافق 25 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً