ليس من قبيل التقليل من شأن البحرينيين أو ازدراء إمكاناتهم، أو الاستهانة بعروبتهم أو أصولهم العاربة والمستعربة، أو التشكيك في ولائهم لدينهم الإسلامي، إنما من منطلق الواقع المعاش والمشاهد في وقائع جلسات البرلمان، وعلى هذا الواقع البرلماني التعس، فإننا في حاجة ماسة إلى شخصية أو نموذج مثل النائب السابق في البرلمان اللبناني، نجاح واكيم هاهنا وتحت قبة البرلمان البحريني.
لماذا نجاح واكيم؟ بكل بساطة: مثقف، عروبي وطني مقاوم شديد المراس، مناهض لمشروعات ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو الموسع، لا يخشى في الحق لومة لائم، لا يسعى إلى زيادة (تكرش)، يسمّي الأشياء بأسمائها، فالسارق عنده سارق، والخائن لعروبته ووطنه يسميه خائنا، والمقاوم للمعتدين والمحتلين يسميه مقاوما من أية جهة كان ولأية جهة يقاوم ولأي حزب أو ملة أو طائفة يكون انتماؤه أو انتسابه.
وحينما تطايرت الأخبار يمنة ويسرة عن سعي أعضاء مجلس النواب في الحصول على تقاعد بعد انتهاء فترة عضويتهم، ولضمانهم من خواء أرصدتهم الشعبية في انتخابات 2006م، ولا نعلم حقيقة من ماذا يخافون؟ فكل الوزراء أحبابهم! تذكرت حينها النائب اللبناني السابق (الفقير) نجاح واكيم رئيس حركة الشعب، هذا النائب - بحسب (رفئاتي) اللبنانيين - لا يملك إلا سيارة (عقار) موديل قديم، وتذكرت الـ (BMW) التي يتمرغ في مقاعدها الجلدية نوابنا الأفاضل.
وتذكرت نجاح واكيم وهو يصف مشهدا من مشاهد الفرز الطائفي في لبنان، إذ ان أحد الناخبين الذين كان يناقشهم بشأن انتخابه وتصويته لأحد «اللصوص» لمقعد برلماني مع علم هذا الناخب بلصوصية هذا المرشح، فقال الناخب لواكيم: «لص من طائفتي ولا لص من طائفة غيري»، بهكذا عقلية يفكر الطائفيون، وبهكذا مقاييس ينتخبون من يتحكم في مصير ثروات البلاد ومواردها. تذكرت المشهد ذاته حينما رأيت الاصطفاف الطائفي في البرلمان (وليس أثناء الانتخابات فقط) مع هذا الوزير أو ذاك، ومع هذا المتلاعب أو ذاك المفسد، أو مع هذا المشروع أو ذاك.
وتذكرت واكيم أيضا حينما «فوت» مجلس النواب اتفاق التجارة الحرة مع أميركا من دون مناقشة مستفيضة بشأنها، مع ان نواب المنبر الإسلامي يتبنون المقاطعة للمنتجات الأميركية، فأين المقاطعة؟ أم انها خارج البرلمان فقط! وتذكرت نجاح واكيم حينما تحدث عن إرهاب الدولة الذي تمارسه أميركا وتساند الكيان الصهيوني في ممارساته، وكيف أن برلماننا وافق على اتفاق مكافحة الإرهاب على رغم غموض تعريف مصطلح الإرهاب، وخصوصا اننا نفهم جيدا من هو المعني بمصطلح الإرهاب الأميركي أو الأوروبي، فليس الشيخ بن لادن وحده، بل يدخل معه المرابطون في الثغور، من حماس والجهاد والشعبية وغيرها من الفصائل المقاومة في فلسطين، أو طلائع حزب الله في جنوب لبنان أو المقاومة في القطر العراقي الشقيق.
تذكرت واكيم وأنا أرى هذا المشهد المتصدع سياسيا، حينما رفض مجلس النواب قبول التحول إلى الحياة الحزبية المنظمة، وهل بعد ذلك يستطيع النواب ان يقولوا نحن ساسة، فأية سياسة وسياسيون من دون قانون ينظم عمل القوى المجتمعية في المجال السياسي؟ وأية مملكة دستورية من دون التأسيس لقيام الأحزاب؟
قمت بمقارنة نجاح واكيم مع أعضاء برلماننا بشكل مباشر لأن «البعض منهم» يحاول إيهام الآخرين بإن الكلام ليس عليه، لذلك ينبغي أن نسمي الأشياء بأسمائها ومن دون موجبات المجاملات الاجتماعية التي لم يجن منها الشعب البحريني إلا مزيدا من الفقر والبطالة والفساد الإداري والمالي.
واخترت هذا الأسلوب الصريح والواضح، لكي نقتفي أثر نجاح واكيم ما دمنا ندعو النواب الأفاضل إلى اقتفاء أثره، وهو الذي يسمي الأشياء بأسمائها، ولا يعدم الشعب البحريني من وجوه مشابهة، ونماذج مقاربة ومتوافقة مع نموذج واكيم اللبناني. وإلا فإن انتخابات 2006م كفيلة بإعادة فرز القوى المجتمعية بصورة مغايرة عما هو عليه الواقع الآن، وإن غدا لناظره قريب
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 647 - الأحد 13 يونيو 2004م الموافق 24 ربيع الثاني 1425هـ