في الفترة التي ينشغل فيها العالم بالتنمية والاستثمار وعقد الاتفاقات التجارية والاستثمارية، تحضيرا لدخول الاقتصاد الكوني والعولمي، ينكب برلماننا الوطني في حل خلافات بعض اعضائه الشخصية ورؤاهم التي ما عادت تمت إلى هذا العصر بصلة، إذ إن بعض الكتل النيابية بعد أن فرغت من الموضوعات المصيرية - في منظورهم الشخصي - كموضوع نانسي عجرم وعرض برنامج الأخ الأكبر بدأت تنتقل لهم عدوى الأمراض المنتشرة في البلدان المجاورة، فإشارات بعض الأعضاء بدأت تنكشف اكثر فاكثر، حين تطرح - بشكل أو بآخر - موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، أو ممارسة بعض الشعائر الدينية أو فرض مذهب ديني رسمي وإجباري على المجتمع، وبذلك يضرب كل أركان المشروع الإصلاحي المبني على احترام الأديان وإعطاء المرأة دورها التاريخي المغيب كنصف للمجتمع ومحاربة التطرف الديني والاجتماعي والتطلع إلى التنمية كركيزة أساسية لرفع المستوى المعيشي للفرد. يضرب كل تلك المبادئ والركائز - التي كانت السبب في وصوله إلى قبة البرلمان - عرض الحائط.
ونحن إذ نقف أمام التجربة النيابية لنستعرض وندرس إنجازاتها سنلاحظ وبوضوح ذلك التذبذب الواضح في الرأي والقرار الذي نصدم فيه عقب كل جلسة نيابية تناقش موضوعا مهما من الموضوعات التي تهم المجتمع، لينجلي عن هوة كبيرة بين مجموعة من البرلمانيين المؤهلين والطموحين الذين يمتازون ببرنامجهم الواضح والمدروس، وبين مجموعة أخرى تتخبط ولا تدري ماذا تفعل، إذ تعيش حال التيه والضياع وتقود معها المجلس والبلاد إلى متاهات نحن في غنى عنها. ولو تفكرنا في تلك المجموعة التي وصلت إلى قبة البرلمان عبر أصوات تلك الفئة البسيطة من المجتمع والتي تعتقد بان أي أمام مسجد أو رجل دين يكفي ليقود الأمة إلى الصلاح فتصوت له من دون أن تعرف حتى خطة عمله وماذا يريد. هذه الفئة التي وصلت بهذه الطريقة بعد مفاجأتها بالجواز الدبلوماسي والوضع الجديد لم يعودوا يرون بدا من خوض التجربة ذات العائد المادي والاجتماعي الجيدين، فترى ماذا يطرحون وماذا يقدمون، بل وحتى كيف يتكتلون. كل هذه الأمور الغريبة التي لم يسمعوا بها قط صدمتهم لتقودهم إلى تصور إدارة الحلقات الدراسية ليقودوا بها المجتمع وليطرحوا سلسلة من المقترحات الهزيلة.
والآن ولما بدا فشل الكتل ذات التوجه المتطرف من خلال ما تطرح، هل ستعود هذه الكتل إلى وعيها لتعد برنامجا اكثر واقعية وجدية باستعانتها بخبراء ومتخصصين؟ وهل قرروا أن يفصلوا بين دورهم كمؤسسة تشريعية ودورهم كأئمة أو قيمين في المؤسسات الدينية والمساجد؟ وهل ستعمل وبشكل تكنوقراطي على رفع المستوى المعيشي للأفراد والمجتمع من دون وصاية أو تبعية إجبارية على أحد؟ وهل سيسعون إلى طرح القضايا العامة التي تعني المجتمع بدل طرح البرامج الفردية؟ هذه أسئلة يجب أن ترد عليها الكتل الإسلامية النيابية تحديدا ليتسنى للمجتمع أن يحدد موقفه منها، وليقرر المجتمع استمراره في دعمها أو تغيير توجهه لدعم الاتجاهات الأكثر اعتدالا وفائدة للمجتمع.
في تصوري أن هذه الكتل مازالت أمامها الفرصة لتلحق بالركب العالمي وتجعل مصالح الأمة والوطن وطموح ابناء الشعب أمام مرأى العين، وتبدأ برسم خطة لعملها في البرلمان بدل أن تجعل برامجها ردود فعل أو أطروحات شكلية بعيدة عن الواقع وطموح الشعب.
رئيس لجنة التمييز بجمعية الحريات العامة
العدد 644 - الخميس 10 يونيو 2004م الموافق 21 ربيع الثاني 1425هـ