العدد 644 - الخميس 10 يونيو 2004م الموافق 21 ربيع الثاني 1425هـ

الرائد لا يَكذِبُ أهلَه

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«الرائد لا يكذِب أهله»، كما تقول العرب، فإذا كذب خان. ولكي نعرف المثل، لابد من أن نعرف وظيفة الرائد أيام العرب الأولى، قبل أن يكون صاحب رتبةٍ عسكريةٍ مهابة في الجيش أو الداخلية أو «الأمن العام» في القرن العشرين!

الرائد هو الشخص الذي كانت القبيلة تنتدبه ليستكشف مساقط الماء والغدران في الصحاري المترامية والقفار، فبدلا من التنقل بالنساء والأطفال والشيوخ والعجزة على ظهور النياق هنا وهناك، في مغامرةٍ غير محسوبة، إذ قد يجدون ماء وقد لا يجدون، تراهم يبعثون بأحدهم في هذه الجهة أو تلك، ليستكشف الأرض من حولهم، فإذا وجد الماء عاد يحمل البشارة بالحياة إلى أبناء قبيلته.

إذا كان هذا هو دور الرائد في الجاهلية، فمن يلعب اليوم دور الرائد في مجتمعنا الحديث؟ قد يقال الساسة الذين يديرون البلاد، ويقال رجال الفكر والدين الذين ينوّرون الشعوب، وقد يقال «التكنوقراطيون» الذين يعمرون المدن، وقد يقال الصحافيون، بصفتهم جزءا من النخبة في المجتمع، والتي يفترض فيها أن تكون على مستوى من الوعي وتحمّل مسئولية لعبِ دورِ ما يسمى بـ «السلطة الرابعة».

وفي مجتمعٍ سياسته راكدة، أو يُراد لها أن تكون راكدة، بحيث توضع السدود الكثيرة أمام أية محاولةٍ للتغيير السلمي والإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في كلّ مكان حتى وصل إلى أعتاب «صاحبة الجلالة»، يصبح من شبه الطبيعي أن يتأثر الصحافيون بمحيطهم الراكد، فيميلون إلى «المحافظة» والركون ويألفون الفساد حتى يصبح المنكر في أعين بعضهم معروفا. من هنا إذا صدر نقدٌ ذاتيٌّ من الداخل لبعض الممارسات والأخطاء وحتى «الخطايا» في الجسد الصحافي، يصاب البعض بـ «الارتيكاريا»، وكأن الصحافيين جنسٌ قادمٌ من المريخ. جنسٌ فوق النقد، فهم لا يأتون شيئا من الصغائر، فكيف بالكبائر التي لا يجوز أن يفكّر في الحديث عنها من يحترم الناموس؟!

من عوارض «الارتيكاريا» الصحافية أننا كصحافيين يستهوينا نشر أسمائنا في الصفحة الأولى، أو مذيّلا بمقال في صفحات «الأعمدة» الشخصية، و«نموتُ من الفرح» إذا نُشِر لنا مقالٌ وتلقينا عليه اتصالات و«مسجات» من القراء، ونحب أن تنشر صورنا ليتعرف على حضراتنا القراء، لكننا غير مستعدين أن نقول كلمة حقٍ قد «يزعل» منها بعض المتنفذين وأرباب السلطة وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة. وإيّاك ثم إيّاك أن تدنو مما أجمع الناس على احترامه، حتى لو كان هذا الاحترام كالثلج. ولكن... حتى الثلج «الصحافي» الأبيض تذيبه أشعة الحقيقة عندما تبدأ بالتسلّل من وراء الأفق في الصباح.

رائد الجاهلية كان ينصح قومه ويدلّهم على طريق الحياة، أما رائد اليوم فملعونٌ إن تجرّأ بالنصيحة. فالمطلوب أن يحمل فرشاة للأصباغ الملونة ليوزّع المديح الأجوف على من يستحق ومن لا يستحق، ليكون من «المهذّبين». المطلوب من ممثل «السلطة الرابعة» المزعومة أن يحظى ببهرج الرتبة الصحافية المهيبة من دون أن يدلّ الناس على ما ينتظرهم بعد عشرة أعوام من سنوات القحط والمحول

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 644 - الخميس 10 يونيو 2004م الموافق 21 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً