لا نحتاج إلى دليل لإثبات البيروقراطية الضاربة بجذورها في غالبية وزاراتنا الخدمية، ولا نحتاج أيضا إلى سرد القصص التي تدعم هذا الادعاء لأن كل قارئ سيتذكر حالا موقفا أو موقفين، تعرض لهما في وزارة من تلك الوزارات.
إلا أننا هنا نريد أن نضع وزارة العدل في كفة والوزارات الأخرى في كفة أخرى، فليس من المبالغة أبدا القول بأنك عندما تحتاج إلى تخليص معاملة بسيطة في هذه الوزارة المهمة تحتاج إلى التأهب والاستعداد لتتعرف على كل زاوية وغرفة ومسئول وموظف وحارس أمن... كل هذا لتخليص معاملة لا تستغرق خمس دقائق في الدول المتقدمة.
إصدار وريقة بختم وزارة العدل أصعب من إصدار كتاب في القانون! وإصدار وثيقة لأرض أصعب من بناء ثلاثة أدوار عليها، لأنك عندما تريد أن تخلص معاملة تافهة تحتاج إلى استخدام مصاعد الوزارة أكثر من عشر مرات، وإلى الدخول على أكثر من مدير ومسئول، لينتهي يومك من دون انتهاء معاملتك، وستكتشف أنك تحتاج إلى تخليص عشرين معاملة إذ يقول لك «الموظفون» أن معاملتك لا يمكن إنجازها إلا بإجراءات هي عبارة عن معاملات أخرى!
ولا تختلف إدارة عن أخرى في مبنى وزارة العدل أبدا فكل الدوائر يدور فيها المراجع إلى أن يصيبه الدوار فلا يدري أية معاملة يريد أن يخلص، وأية مهمة يريد أن ينجز، وليس ذلك نسجا من الخيال أو ضربا من المبالغة بل حقيقة يتذوقها من سبق له التورط بتخليص معاملة واحدة تحت سقف هذه الوزارة، وسيتذوقها أيضا من تلقيه الأيام لاحقا على عتباتها.
يبدو أن البيروقراطية من الصعب اقتلاعها من جذورها في مثل هذه المواقع التي عشعشت فيها وأثمرت وأينعت، ولا يمكن لنا بناء نظام حديث بعقليات قديمة تعودت على وقوف المراجع خلف طاولة الموظف كوقوف المتهم أمام القاضي، وتعودت أن تجعل المراجع مراسلا حاملا ثقله على ظهره يتجول به من دائرة لأخرى ومن مكتب لآخر.
ومع ذلك كله لاتزال الكرة في ملعب الوزير الذي نقل عنه كثيرون استياءه من وضع الوزارة، غير أن أحدا لم ينقل عنه بعد قرارا واحدا في طريق التغيير الجذري لاقتلاع البيروقراطية من موطئ قدم القانون، فهل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة أم الهدوء الذي يسبق النعاس؟
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 641 - الإثنين 07 يونيو 2004م الموافق 18 ربيع الثاني 1425هـ