العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ

نحو «عولمة إنسانية» على خطى الصين والهند واليابان

ولادة الحركة الديمقراطية العربية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

عادت بيروت كسابق عهدها تبث من نبعها الذي لا ينضب الأفكار الحديثة والطموحات الحالمة، وتحتضن ولادة الحركات الجديدة وترعاها، وهي التي تقبل على التحديات انتصارا للحياة والتفاؤل كعادتها، كل ذلك من أجل أن تتحول أحلامها إلى حقائق على أرض الواقع.

«كيف لنا إيجاد الرافعة السياسية، والتفكير في الدوافع الاقتصادية والثقافية، لا بل إنشاء مرجعية فكرية وسياسية وتحويلها إلى مرجعية شعبية؟...» ميشال كليو، أحد حضور المؤتمر التأسيسي لحركة التحرر العربية الديمقراطية الذي انعقد في مدينة بيروت في الفترة ما بين 28 مايو/ أيار و30 يونيو/ حزيران 2004، رأيه كان ردا على الورقة التي قدمت لوضع اسس مشروع البيان التأسيسي للحركة «حركة الدولة العربية الديمقراطية». وأضاف آخر من الحضور أن المشكلة الأساسية في واقعنا العربي تكمن في الفراغ، إذ لا يوجد مشروع للأنظمة السياسية أو حتى للقوى الوطنية على حد سواء، ولهذا تتوالد المشروعات على عالمنا العربي، وهي لا تفعل شيئا غير «الرفض».

أما الكاتب والصحافي جمال فهمي فدعا إلى البحث عن نقاط الالتقاء، وتشكيل حركة التحرر العربية الديمقراطية التي تأخذ في اعتبارها «الشعب العربي» بدل «الشعوب العربية». وصف آخرون الورقة بأنها تصنع مشروعا رومانسا حالما بعيدا عن الواقعية، وجاء رد كاتبها اللبناني سعد محيو: «أن المشروع يتصف بالرومانسية، لكنها ليست كأي رومانسية نتخيلها، إذ هي برنامج عمل سياسي للمرحلة المقبلة، والديمقراطية ما هي إلا صيرورة تاريخية وليست شعارا، وهي تعني في الوقت ذاته الهوية الوطنية الموحدة».

رجل العالم المريض

بيد أن الورقة حللت بدقة محددة الواقع العربي بأبراز ملامحه وهي: ترافق المشكلة العربية بدخول البشرية مرحلة الثورة التكنولوجية، والموقف العربي لايزال يتراوح بين الخوف والتهميش وافتقاد الرؤية والبرنامج. كما ترافقت بالشكل الجديد للعولمة الذي من أبرز سماته توحيد الاقتصاد والسياسة، أو ما يطلق عليه «إمبراطورية العولمة»، وهذا ما تحاول حضارات شرقية مثل الصين واليابان والهند وبعض الدول الأوروبية تطويره وتغييره إلى شعار تحت «العولمة الإنسانية». أضف إلى ذلك النظام الدولي الجديد قيد الإنشاء، إذ يطل على المنطقة العربية بصفتها «رجل العالم المريض»، الذي يهدد العالم بسبب الإرهاب والانفجارات الديمغرافية والفقر والاستبداد ويشكل خطرا على الأمن العالمي ولابد من إخضاعه وإدماجه عبر مبادرة «الشرق الأوسط الكبير»، ولن تتخلى عنه حتى لو أخضع مشروع الادماج بالقوة عبر تحويل الحلف الأطلسي إلى شرطي العالم العربي.

وأكدت الورقة عجز الدولة - الأمة (القطرية) ونظامها الاقليمي عن مواجهة التحديات الجدية، في زمن بدأ مفهوم الدولة - الأمة بالانهيار، كما يفتقدان القدرة على حماية شعوبهما من مخاطر التهميش الاقتصادي والتفكك السياسي والاستعباد الاستعماري، وافتقاد للقدرة على بلورة عمل عربي مشترك ومستقل قادر على فرض الإرادة العربية. وتطل إلى جانب ذلك أزمات المجتمع العربي القطري ومن أبرزها سلطة الاستبداد التي أدت إلى انقسام المجتمع على أسس مذهبية وطائفية وقبلية، علاوة على بروز الاسلام السياسي المنقسم ما بين شيعي وسني، إضافة إلى التفتيت والتمذهبات الخطيرة غير القادرة على طرح مشروع نهضوي - وحدوي - وسياسي، أضف إليها انعدام أي برنامج لتحرير الإنسان العربي وإطلاق حرياته وحقوقه وإمكاناته الإبداعية والاقتصادية، ناهيك عن الاعتراف بحقوق المرأة.

وبرز بحسب تحليلها وجهان آخران للمشكلة لا يمكن القفز فوقهما، الأول: غياب عنصري العقل والحرية في الاجتماع العربي والثقافة العربية والحاجة الماسة إلى تحرير العقل العربي عبر تضيق مساحة المقدسات والايديولوجيات المغلقة، واطلاق عصر أنوار عربي جديد؛ والثاني: حال الاحباط والاكتئاب الجماعيين وخصوصا عند الشباب، ما يستوجب إحياء الأمل بالغد وبعث التفاؤل بإمكان التغيير.

وطرحت أثناء الحوار جملة من الأسئلة التي تفتح مغاليق الواقع من أجل التفكير بإمكان تحقيق الحلم الرومانسي الواقعي، وهي ما إذا كانت الدولة القطرية الحالية قادرة على التنمية بشكل مستقل؟ وهل هي قادرة على الدفاع عن الاجتياح وحماية الشعب؟ أو قادرة على انقاذنا من الفقر والتخلف؟ أو ستساعدنا على إمكان ولوج عصر الحداثة وما بعدها؟ وعلق: «كل هذه الأسئلة تدعو إلى التفكير بصوت عالٍ، وتتطلب تغييرا جذريا في منهجية التفكير».

إذا وهذا حالنا، ما البرنامج الذي يشكل استجابة للتحديات التي تم التطرق إليها؟ والحالم بإشراك الأمة في الثورة التكنولوجية، ومقاومة العولمة المتوحشة، تكون فيه الأمة مؤثرة على النظام الدولي خلال لحظات تشكله الحاسمة، والخارجة من ورطة الدول - الأمم وحروبها الأهلية، والقادرة على انقاذ المجتمعات العربية من الانقسامات ما بعد الحداثة المدمرة... إلخ. وبعد حوار مستفض ساده الاختلاف كما الاتفاق على أن الوصفة للخروج من هذا المأزق، تكمن في إعادة ترتيب الأولويات الفكرية وأساسها السياسي، حيث تجديد الفكرة العربية وتنقيتها من الشوائب التي لحقت بها جراء الفكر القومي «الرومانسي»، الذي اثبت أنه فاشي واستبدادي ودكتاتوري وحالم وخيالي وأسطوري، وتقدير قوة الهوية العربية وتجذّر وحدة المشاعر العربية، فالثورة الفكرية تتطلب ثورة في النظرية على الصعيد السياسي من دون الاضطرار إلى الاعتماد على الأسطورة، وذلك اعتمادا على المجتمعات العربية حين تكتشف الطريق إلى مواجهة الفقر والتهميش عبر الاستخدام الأمثل للطاقات والثروات العربية ووضعها في خدمة خطط التنمية والتطويرات العلمية والتكنولوجية، وتخطي مخاطر الحروب الأهلية والانتقال إلى حال الفعل السياسي والابداع الثقافي والمساهمة في إنتاج النظام العالمي الجديد، وانقاذ الشعوب العربية الصغيرة وثرواتها من عمليات الالحاق والهيمنة وتحويل فكرة العروبة الديمقراطية إلى نظام سياسي ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة للجميع، وإعادة صوغ قضية فلسطين ومشروع تصفية الكيان الصهوني في المنطقة على أسس نضالية جديدة وبلورة حل عربي للمسألة اليهودية خارج إطار المشروع الصهيوني، وإعادة الاعتبار لمفاهيم الكرامة والسيادة والاستقلال العربي بعيدا عن الفكر «الواقعي» الانهزامي الداعي إلى قبول املاءات القوة الامبراطورية الأميركية.

ربط وتنسيق و«شبكة عنكبوت»

وبدوره يبرز برنامج العمل التنظيمي كآلية عمل في سياق ترتيب الأولويات الفكرية ذات الأساس السياسي، إذ تتوجه الحركة إلى الجماهير العربية وتدعوها بثقة كي ترفع رأسها وتخرج من حال الاكتئاب والاستنكاف، كما في الدعوة التاريخية لكل الحركات العربية إلى إيجاد المشترك وبلورته في جهد مشترك لتغيير خريطة المنطقة لصالح الأمة. وشروط هذه الشراكة أن ينتفي عنها تأبيد دعائم الدولة القطرية، ولا تتهاون في مسألة ديمقراطية العروبة أو التعايش مع الدولة اليهودية، وبلورة تنظيم الحركة كمشروع سياسي مفتوح، كما يشترط أن تكون كل جهود وتوجهات أطراف المشاركة موجهة بالكامل داخل دولها القطرية نحو بناء الدولة العربية.

واتفق الحاضرون على أهداف واضحة، منها أن وحدة الأمة لابد من بنائها على أسس ديمقراطية تقدمية، فضلا عن تحرير المحتل من الوطن العربي ومقاومة الاستعمار وإشاعة الديمقراطية وتداول السلطة ومحاربة الفساد وإقامة مجتمع العدالة والمساواة، وتعميق ثقافة المقاومة للمشروعات التي تستهدف حرية واستقلال الأمة والتمسك بما هو حضاري وإنساني من تاريخ أمتنا وتاريخ الشعوب والحضارات العالمية ومواكبة العصر. ويشترط لعضوية الحركة الإيمان بأهدافها، إذ لا مكان بينها لمن يمثل الأحزاب الحاكمة أو الطائفية أو العنصرية.

استقلالية مالية

ولأن الجانب المالي لا يقل أهمية عن البرامج السياسية والفكرية فقد التزم المؤتمرون بمبدأ التمويل المستند إلى الجماهير عبر تنظيم الحملات الإعلامية والتحفيز على التبرعات عبر شبكة فاعلة، وعلى مستوى نخبوي من خلال المؤمنين بدعم الفكر العربي ومشروعه، اضافة إلى اشتراكات الأعضاء. بيد أن أهم ما جاء في هذا السياق هو نشر التقارير المالية دوريا بشفافية وعدم قبول أية تبرعات ومساعدات مالية من جهات أجنبية لها علاقة بالأنظمة الحاكمة.

ماذا بعد؟

فعلا... ماذا بعد حوار ثلاثة أيام متواصلة؟ النتيجة، كانت في البيان التأسيسي الذي تمخض عن المؤتمر، والاعلان عن تأسيس حركة التحرر العربية الديمقراطية، ولجنتها للتنسيق والمتابعة.

إن المشهد واضح، فالتحديات أمام هذه الحركة وتوسعها بعيدة الأجل، فهل تكون صاحبة مشروع ديمقراطي حضاري هي الأخرى، عوضا عن مشروعات أنظمة الحكم أيا كانت، استبدادية أو شوفينية أو طائفية أو قبلية، أو تلك المقبلة عبر قرار خارجي استعماري.

نكرر ثانية وثالثة: أن التحدي ليس بالأمر اليسير، وهو يتطلب تعميقا للبعد العربي في ذهنية الفرد العربي، والترويج للفكرة يتطلب مدارا واسع المدى، قد يكون الحلم رومانسيا، وقد تختلف الأطراف بشأن الكثير من التفاصيل التي تختفي بينها الشرور، وقد لا نرى بصيصا للأمل قابلا للتحقق، بيد أنه يكفي إلى الآن أن نلتقي ويلتقى معنا الآخرون على أهمية نزع فتيل الاحباط والاكتئاب، والمراجعة الصادقة لمضمون المفاهيم المعتمدة في تاريخنا السابق، إذ اثبت الزمن أن الشعب العربي لا حاجة له إلى مرجعية فكرية وسياسية وعقائدية واحدة، إنما إلى مرجعيات تنطلق بالأساس من أن مجتمعاتنا تشمل المختلف والمتباين كما المتوافق، ذاك الذي لابد أن يأخذ فرصته للتعبير بحرية والحصول على الحقوق، وعليه تبقى الحاجة الماسة إلى التخفيف من حدة عزلتنا والغوص في أتون خصوصياتنا على رغم أهميتها، بحاجة للتفكير الهادئ الذي يجد صداه عند الآخر بالهوية ذاتها، فقد أثبت الزمن أن بتر أي جزء من أرضنا العربية سيؤدي بالضرورة إلى علة وشل باقي أجزاء الجسم.

إن مقاومة التخلف والشر في مجتمعاتنا تستوجب الالتصاق أكثر فأكثر بمؤسسات المجتمع المدني وبالمواطن العربي. وواقع الحال فيه من التردي ما فيه، والرهان هو كيف نجعل هذا الحلم الرومانسي واقعا، يستند إلى بناء تراكم طويل الأمد، قد لا تتحقق نتائجه الآنية الإيجابية في عصرنا ولمصلحة جيلنا، لكنه بالتأكيد سيورث بعض ما نحلم به لأبنائنا وأجيالنا القادمة، وقتما يفتحون كتب التاريخ ويعلمون أن آباءهم قاوموا اليأس والاحباط وحاولوا التداول بجدية مع بعضهم بعضا، وبشعور كبير من المسئولية لما يمر به وطننا العربي من أقصاه إلى شرقه، فقدر الجميع العمل في هذه الظروف وبمستوى تحدي المرحلة وعدم التعالي أو الاستنكاف

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 639 - السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً