أخيرا حسم ماراثون السباق على موقعي رئاسة الحكومة والجمهورية العراقية بتكليف كل من اياد علاوي وغازي عجيل الياور لاحتلال هذين الموقعين بعد ان كادت الأزمة التي رافقت المداولات بين الانتقالي وإدارة بريمر ان تطيح بعلاقة الوفاق التي تشكلت بين هذين الطرفين خلال الفترة الماضية منذ سقوط نظام صدام حسين وإلى الآن.
وكانت جذور هذه الازمة التي اندلعت في غضون الأسبوع الاخير قبيل اعلان النتيجة النهائية في تحديد اسماء رئيس وطاقم الحكومة وكذلك رئيس الدولة ونوابه قد بدأت منذ بضعة اشهر، فيما بدأ عضو مجلس الحكم عدنان الباجة جي يصر على اشراك الأمم المتحدة وبصورة فعالة في حل إشكالات القضية العراقية وإعادة السيادة إلى العراقيين، ولكن الباجة جي الذي اسندت إليه مهمة كتابة قانون الدولة العراقية وقع من دون قصد في خطأ جسيم حينما أشار في احدى بنود القانون إلى ان اختيار رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء يتم بتشاور مجلس الحكم العراقي المؤقت مع الأمم المتحدة والحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر، وبذلك وزّع هذه المهمة الخطيرة بين ثلاثة مراكز مع تثبيت مبدأ «التشاور».
في تلك الفترة شعر اعضاء الانتقالي بأن الباجة جي الذي ربطته علاقة وطيدة مع الأمم المتحدة وتحديدا مع الأخضر الإبراهيمي بحكم خدمته الطويلة في السلك الدبلوماسي الخارجي سابقا، يسعى إلى استخدام هذه العلاقة في انتزاع صلاحية مجلس الحكم لاختيار القيادة العراقية الجديدة ونقلها إلى الأمم المتحدة، بعد ان ضمن تعاطف الإدارة الاميركية وعدد من دول الجوار والدول الاقليمية معه مثل دولة الامارات، إذ عمل مستشارا للشيخ زايد بن نهيان لعدة عقود ماضية اضافة إلى الاردن ومصر وإلى حد ما السعودية، لذلك حاول الباجة جي ان يدفع باتجاه قيام الأمم المتحدة باختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
وفي المقابل كان أحمد الجلبي في ذلك الوقت يسعى من طرفه إلى الحصول على دعم واشنطن وصقور البيت الابيض لتسميته رئيسا للجمهورية أو رئيسا للحكومة العراقية الجديدة، أما الطرف الثالث في هذا السباق الذي دار خلف الكواليس فكان إياد علاوي، الذي استدعته واشنطن قبل اشهر من الآن للتباحث معه بشأن هذا الأمر، وذكرت وسائل الإعلام في حينها ان الإدارة الاميركية ابلغته بأن مرشحها لرئاسة الحكومة هو مهدي الحافظ اما مرشحها لرئاسة الجمهورية فهو عدنان الباجة جي، وبذلك ادرك ان المعادلة قد تغيرت ولم يعد بالامكان مواجهة الرغبة الاميركية إلا بالصمت والانتظار.
وبدأت المشكلة تأخذ مسارا آخر حينما وصل الإبراهيمي إلى العراق في الجولة الأولى للتباحث مع مجلس الحكم والقوى الأخرى خارج المجلس لتحديد اسماء المرشحين، وكان يحمل معه إسمي الباجة جي ومهدي الحافظ.
وحينما قرأ أحمد الجلبي توجهات الإبراهيمي نشبت معركة صحافية بينه وبين الابراهيمي إذ صرح الجلبي ان الابراهيمي لديه اجندة خاصة به، وهو منحاز إلى دول بعينها - ويقصد الاردن - ويريد خلق فتنة بين العراقيين من خلال تهميشه لموقف السيدعلي السيستاني في المطالبة بالانتخابات العامة وتقريعه للشيعة، بيد ان الإبراهيمي نفى كل ذلك، وتوسعت دائرة الحرب الكلامية، وشملت الباجة جي الذي اتهم بالتواطؤ مع الإبراهيمي، وانقسم موقف مجلس الحكم، وبدأت تتبلور تكتلات ضيقة، قامت على اساس المصالح المستقبلية المتعلقة بالرئاسة والحكومة الجديدة. وحين اخرجت الإدارة الاميركية أحمد الجلبي من اللعبة السياسية عندما داهمت بيته واتهمته بالتجسس لصالح إيران وما إلى ذلك من اتهامات، قام الجلبي بتركيز هجومه على الإبراهيمي وعدنان الباجة جي، والتف حوله عدد من اعضاء المجلس وقوى صغيرة خارج المجلس، وشكل «البيت الشيعي» الذي استخدمه كوسيلة ضغط ضد ترشيح الباجة جي.
كان اياد علاوي ومسعود البارزاني وغازي عجيل الياور قد شكلوا كتلة متفاهمة فيما بينها منذ نحو ستة أشهر من الآن، استعدادا لمثل هذه اللحظات.
واخيرا توافقت هذه الكتلة مع كتلة الجلبي «البيت الشيعي» مع التيار الكردي لاستبعاد الباجة جي من رئاسة الجمهورية أو الوزارة المقبلة، ونشط في هذا الاتجاه رئيس المجلس للثورة الإسلامية السيد عبدالعزيز الحكيم، الذي أوفد من قبل أعضاء المجلس لإقناع غازي عجيل الياور بترشيح نفسه بدلا من الباجة جي، وهكذا حصل عجيل الياور على 96 في المئة من أصوات أعضاء المجلس، واعلنوا انهم متفقون عليه وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس الحكومة اياد علاوي. وبذلك أقصي الباجة جي عن الرئاسة، مع كل ما لقيه من دعم أميركي وكذلك من الأخضر الإبراهيمي، فقد فرضت الأسماء الاخرى من قبل المجلس بعد ان هدد الأعضاء بالخروج من دائرة التعاون مع قوات الاحتلال وتشكيل حكومة ورئاسة مستقلة، وخافت الإدارة الأميركية من تداعيات مثل هذه الخطوة فوافقت على مقترح المجلس وانسحب الباجة جي من اللعبة.
حكومة الستة أشهر المقبلة تواجه مهمات عصيبة، فإما ان تذلل هذه المهمات أو تعود بالعراق إلى نقطة الصفر، ولا تهم الأقوال الا بقدر ما تهم الأفعال المقبلة
العدد 636 - الأربعاء 02 يونيو 2004م الموافق 13 ربيع الثاني 1425هـ