جميل جدا أن نرى ونسمع من يدعو إلى الحوار، والأجمل هو أن نرى من يطبق ذلك بنوايا صادقة واخلاص، وضمن سياسة متناسقة ومتكيفة مع الأوضاع المحلية ضمن أطر مرتبطة بمواقف أكثر دقة وواقعية.
لدينا نقاط ارتكاز مشتركة تعكس أهدافنا على المدى البعيد، يجب علينا التمسك بها بشكل فيه تداخل حميم بين نشاطات الجمعيات السياسية، بدلا من التشبث بحواف بنية قشورية وقتية تنتهي صلاحيتها مع تقدم الزمن.
المطلوب ليس ذوبان الآخرين أو تلاشيهم من الساحة، لأن وجودهم حق طبيعي لهم، ولهم الحق في الاسهام في رسم وتحديد طبيعة الوضع السياسي ووضع الاستراتيجية اللازمة لذلك. إن التنكر للآخرين وتجاهل دورهم فيه تهور واحساس بعدم المسئولية. لقد آن الأوان للتخلص من الأفكار الضيقة والأدوات القديمة التي تجاوزنا مرحلتها، والتجديد عامل ضروري في خلق التوازن مع كل مرحلة بحسب ظروفها وشروطها الموضوعية، وعدم محاولة فك رموزها أو معالجتها بشكل أحادي مجرد واقصاء الآخرين ودورهم سياسيا.
إن مصلحة الوطن قبل أي شعار يراد بها الانتصار الفئوي الضيق من قبل من يريد احتكار العمل الوطني والتشكيك في آراء الآخرين بمجرد انهم يختلفون معهم في تقديرهم للأمور. إن القضية الوطنية ليست حكرا على أحد، أو على طرف من دون آخر ولا يحق لأية جمعية أن تسلب الآخرين حقهم في الحوار وتحدد من لهم حق الحوار بشكل ثلاثي أو رباعي أو خماسي.
هناك من يجلس في الندوات وحتى الجلسات المحدودة ويعلن بصوت جهير أنه وحده صاحب الصدارة والحق في التحدث باسم الشارع وفرض الوصاية على الآخرين، ممن لهم رأي آخر في الشأن الدستوري، ويرى في الآخرين كأنهم يريدون تحطيم كبريائه والتعدي على كرامته، حتى يصل به تفكيره الى ما يعيدنا الى إشكالات عصبية، كانت شائعة أيام القبائل الجاهلية.
لقد حان الوقت للتحرر من طوق النظريات والديمانوجيات المستهلكة والتخلي عن مبدأ احتكار القضية وابداء الاستعداد لتقييم كل التأثيرات التاريخية للحركة الوطنية بجميع روافدها القومية والعلمانية والدينية، وانعكاساتها على مجمل الأوضاع، وخلق توازن بين الجميع بدلا من التبعثر في الساحة.
يجب تعلم الديمقراطية إذا كنا لا نعرفها، ونتدرب عليها أكثر إذا كنا نعرفها، ونميز بين رجحان هذه أو تلك من الأفكار وألا نتجاهل الآخرين، فمن لهم تاريخ نضالي طويل في العمل السياسي والتنظيمي، أثبتوا في أكثر من موقع صدقية تحليلهم وصواب موقفهم من الأزمات التي مرت بالبلاد، أما إذا كان هناك من يريد أن يعمي الحقيقة فهذا شأن غير جدير بالاهتمام.
أخيرا، إن الدعوات المتكررة لحكر الحوار الوطني لن يكتب لها النجاح، لأن الحوار الواسع بدأ منذ فترة ولا يحتاج الى كثرة الإعلانات والهالات الدعائية، بل المطلوب هو السير بنفسٍ واحد من النقطة التي وصلنا إليها، لنخرج من الأزمة مختصرين مسافة السكة
العدد 634 - الإثنين 31 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الثاني 1425هـ