انقشعت غيوم ليلة السبت الحزينة، وتنفست أنا الصعداء، بعد أن انهالت المكالمات و«المسجات» التي تعلن توزير الفريق راشد بن عبدالله للداخلية، وكم كنت أتمنى ألا يحدث ما حدث من إصابات، وإهانات لرموز دينية وسياسية في البلد، وبصراحة فقد توجّست كثيرا، وتمنيت لو أن الأرض بلعت قوى الأمن بكل ما فيها من خير وشر، وكأنني أريد أن أعيش في دولة بلا أمن، ذلك من شدة ما سمعت من أهوال ليلة السبت، فمن إصابة الأخ جواد فيروز إلى إغماء أحد العلماء إلى سقوط عمامة عالم آخر، فمن يرضى بذلك؟ أليس من الوطنية الدفاع عن أبناء الوطن لدى ممارستهم حقهم في التعبير السلمي عن آرائهم؟
ومع ذلك، فإن المنفعة في تلك المضرة، هي ما جاء من تداعيات ونتائج لتلك الحوادث المؤسفة، وكم كنت أتمنى أن يكون التغيير أبيض، وليس على إثر ما حدث من تشويه لسمعة البحرين والأذى الذي لحق بالعلماء والسياسيين.
ومع ذلك فرب ضارة نافعة، وقد تعلمت أن من السياسة اقتناص الفرص، وان الحكم هو أكثر من يستثمر تلك الفرص المتاحة، بل ويوظّفها لصالحه، وهكذا كان قرار جلالة الملك حفظه الله ورعاه من كل مكروه، الذي اقتنص فرصة مواصلة العمل على إصلاح ميادين العمل الوطني كافة، كما قال جلالته في خطاب العيد الوطني في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1999م.
واستثمار الفرص، وخلق الأجواء المناسبة لها، هي سياسة استطاع الحكم انتهاجها بكل ثقة واقتدار في مجال الحكم والسلطة، ووظّفها لصالح مشروعه الإصلاحي، وبالتالي «فإن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء»، هكذا يريدها جلالة الملك ومن ثم يسير مع شعبه ناحية دول الديمقراطيات العريقة، واحترام حقوق الإنسان وكرامته، تلك الكرامة التي طالما هُدرت على هذه الأرض الطيبة.
عشنا ردحا من الزمن تتساوى فيه كرامة الإنسان بقطعان الزميل قاسم حسين، وماشيته في الحظيرة، والتي لا يملّ ولا يكلّ قلمه عن التذكير بها، حتى ظننّا إنها نحن ونحن هي، ولكن حتى القطعان ليست محرومة من حق (التبمبع) في الحظيرة أو التيه بحرية في البرية، أما نحن فمحرومون من هذا الحق الحيواني، ومحرومون من حق المسير في مظاهرات سلمية، وعليه فإنني ومن هذا المنبر أدعو الاخوة في الداخلية إلى إعطائنا الحق في (التبمبع) والخروج في مسيرات منظمة وسلمية ليس إلاّ، ونطالبهم بإبعاد عصا الراعي الغليظة عن أجسادنا، فما نحن إلا بشر نمارس جزءا من حقوقنا بعد أن حُرمنا من أجزاء كثيرة، فهل هذا المطلب عزيز عليهم؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 633 - الأحد 30 مايو 2004م الموافق 10 ربيع الثاني 1425هـ