العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ

ضمير الغرب: غارودي، تشومسكي، غالاوي ... وآخرون

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تبدو ردة الفعل الغربية في استنكار ما تم الكشف عنه من جرائم قامت بها سلطات الاحتلال الاميركي - البريطاني في سجون العراق وخصوصا في سجن ابو غريب، امرا طبيعيا، وهي تتوافق مع ردات فعل مماثلة على ممارسات وسياسات ذات طابع غير انساني ودموي، تطبقها حكومات غربية تمثل مصالح اقليات طبقية - ايديولوجية او سياسية ذات طابع متطرف على نحو ما كانت عليه سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا حيال العراق ولاسيما خلال الحرب عليه في العام الماضي وما جرته من احتلال للعراق، تبعته ممارسات تدميرية ودموية ضد الكيان العراقي وشعبه.

لقد اتسمت ردات الفعل الغربية في مستواها الشعبي في تسيير المظاهرات المعادية للسياستين الاميركية والبريطانية ازاء العراق، ولم تتأخر التظاهرات في اعلان تضامنها مع الفلسطينيين في مواجهة سياسة «اسرائيل» في الاراضي الفلسطينية، حسبما بينت شعارات المتظاهرين وهتافاتهم في عواصم الغرب ومدنه وخصوصا في واشنطن ولندن.

والحق فإن التظاهرات والمسيرات واشكال استنكار السياسات العدوانية والتضامن مع العراقيين والفلسطينيين، التي نظمتها وشاركت فيها احزاب وجماعات سياسية واجتماعية، كانت بين أشكال أخرى من تعبيرات ضمير شعوب الغرب ورأيه العام حيال قضايا هزّت ضمير العالم بقسوتها وفجاجتها، وهو ما وجد تعبيراته في كثير من مواقف الصحافة والاعلام على نحو ما حدث أخيرا من جانب الاعلام الاميركي والبريطاني في فضح عمليات تعذيب وإهانة السجناء والمعتقلين العراقيين في ابو غريب، وهو جهد شارك فيه الاعلام الغربي بكل قوة كما حدث في الصحافتين الفرنسية والالمانية.

وتعبير الرأي العام وصحافته عن ضمير الغرب في استنكار سياسة سلطات بلاده ومواقفها السياسية وممارساتها العدوانية والمتوحشة وتعارضها مع حقوق الانسان، ليس أمرا جديدا ولا طارئا، بل دائما وتقليديا، ويجد تجسيداته في مواقف كثير من رجال النخبة الغربية اصحاب الضمائر الحية، التي واجهت على الدوام السياسات والممارسات العدوانية لحكوماتهم، وتبنت مواقف الى جانب الذين لحق بهم العدوان والظلم، دولا كانوا او شعوبا، وفي هذا تشارك اعضاء في نادي النخبة الغربية من رجال الفكر والسياسة والمبدعين ورجال دين في كل دول اوروبا واميركا، ولعل من الصعوبة بمكان عرض الاسماء والمواقف، لكن يمكن الاشارة الى البعض ومنهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي، والمفكر وعالم اللسانيات الاميركي ناعوم تشومسكي، ورجل السياسة البريطاني جورج غالاوي.

لقد وقف غارودي من دون لبس في مواجهة سياسة «اسرائيل» ضد العرب والفلسطينيين وخصوصا على مدى عقود من السنوات، وذهب الى الابعد في كشفه الاساس الذي ترتكز اليه العدوانية الاسرائيلية، مؤكدا في مؤلفات عدة تميزت بموضوعيتها ودقتها العلمية الرابط بين سياسة «اسرائيل» وخلفيتها العقيدية، فيما ابرز ناعوم تشومسكي روابط الرأسمالية الغربية بالدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، وهو لم يتأخر مثل كل المفكرين الاحرار في ادانة سياسة «اسرائيل» ضد الفلسطينيين، ولا تردد في ادانة سلوك حكومته في العراق سواء في كتبه او في مقالاته الكثيرة وفي محاضراته واحاديثه التي ألقاها في سياق نشاطه السياسي وفي ميدان حقوق الانسان.

وتميز رجل السياسة البريطاني جورج غالاوي بشجاعته السياسية وبمواقفه الواضحة في قضيتين اساسيتين هما القضية الفلسطينية والموقف من الحرب على العراق. وطوال اعوام، كانت مواقف الرجل داخل حزب العمال الحاكم في بريطانيا الذي يتزعمه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وداخل مجلس العموم البريطاني الذي تسيطر عليه أكثرية عمالية، الأكثر جذرية في معارضة سياسة «اسرائيل» حيال الفلسطينيين ودعما لحقوقهم الوطنية بالتوازي مع معارضة الحرب على العراق واحتلاله ومشاركة بريطانيا في ذلك.

ولأن مواقف هؤلاء، لم تكن تتناسب ومواقف الطغم الحاكمة والنافذة ومؤسساتها وامتداداتها في المجتمعات الغربية، فقد تعرضوا لحملات التهديد والابتزاز والضغط باشكالها ومستوياها المختلفة، من دون ان يغير ذلك من قناعاتهم الفكرية ومواقفهم السياسية، التي استمروا في الدفاع عنها الى أبعد الحدود.

ومواقف المفكرين والنشطاء والساسة على نحو ما عبرت عنه مواقف غارودي وتشومسكي وغالاوي، ليست سوى نماذج عن مواقف مئات الاسماء في نادي النخبة الغربية، التي تؤكد حقيقة رفض الضمير الغربي الظلم والعدوان وانتصاره للقضايا العادلة، على رغم مساعي الاوساط المتطرفة حرف المجتمعات الغربية ونخبتها عن ذلك المحتوى الجوهري تحت شعارات الحرية والديمقراطية على نحو ما يفعل كهنة اليمين الاميركي المحافظ في محاولة التأثير على ضمير مجتمعاتهم ومواقفها وخصوصا حيال العرب والمسلمين وقضاياهم في اطار ما يسمى بـ «الحرب على الارهاب»، غير ان الوقائع تبين ان هدفا كهذا صعب التحقق في مجتمعات دفعت الكثير من أجل قيم التقدم والتحرر، لهذا السبب وأسباب أخرى، فإن ضمير هذه المجتمعات لا يمكن ان يموت، وسيظل فيها كثير وكثير جدا ممن يرفضون الظلم والعدوان

العدد 632 - السبت 29 مايو 2004م الموافق 09 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً