العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ

نحو انطلاقة جديدة للشراكة السعودية اليابانية

عبدالله القويز comments [at] alwasatnews.com

استقبلت المملكة العربية السعودية المبادرة التي اطلقها رئيس وزراء اليابان كيزومي عند زيارته للمملكة في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي 2003م، والتي تدعو إلى ترتيب احتفال بمناسبة مرور خمسين عاما على اقامة العلاقات بين البلدين. إذ تم الاتفاق على اقامة هذا الاحتفال في العام 2005م. وتعمل الدولتان جاهدتين على ان يعكس هذا الاحتفال ليس فقط العلاقات الاقتصادية المتميزة بينهما وانما أيضا طموحاتهما نحو دفع هذه العلاقات إلى مجالات ارحب والتأسيس لعلاقات حقيقية تتعزز وتتطور وتلامس بشكل اعمق مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية والتكنولوجية.

وفيما يأتي سألقي مزيدا من الضوء على الجوانب الاقتصادية لهذه العلاقات مع ايراد بعض المقترحات للرقي بها لكي تصبح شراكة حقيقية ذات ابعاد متنوعة وأهداف ومصالح مشتركة قابلة للاستمرار والنمو.

تشير الأرقام التي اصدرتها مصلحة الاحصاءات العامة بالمملكة إلى ان مجموع التجارة بين الدولتين (صادرات وواردات) تراوحت بين 32 بليون ريال و58 بليون ريال خلال الفترة من العام 1991م إلى العام 2002م وان اليابان كانت خلال الفترة نفسه هي ثاني اكبر شريك تجاري للمملكة في مجال الصادرات (فيما عدى العام 1997م حيث احتلت المرتبة الأولى) وفي مجال الواردات (عدى عامي 1996م و1997م حيث احتلت المركزين الرابع والثالث على التوالي). ان المملكة ومنذ عقود كانت ومازالت تبحث عن طريق لتحويل هذه العلاقة التجارية العادية (والمهمة) إلى شراكة حقيقية مبنية على مصالح دائمة ومتبادلة يستفيد منها الطرفان، ويمكن ان يوفر هذا الاحتفال الفرصة المناسبة لالقاء نظرة فاحصة على هذه العلاقة والتفكير بآليات جديدة لتطويرها وجعلها أكثر متانة وديناميكية وقدرة على الصمود مع الاخذ في الاعتبار المصالح الحيوية لطرفيها.

ما الأولويات الاقتصادية لكل من الدولتين؟

تهتم اليابان بتسريع معدلات نموها الاقتصادي الذي ظلت منخفضة خلال ما يزيد على عقدين من الزمن، كما تضع ضمن أولوياتها استمرار حصولها على ما تحتاجه من الامدادات النفطية بأسعار مستقرة واستمرار وتوسيع نفاذ منتجاتها إلى السوق السعودية. في المقابل تطمح المملكة العربية السعودية إلى زيادة صادراتها النفطية والمنتجات الصناعية الأخرى واستقرار اسواقها وزيادة الاستثمارات لتنويع قاعدتها الاقتصادية وزيادة رفاه مواطنيها وايجاد فرص عمل لهم ونقل التقنية الانتاجية والإدارية اليابانية.

ويمكن تحديد المجالات التي تضعها المملكة ضمن أولوياتها حسبما تتمتع به من ميزات نسبية وهي النفط والغاز ومشتقاتهما والتعدين والمشروعات المشتركة الأخرى.

ففي مجال النفط وعلى رغم ما يثار من شكوك ذات دوافع سياسية فان المملكة تختزن 25 في المئة من الاحتياطي العالمي وتنتج اكثر من 10 في المئة من الانتاج العالمي وسيكون الطلب على النفط السعودي في حدود 12 مليون برميل في اليوم في العام 2010م واكثر من 15 مليون برميل في العام 2020م. وفي ظل تآكل الاحتياطات في مختلف مناطق العالم فان المنطق يقود إلى زيادة التعاون بين المملكة ودول صناعية مثل اليابان. لكن قبل الاسترسال لابد من ايضاح بعض الجوانب المتعلقة بفشل مفاوضات تجديد الامتياز لشركة الزيت العربية (اليابانية) إذ لابد من التفاهم عن هذه النقطة وتجاوزها ونسيانها قبل الانطلاق من جديد كما اتضح من مقال شيق لصديقي سفير اليابان لدى مملكة البحرين تاكو ناتسومي تناولت في بعض جوانبها هذا الموضوع بطرق انتقائية ومختزلة.

عندما بدأت المفاوضات بين الجانبين السعودي والياباني لتجديد امتياز الشركة في المنطقة المقسومة بين المملكة والكويت لمدة خمسة وعشرين سنة أخرى كانت الحكومة اليابانية طرفا في جميع مراحل هذه المفاوضات وذلك بغرض التسهيل في البداية ثم أصبحت الطرف الرئيسي في الأيام الأخيرة للمفاوضات. وكان امام المفاوض السعودي الاعتبارات الآتية:

- ان منطقة الامتياز تتمتع بوجود احتياطي كبير ثابت من النفط والغاز لا يتطلب استثمارات جديدة لاكتشافه.

- ان الاستثمار في هذا الامتياز يمكن اليابان من التصرف بأكبر حقل منتج خارج حدودها.

- ان الآبار الموجودة في منطقة الامتياز هي آبار منتجة وبها معامل انتاج قائمة ومنشآت مساندة جاهزة وستولى نصف ملكيتها للمملكة اذا لم يتجدد الامتياز.

- ان سياسة الانتاج المعلنة للمملكة تركز على زيادة انتاج النفط الخفيف بهدف تحقيق أعلى دخل اخذا في الاعتبار الحصة المقررة للمملكة في إطار منظمة الاقطار المصدرة للنفط (أوبك) وبالتالي ليس من مصلحتها زيادة انتاجها من النفط الثقيل المتوافر في منطقة امتياز شركة الزيت العربية (اليابانية).

- ان عقد الامتياز المنتهية مدته كان ينص على قيام الشركة اليابانية بتطوير الغاز في هذه المنطقة الا ان الشركة لم تقم بذلك.

اقترح المفاوض السعودي ان يتضمن اتفاق تجديد الامتياز اقامة بعض المشروعات اليابانية في المملكة لتشجيعها على قبول التجديد وتعويضها عن بعض الخسائر التي ستتكبدها نتيجة لذلك، إلا أن الجانب الياباني رفض ذلك وانتهت فترة الامتياز في العام 2002م. وما يدل على صحة موقف المفاوض السعودي ان المفاوضات الكويتية اليابانية وصلت إلى نتائج مماثلة.

ويذكر أن صادرات المملكة النفطية لليابان لم تتأثر سلبا نتيجة لفشل هذه المفاوضات. كما حرصت ارامكو السعودية بعد تسلمها وإدارتها للمؤسسات الانتاجية لشركة الزيت العربية (اليابانية) على استمرار تصدير الكميات نفسها التي كانت تصدرها شركة الزيت العربية (اليابانية) إلى اليابان.

ان عدم التوصل إلى اتفاق خلال تلك المفاوضات ينبغي ان يكون حافزا للدولتين لاجراء مراجعة جدية لهذه العلاقة في جانبها النفطي وتقديم مقترحات جديدة لتطويرها. وفي هذا الصدد يمكن للمملكة ان تعطي اليابان أفضلية في الحصول على الامدادات النفطية اثناء الأزمات مقابل قيام اليابان بزيادة مشترياتها من النفط السعودي، كما يمكن تشجيع المملكة على الاستثمار في المصافي اليابانية أسوة بما يحدث في دول صديقة أخرى.

وفي مجال الغاز سبق للمملكة ان طرحت مبادرتها المتمثلة في استكشاف واستخراج وتصنيع وتوزيع الغاز. وعلى ضوء ذلك وقعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003م ومايو/ أيار 2004م عقودا مع المجموعات الآتية:

- رويال دتش شل الهولندية وتوتال الفرنسية.

- لوك أويل الروسية.

- ساينوبيك الصينية.

- ايني الإيطالية وربسول الإسبانية.

إلا أن الشركات اليابانية لم تظهر حماسة تذكر في هذا الجانب، وينبغي بحث الأسباب الكامنة وراء ذلك وتشجيع الشركات اليابانية على أن يكون لها دور ملموس في هذه المبادرة.

وفي مجال التعدين ينبغي البحث بجدية في امكان مشاركة الشركات اليابانية في المشروعات المتعددة التي تطرحها الشركة السعودية للتعدين (معادن) كما يمكن لليابان اعادة النظر في موقفها تجاه سكة الحديد المقترحة لنقل البوكسايت. هذا المشروع الذي أثبتت الدراسات الاقتصادية التي تم اجراؤها تحت اشراف البنك الدولي انه مجدي من الناحية المادية وسيزيد من تنويع الاقتصاد وتنمية مناطق نائية بالمملكة وايجاد وظائف جديدة. كما أنه في حال تنفيذه من قبل شركات يابانية سيساهم في تنشيط السوق اليابانية وزيادة معدل نموها الاقتصادي.

وفي مجال المشروعات المشتركة الأخرى يمكن الاشارة إلى البتروكيماويات والكهرباء وتحلية المياه، كما أن هناك امكانات أخرى لا حدود لها اذا اخذنا في الاعتبار السوق السعودية التي تمثل اكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكبر مستورد في المنطقة من السوق اليابانية علاوة على ما تتمتع به السوق السعودية من موقع مناسب وارتباط تجاري وتعاقدي باسواق المنطقة وما يتميز به قطاع الأعمال السعودي من روح الابتكار والاقدام وعلاقات قوية ومترابطة مع نظرائه في المناطق المجاورة. وقد تكون البداية إنشاء جهاز مشترك بتمويل واشراف جمعيات رجال الأعمال بالدولتين للبحث عن الفرص الاستثمارية والقيام بالدراسات الأولية لها مثل قطع غيار السيارات وأجهزة الكمبيوتر. ومن حسن الطالع ان الدولتين لا تبدآن من الصفر فإلى جانب العلاقات التجارية القوية بين الدولتين حسبما ذكرت آنفا فان الشركات سبق لها ان استثمرت في ست مشروعات بالمملكة يبلغ مجموع الاستثمار الياباني فيها 11,104 مليون ريال منها مشروعان صناعيان. كما ترعى هذه العلاقة لجنة وزارية مشتركة يعززها مجلسان مشتركان لرجال الأعمال من الدولتين وتلعب الوكالات اليابانية العاملة بالمملكة مثل جيترو وجايكا دورا ملموسا في تطوير هذه العلاقات.

ويمكن توطيد هذه العلاقة عن طريق عقد اتفاقات بين الدولتين لتشجيع وحماية الاستثمارات وتفادي الازدواج الضريبي وإنشاء منطقة للتجارة الحرة (ربما في إطار مجلس التعاون)

إقرأ أيضا لـ "عبدالله القويز "

العدد 631 - الجمعة 28 مايو 2004م الموافق 08 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً