العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ

قانون الصحافة : فكرة الحقيقة... وحقيقة الفكرة

سلمان الحايكي comments [at] alwasatnews.com

من المتوقع أن يكون قانون تنظيم الصحافة والنشر» آخر القوانين التي تم إصدارها في فترات سابقة ومتلاحقة وكأن السلطة كانت تعد العدة لتطويق الرأي والرأي الآخر داخل سجون (96) مادة أكثرها يكشف التناقضات الصارخة لمملكة دستورية تريد أن تقف على قدميها لتواجه العالم بـ «الراية الديمقراطية».

إن الديمقراطيات الوليدة، كديمقراطية مملكة البحرين عندما تكون ولادتها متعثّرة تضعك أمام حقائق لا يمكن إغفالها. ولأن فكرة الحقيقة... وحقيقة الفكرة تتمفصلان في فكرة الاستبداد ونفي الرأي الآخر لزاما علينا أن نتعاطى القانون المعولب وكأنه صادر من خارج مشاعرنا وأفكارنا واراداتنا وبالتالي يستوجب أن نكون حذرين في قبوله حتى لا يعيدنا إلى مناخ قانون أمن الدولة السيء الصيت.

إن الفارق بين العسر واليسر كحالة اجتماعية ذات قوانين بيولوجية ومنظومة طبيعية تحول المخاض الفكري السليم إلى الاتجاه المعاكس وأي نتاج عسير أو يسير يؤثر طبعا على تماسك المجتمع الذي يكون أهم مرتكزاته الفرد. فالانعكاسات الدلالية يمكن ترجمتها وفق معايير معطياتها بأنها إما أن تكون تفكيكية أو تلاحمية.

الفكرة غير الحقيقية تصطدم بالفكرة الحقيقية وتولدان تناقضات حادة ويمكننا استشفاف ذلك من النتائج الخطيرة التي ولّدها قانون تنظيم الصحافة والنشر ليس في أوساط العاملين في المجال الصحافي وإنما على مجمل الأحياء في الشارع البحريني. لقد كان الرفض هو السمة البارزة لعدد من مواد هذا القانون، التي تكبل صاحب القلم «النظيف» بالأغلال الحديد وتفرض وجوده كأحد التروس في المجتمع الآلي المسيطَر عليه من قبل جهة الاختصاص.

إننا لا نؤمن بفكرة الحقيقة، وحقيقة الفكرة لكننا نؤمن بالحقيقة مجردة من الأفكار وكل التأويلات. فالحقيقة عنصر ثابت غير قابل للتجزيء وحين يؤمن الفرد بوجود حقائق فهو لن يؤمن بحقيقة واحدة.

إن التفسير الحقيقي للأشياء خصوصا فيما يتعلق بالصراع الاجتماعي يضعنا أمام منظومة حقيقية واحدة، إذ لا توجد حقيقة سياسية وأخرى اقتصادية وغيرها ثقافية واجتماعية لأن الحقيقة تجمع كل هذه العناصر وتفرزها في آلية واحدة. وعندما نقول: هذه «حقائق» ثابتة فلأننا سوف نصل إلى حقيقة واحدة وحقيقة الأرقام تبدأ من الرقم «صفر» ثم تلتحم هذه الأرقام وتتصارع لتدفع إلينا في النهاية رقما يتم الاتفاق عليه معرفيا من دون الحاجة إلى وجود وسيط يقوم بتفسيره.

المجتمع يبدأ من الرقم الأول (الفرد) ومع التلاقح البشري يتسع المجتمع ليشكل دولة وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نمنح الفرد ما نسميه الحقيقة المجردة ونمنعها عن الآخرين، لأننا إذا سلكنا هذا السلوك فسوف تتعدد الحقائق. وكل فرد سيدافع عن حقيقته الخاصة، ومن هنا يبدأ الصراع الاجتماعي.

القائد ليس بمفرده هو صاحب الحقيقة ولا الشعب هم أصحاب الحقيقة. فالتقسيم بهذا المعنى يجبرنا أن نعطي الوزير حقيقة خاصة وبالتالي ستتلاعب بها على حساب حقائق الآخرين. ولن نتمكن من محاسبته أو مساءلته لأنه يعلم أن لدينا حقائقنا وعندما يتصرف كل فرد بما يمتلكه وبحرية تامة يصبح المجتمع فوضى وتتفكك عناصره وتكون عرضة للتجزيء.

إن هذا القانون يمنح «السلطة» الحقيقة كلها، ويمنعها عن الآخرين وتصبح فكرة الحقيقة وحقيقة الفكرة أشبه بصراع الخير والشر والنور والظلام والحركة والجمود. وحين يتم تثبيت هذه التناقضات «كحقائق» فلن تصل عقولنا إلى معرفة الحقيقة

العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً