العدد 625 - السبت 22 مايو 2004م الموافق 02 ربيع الثاني 1425هـ

اللقاء التشاوري الوطني... عهد جديد لوطن جديد

على خلفية الجهود التي رعتها «الوسط» ولقاء الجمعيات مع جلالة الملك ...

عبدالنبي سلمان comments [at] alwasatnews.com

جاء اللقاء الذي تم حديثا بين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ورؤساء تسع جمعيات سياسية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة الى توقيته وفضاءاته التي فتحها واسعة والتي راقبنا جميعا تفاصيلها على أمل الخروج من دائرة الاحتقانات والتأزمات التي صاحبت العمل السياسي على مدى الشهور الماضية من عمر هذا الوطن والتي تمثلت في تدشين المسيرة الديمقراطية والدفع باتجاه مأسسة الحياة السياسية والدخول مباشرة إلى عمق الأزمات والقضايا العالقة التي أصبح أمر علاجها موسوما بكيفية تعاطينا جميعا في المعارضة والحكم مع مستجداتها وباستخدام ما تصل إليه أيدينا من أدوات وآليات نعرف مدى قصورها بمفاهيم الزمن والتجربة ولكننا يجب أن نمتلك الايمان الكافي لتطويرها من دون التباكي على تعقيداتها وربما عقمها أحيانا أخرى، وخصوصا نحن نعلم أننا نعيش فترة تحولات سياسية مصيرية لابد لنا من تفهم تداعياتها المستقبلية ومتطلباتها واشكالاتها ان شئنا الدقة، نحو الاتجاه لتأسيس واقعي وعملي لعمل سياسي يعتمد الصبر والحكمة كما يعتمد روح العصر وخطاب التجديد ويدير عمله بأدوات وتقاليد جديدة تفهم طبيعة المرحلة ومصالح الداخلين في حساباتها والمتضررين منها، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى كثير من الاصغاء وقليل من الصخب والى متحاورين جيدين من الطرفين المعارضة والحكم، يجيدون التخاطب بلغة تتسق في مضامينها مع خطاب وطني يعي أولا أبعاد وجذور الأزمات ووسائل حلها بأقل الخسائر مثلما يعي توازنات الأطراف الداخلة ومصالحها مجتمعة ومنفردة، على ان ذلك لن يصبح ممكنا في ظل غياب الأجندة الوطنية التي يتم الاتفاق على فصولها وشروط تحقيقها، وبطبيعة الحال نستطيع ان نؤسس لها من خلال حوار وطني شامل يجب ان ينحاز الى الوطن وقضاياه وينبذ الانحياز الى مصالح الفئة أو الطائفة أو الزعامات وبصدق شريطة عدم قبول تحقيق الغلبة لهذا الطرف أو ذاك وهذا بطبيعته سيسهم في تحقيق وعي جمعي ووطني يتمحور حول أهداف واضحة يتجه إليها الجميع من دون الاستمرار في حيز المراوحة والعدمية بغية الوصول بمشروع الإصلاح ومرامية الى أهداف وطنية كبرى يتلمسها إنسان هذه الأرض خبزا ومكتسبات مادية وحقوقية طال انتظارها وأصبح تأخير وصولها يشكل أزمة ثقة لابد لنا من تجسير مساراتها بدلا من تفكيك الدروب المؤدية الى حلها عن طريق افتعال المصاعب والعقبات وتعزيز سمة الشك بين الأطراف المختلفة.

فعلى مدى الشهور والأسابيع التي سبقت الحوار الأخير بين قائد المسيرة والجمعيات السياسية بذلت جهود وطنية مخلصة رعتها صحيفة «الوسط» وشاركت فيها فعاليات وطنية ونيابية واقتصادية بغية الوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان، وكانت الحوارات متصلة على مدار الساعة لتذليل كل ما يعترض الوطن في سبيل بلوغ أهدافه أو التأسيس لها عن طريق حوار شامل لا يقتصر فقط على قضية من دون سواها بل يتطرق الى هموم الوطن وتعقيداتها كافة، آخذين في الاعتبار أن وطنا بحجم البحرين لا يحتمل أو ليس بمقدوره أن يكون عرضة لخضات وأزمات اجتماعية وسياسية متواصلة، فمصير هذا الوطن يكمن من دون مراء في وحدته وتطلع قواه الحية إلى ضمان مستقبله في خضم ما يدور على الساحة المحلية والدولية من صراعات لا نريد لهذا الوطن أن يكون رقما مهملا فيها بل أنموذجا يحتذى به بالنسبة إليها، وفوق ذلك نعرف كيف نقطف ثمار حراكنا السياسي والاجتماعي وبصبر، بعيدا عن اختلاق التأزم والعيش في بحبوحته من دون مبرر. هنا تكمن أهمية التأسيس لخطاب وطني مختلف جاد وجديد في آفاقه وفي شخوصه وعقول القائمين عليه مستفيدين جميعا من خبرات الممارسة التي راكمها شعبنا وقواه السياسية من دون التمترس خلف شعارات لم يعد يسعفها الوقت أو تحظى بقبول الزمن. وعلينا أن نتذكر دائما أن التجارب الكونية كثيرا ما أفسحت المجال واسعا لجميع الرؤى المتقدمة منها والمختلفة وحتى المتطرفة أو المهادنة ولكن عندما تحين ساعة الحقيقة فعلى الوطن والنخب أن تختصر الزمن والمعاناة وان تختار العودة إلى لغة العقل والفعل الخلاق من دون التمرغ في وحل التأزمات إلى ما لا نهاية.

وعلى خلفية الحوار المشار إليه هنا ثمة من قال وهو محق لماذا كان علينا ان ندخل في صراع مرير وطويل وعقيم من دون ان نستشعر أهمية الدخول في طور وطني واسع يستوعب تأزماتنا السياسية ومنذ البدء، الم يكن ذلك ممكنا؟!

واذا كان ممكنا، لماذا تم تجاهل هذا الخيار اذا؟ ولمصلحة من؟ وخصوصا أن الجميع تقريبا بدأوا في الدفع أخيرا لمثل هذا الحوار.

والحقيقة التي لاغبار عليها هي أن مسألة الحوار الوطني الدستوري تحديدا كانت خيارا مهما طرحته بعض الجمعيات المشاركة المنضوية تحت ميثاق التحالف السداسي بالاضافة لأطراف وطنية ومجتمعية أخرى، ومنذ البدء ناضلت بجد لبلوغه إلا أن هناك من فوت الفرصة على الوطن مرة أخرى، لندخل بعد ذلك في صراع عقيم أوصلنا إلى احتقانات كانت كفيلة ان تقود الشارع للانفلات في أية لحظة لتحرق الأخضر واليابس.

نتفهم ان ذلك هو ديدن العمل السياسي في بلد يخطو خطواته الأولى نحو الديمقراطية والتأسيس لها، ونتفهم ان لا يكون الوضع العام ورديا كما نشتهي دائما، ونتفهم جوانب القصور عند مختلف الأطراف سواء في المعارضة أو في السلطة تفهمنا لحجم الاحتقانات وجذورها وضغوطها اليومية على مختلف الأطراف. ولكننا بالمقابل نتفهم أيضا ان أدوات وخيارات التعاطي سياسيا مع كل تلك المعضلات هي أيضا تحتمل خيارات واسعة وليست حصرا على خيار واحد هو خيار المواجهة! فخيار الحوار الوطني الشامل والموسع بقي خيارا موضوعيا له من الاجماع ما لم يوجد للخيار الأول وهو خيار المواجهة، فلماذا غاب أو غيب يا ترى؟ أسئلة نطرحها للزمن وللاتعاظ في مسيرة عملنا الوطني.

هكذا اذا نفهم ان ما تمخض عنه اللقاء الأخير بين القيادات السياسية وجلالة الملك يجب ان يستثمر بشكل جيد ومسئول، وألا نسمح باعاقته مهما كلفنا ذلك من مصارحة وشفافية ووضوح بأن نقول لمن لا يريد حوارا إن الاجماع الشعبي يكمن مع الحوار وهو الاتجاه الاصوب والاسلم للجميع، ولابد من البناء على ما تم عن استقرار ونرجو ألا يكون وقتيا للوصول بهذا الوطن لحالات من الاستقرار والوئام السياسي والاجتماعي والتضامن في سبيل تحقيق أولوياتنا الوطنية بعيدا عن الحسابات الضيقة للفئات والأفراد، وخصوصا ان المؤسسات الدستورية كجهة تمثيل شعبي تحظى بدعم كبير من قبل القيادة السياسية وبدعم متزايد من الجماهير نتيجة ما تقوم به من أدوار وطنية لا تدعي الكمال، ولكنها بكل تأكيد استطاعت ان تفرض واقعا جديدا يحسب لقصر مدتها وتجربتها على طريق الرقابة والتشريع ولا سبيل لنكرانه على رغم ما يعترضها من صعوبات وعقبات وانتقاص، فإنها حبلى ببوادر التطور لتترسخ في تربة العمل الوطني في بلادنا. المهم هو أن يتم العمل حثيثا لخلق حال من الانسجام والتوافق الوطني يأخذ في الحسبان مصلحة الجميع من دون استثناء مع اعطاء فرصة أكبر لحوار وطني لا ينتهي أو يتوقف، بل يكون في حقيقته محفزا لمراحل التطور المقبلة والتي لن تبنى بجهود فردية سواء في البرلمان أو في المعارضة أو حتى في الحكم وانما من خلالها جميعا، شريطة ان تكون الأجندة الوطنية هي بوصلتها والدفع بمشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هو ديدنها الذي علينا ان لا نختلف حولها ابدا.

ونؤكد مجددا على أن محور حواراتنا الأخيرة مع أركان الحكم والمعارضة كان منصبا على فتح عهد جديد من الحوار الوطني الشامل والبناء الذي يستوعب الفعاليات السياسية كافة من جمعيات ونواب وتجار وشخصيات حقوقية مستقله وتمثيل أوسع لمؤسسات المجتمع المدني وممثلين عن مؤسسة الحكم والجهات ذات العلاقة بغية الأخذ بيد هذا الوطن الذي ينتظر منا جميعا ان نتشارك في بنائه والسير به نحو فضاءات أكثر أمنا وشواطئ أكبر استقرارا تتحقق عندها طموحات شعبنا في حياة حرة ديمقراطية وكريمة وازدهار اقتصادي واجتماعي وتنمية شاملة ومستدامة

العدد 625 - السبت 22 مايو 2004م الموافق 02 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً