من حين لآخر وكلما لاحت في الأفق علامات انفراج وتفاؤل نجد بالمقابل من يخرج علينا ليقرأ على مسامعنا ويعيد إلى ذاكرتنا المنهكة والمثقلة بهموم وعذابات الماضي القريب أرقام وأبجديات بنود وقوانين بالية لا تنسجم والواقع الإصلاحي الذي نعيشه. هذه الإعلانات المتكررة تتسبب في بث الاحباط والتشاؤم، وخصوصا أننا في مرحلة نمارس فيها الديمقراطية، التي تدعو إلى حماية المجتمع من كل سوء وفي مقدمتها حمايته من القوانين المقيدة للحريات العامة والخاصة. في المجتمع الديمقراطي يتصرف الإنسان وهو ديمقراطي، لا يقبل إلا بما هو ديمقراطي ولا يرضى بما يحط من كرامته باعتباره إنسانا ويهدده ويحاصره في تحركه، ويعي بأن عليه واجبات كما له حقوق. هناك ترابط جدلي واضح بين هذين الأمرين، لا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر، لذلك فإن المواطن يمكن أن يقوم بواجباته وينجز ما هو واجب عليه حتى يشعر بأنه غير مهدد سياسيا واجتماعيا، وإحساسه بأنه مواطن في فضاء اجتماعي خالٍ من الظلم والتمييز وخالٍ من القوانين التي تحدد وضعه وموقعه حتى في وظيفته.
إن الأسلوب والكيفية اللذين يتعامل بهما المسئول مع المواطن واللذين يتمثلان في التشبث بقوانين صيغت في ظل ظروف غير الظرف الذي نعيشه لا يؤديان إلى شيء سوى استمرار زرع المزيد من بذور الشك والريبة في النفوس وبالتالي تعميق الاختلافات وتعقيدها وخلق جو من عدم الاستقرار سواء على المستوى الشخصي كفرد أو على المستوى العام كمجتمع.
مرة أخرى نكرر أن لغة التهديد لن تخدم أحدا وليست مقبولة في بلدٍ خطى خطوات لا بأس بها في تطبيق الديمقراطية، وتعمل على تجذير الوجود الشرعي للتنظيمات السياسية والنقابية والحقوقية. والمطلوب من أي مسئول مهما كان منصبه أن يعي هذه الحقيقة، ويساير الانفتاح والإصلاح، وألا يقدم على اطلاق أي تصريح يتناقض والواقع الجديد، ويعصف بمشروعنا الوطني الذي وضعنا لبنته الأولى مع إعلان الميثاق الوطني قبل 3 سنوات.
لقد آن الأوان لأن نتقدم خطوة حضارية أخرى وجريئة بعد أن تلاشى حاجز القهر والخوف، لترتفع به ديمقراطيتنا الوليدة إلى أعلى المستويات وأرقاها في ظل النظام الدستوري، وندفن تلك القوانين وإشعاعاتها الضارة في توابيت أبدية، ونستبدلها بقوانين عادلة ومتقدمة تتلاءم ومرحلة الإصلاح والبناء التي نسهم ونشارك جميعا وعلى جميع المستويات في وضع أساساتها الصلبة.
وأخيرا هذا الوطن الذي نملكه جميعا هو أمانة في أعناقنا، ونحن مسئولون عنه وعن وجوده أمام التاريخ والأجيال المقبلة
العدد 624 - الجمعة 21 مايو 2004م الموافق 01 ربيع الثاني 1425هـ