في ثلاثة مقالات نشرتها «الوسط» في أعدادها الصادرة في 17 مارس/ آذار 2003، و7 إبريل/ نيسان2003، و17 إبريل 2003 (إبراهيم شريف السيد) تم تناول بعض جوانب القصور في الدور الرقابي والتنظيمي في أسواق رأس المال، وأثر ذلك السلبي على مستويات الشفافية وتنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى خلق الفرص وتهيئة المناخ المدعم للاستثمار والمنسجم مع توجهات الحكومة وسياساتها العامة في النهوض بمعدلات النمو الاقتصادي، وترسيخ قدم المملكة ليس فقط مركزا إقليميا لأسواق رأس المال، بل ومركزا للخدمات المالية النظيفة مثل التحكيم وإدارة الإستثمار؛ والاستثمار المباشر وغير المباشر في سوق البورصة وأسواق المال الأخرى. وأوردت تلك المقالات عدة أمثلة من جوانب القصور، منها مسألة طرد عدد 6700 مستثمر من المساهمة في رأس مال إحدى الشركات المدرجة في البورصة المحلية بذريعة الترشيد والدمج العكسي لأسهم تلك الشركة وحقوق المساهمين فيها. ثم أوصت المقالات بتلافي أوجه القصور في المستقبل.
ونحاول هنا تسليط الضوء على جوانب لم تحط بها تلك المقالات. وينحصر هذا البحث في أربعة أسئلة، أولها: هل كان الدمج مخالفا أم متفقا مع القانون والدستور؟ إذ أخرج آلافا من صغار المساهمين، واكتفى باتخاذ المملكة مصدرا رخيصا وطيعا لاستمرار بقائه. والسؤال الثاني: ما الأدوات والقنوات الكفيلة بأن يستعيد المساهمون المطرودون وضعهم كمساهمين في المصرف أو بأن يقبضوا التعويض المنصف لهم عن الطرد وفقدان الثمن الحقيقي لقيمة أسهمهم التي تم تجريدهم منها؟ ثالثا: كيف تسترد السلطات النقدية والتنفيذية الأخرى اعتبارها وترفع وتجبر الخدش الذي أحدثه الدمج في ثقة الاستثمار في اقتصاد المملكة وسوق أوراقها المالية؟ ويختم البحث بتحديد تاريخ أقصى لقطع التقادم.
هل كان دمج الأسهم مخالفا؟
لقد تم عن طريق الدمج طرد قسري لما يقارب 6700 مساهم صغير. وأرغم هؤلاء على تسلم أحد سعرين كلاهما غير منصف للمطرودين الحقيقيين منهم، قرره المستثمرون الكبار الذين يترواح عددهم بين 200 و300 مستثمر من الأغنياء، ثم فرضوه على المستثمرين الصغار الذين تم طردهم تحت ذريعة قرارين اتخذا في انعقادين صحيحين وبنصاب صحيح للجمعية العمومية غير العادية.
كما تم بهذا التصرف نفسه مخالفة قانون الشركات لسنة 2001 ولائحته التنفيذية. فليس ثمة سند في القانون أو الدستور للتعديلات التي أدخلتها الجمعية العمومية غير العادية على عقد التأسيس والنظام الأساسي للشركة أو للخطة الموسومة «خطة ترشيد المساهمة في الشركة»، اللذين تم بهما الدمج، الذي نفذ بتاريخ 4 مايو/ أيار 2003، بعد أن وافقت على الخطة كل من السلطات النقدية (26 يناير/ كانون الثاني 2003) والوزارة المختصة (28 يناير 2003)، كما وافقت هذه الأخيرة بتاريخ 28 يناير 2003 على التعديلات المحدثة في العقد والنظام المتعلقة بالخطة. وتم التأشير في السجل التجاري بموجب ملحق خاص بتاريخ 5 مايو 2003.
ولا تحقق تلك الموافقات أية مشروعية لذلك التصرف. ومناط مخالفة التعديلات والخطة للدستور هو: خروجها على نص المادة 9/جـ منه: «الملكية الخاصة مصونة، فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون». وأيضا مخالفتهما للفقه الإسلامي الذي يحرم منع تصرف مالك الشيء في ملكه، كما يحرم جميع صور وضع اليد والمصادرة من غير حق. بينما ينص دستور البحرين على أن الإسلام هو دينها وفقه الشريعة الإسلامية هو مصدر رئيسي للتشريع فيها.
أما القانون الواجب تطبيقه على تصرف الدمج فقانون الشركات ولائحته التنفيذية. وهاتان الأداتان بدورهما متسقتان تماما، وكما يلزم مع أحكام الدستور. فتشترط المادة رقم 21 من القانون عدم مخالفة أحكامه أو أحكام لائحته التنفيذية بأي شرط أو أي وضع محدث، تجيزه الجمعيات العامة غير العادية في نظم وعقود تأسيس الشركات. كما يبين الفصل الثاني من القانون المعايير التي يجب على الجمعيات العامة غير العادية اتباعها، فتحتم المادة 135 من القانون والمادة 66 من اللائحة على تلك الجمعيات أن تمارس صلاحياتها القانونية (بما في ذلك تعديل امتيازات الأسهم وتخفيض رأس المال)، بحيث لا يترتب على تصرفاتها حرمان أي مساهم من المساهمة في الشركة مهما كان عدد أسهمه. ولا يتوجب على المساهم أن يحضر اجتماع الجمعية العامة غير العادية الذي تم فيه التصرف ليدون معارضته، إذا الأصل هو أن حقوق المساهم في ملكه الخاص مصونة لا سلطة للجمعية العامة غير العادية عليها.
ولكن الشركة وجمعيتها العامة غير العادية ألبستا تصرفهما بالدمج وطردهما لآلاف المساهمين بالتالي لبوس البيع وهو أبعد ما يكون عن البيع. فقد جاء في قرار الجمعية العامة غير العادية بتاريخ 9 ابريل 2003 أن يكون شراء الأسهم إلزاميا وبسعرين، أعلاهما قيمة لايزال مجحفا بحقوق المساهمين الذين يريدون الاستمرار في المساهمة في الشركة (كما أن اختلاف السعرين لفئة الأسهم نفسها محرم هو أيضا في القانون). وجاء في القرار نفسه أن يكون السعر غير قابل للتفاوض وأن على المساهم المطرود أن يقبل بالسعر كما لو كان صدر به حكم وحاز الحكم على قوة وحجية الأمر المقضي به. ولا داعي إلى التوسع في سرد أسباب انعدام وبطلان عقد كالذي نبحثه هنا لأن جوهره هو إلزام أحد الطرفين نظيره بأن «يبيع» ملكه الخاص له هو من دون غيره وبالسعر وفي الوقت وبحسب جميع الأوضاع الأخرى التي فرضتها الشركة بإرادتها المنفردة غير أنها ليست جائزة لها في غير ما تملك ومن غير توفر ركن الرضا في عقد الصفقة المزعومة. أو لكأن على المستثمر الصغير التسليم المطلق بما قرره المستثمرون الكبار، ولو لم يقبله أو يرضى به. فكان تصرف الدمج في جوهره وضع يد ومنع لآلاف المساهمين الصغار من التصرف في ملكهم؛ يحرمهما القانون وتتأفف منهما العدالة.
وبحسب علمنا، فإن إدارة الشركة لاتزال تفترض صحة تصرفات الجمعية العامة غير العادية، معولة في ذلك على رأي قانوني صدر من أحد بيوت الاستشارات القانونية المرخصة. ولكن بعض أصحاب الشأن فيها هم أنفسهم من كبار المستثمرين في الشركة الذين ضاعفوا حصتهم فيها من أموالهم ومن أموال الآخر أو بطردهم، وبغير حق في كلتا الحالتين وكانوا هم مهندسي الانقلاب على المستثمرين الصغار في الشركة. لأنه، وكما تقدم، فإن قرار الجمعية العامة غير العادية وموافقة السلطات على التعديل والخطة لا يكتسبان الشرعية سيما وهما يخالفان القانون والدستور إذا أديا إلى تجريد المساهم من غير رضاه، وبشكل قسري من أسهمه في الشركة. وذلك محرم مهما تدنت حصة المساهم. فذلك مخالف في هذا البلد لحقوق الناس القانونية والدستورية والدينية. كما أن الشركة - بحسب علمنا أيضا - تراهن على استمرار تراخي جميع المساهمين فيها الذين طردتهم في رفع الدعوى، إلى ما بعد سقوط حقوقهم بالتقادم.
كما خالف تصرف الدمج اللائحة التنفيذية لقانون الشركات لسنة 2001، إذ طبق حد أدنى للمساهمة قدره 100 سهم من الأسهم الناجمة عن الدمج - القيمة الإسمية لهذا الحد الأدنى هي 9425 دينارا (أي: 25000 دولار) -. بينما تحرم المادة 36 من اللائحة أن تتجاوز القيمة الإسمية للسهم أو الحد الأدنى للمساهمة في الشركة مئة دينار فقط. ولا يفيد المصرف قفزه على القانون بزعم أن القيمة الإسمية للسهم الجديد هي نحو 94 دينارا، طالما أن الحد الأدنى للمساهمة هو 100 سهم جديد، أو مضاعفات هذا الرقم. وتسبب هذا التصرف أيضا في توقف التداول في أسهم الشركة منذ التعديل، ما افقد البورصة والأسهم ذاتها سيولة كانتا تتمتعان بها قبل التعديل المخالف للدستور والقانون والسياسة العامة للبلاد. بينما لاتزال الشركة تستغل البورصة والحمى السياسي البحريني مركزا رخيصا وطيعا يركع إلى الوراء تحت ضغوطها الاقتصادية عليه - البحرين مركزا - لاستمرار كينونتها وبقائها كشخص اعتباري يتمتع بجميع الحقوق ولا يلتزم بأهم المتطلبات التي تطبق على غيره من سائر الشركات المدرجة في البورصة المحلية.
ولا يمكن تصور أن تسبغ الشرعية محكمة قضائية عادية على استحداث وتطبيق الشركة بموجب نظامها الأساسي هكذا حد أدنى. لأن ذلك لم يقف عند حد مخالفة الدستور والقانون والسياسة العامة من غير أن ينال من حقوق الناس، بل ثبت بالدليل أن ذلك أدى بشكل مباشر إلى طرد آلاف المساهمين الصغار قسرا من المساهمة في الشركة المعنية. كما لا نتصور أن المحكمة ستقتنع باليافطات التي انطلى القصد من ورائها وانطلت نتائج ما بها على السلطات الأخرى. ونعني بذلك يافطة «الترشيد» التي أشهرتها الشركة. وزعم الشركة بيافطة أخرى أنها تغيت بالدمج «تعزيز قاعدة المستثمرين فيها من أجل تحقيق تكاتف أكثر مع مساهمين ملتزمين على المدى البعيد». ولا يحتاج أمرؤ إلى عبقرية ليتصور أن بقاء صغار المستثمرين محتفظين بما يملكونه من غير زيادة في حصتهم يتعارض مع قيام «المساهمين الملتزمين» بزيادة حصصهم في رأس مال الشركة فيما لو عجز المساهمون الصغار أو اختاروا عدم المشاركة في أية إصدارات أسهم جديدة تصدرها الشركة من وقت لآخر. أما بقاء صغار المستثمرين كما يفرض الدستور والقانون على الشركة فلن يؤثر سلبا على مستوى نفقات الشركة الإدارية والعمومية، تماما مثلما أن خروجهم لن يؤدي إلى ضغط هذه النفقات، التي وجدت المقالات السابقة أنه يجد خفضها وأنها لا تمت إلى الواقع الذي تمخض عن تغيرات أوضاع سوق الشركة منذ مطلع العام 2001.
كيف يستعيد صغار المستثمرين وضعهم السابق قبل الطرد؟
نقول: بأثر رجعي من تاريخ التصرف المخالف (4 مايو2003) وكأنه لم يكن. ويكون ذلك إما عن طريق التفاوض المباشر، أو عن طريق القضاء العادي أو التحكيمي، أو عن طريق اللوبي الحكومي أو البرلماني أو غير هذه من السبل والقنوات المفتوحة والمشروعة. والمعروف أن الشركة استفردت بعد تصرفاتها المخالفة وقبل تلك التصرفات بصغار المستثمرين فيها، الذين تم إقصاؤهم عن نادي الأغنياء الذي انقلبت إليه الشركة بعد الدمج والترشيد المزعومين. ولذلك فإن إدارتها لم تبد أي استعداد للتفاهم مع المطرودين في غياب أي مؤشر على وجود الرادع المؤثر في مواقف الشركة بهذا الصدد. ويجدر هنا التنويه بحقيقة ان سريان الوقت هو في صالح الشركة وضد مصلحة المساهمين المطرودين. لأن استمرار التراخي ينتج عنه تقادم الحق. وعليه فإن البرلمان بشقيه مسئول عن اتخاذ ما يلزم من خطوات، ليس أقلها إعادة الحقوق السليبة ورد الاعتبار لآلاف المقصيين من المساهمين، ومساءلة أو استجواب أولئك الذين باركوا القرارات التي أدت إلى الطرد، وهم الذين كان منوطا بهم قانونا وأصلا منع حصول تلك التصرفات.
السلطات النقدية والتنفيذية الأخرى
وحتى بعد أن باركت هذه السلطات تصرف الشركة فإنه لايزال لها وعليها أن تقوم بإعادة الاعتبار لنفسها، وسيما أن لديها وفرة من قنوات وطرق الإقناع التي تحقق أكلها بشكل أسرع مما يمكن بالطرق البرلمانية. وكانت موافقة السلطات على الدمج والترشيد خطأ جسيما استفادت منه قلة متنفذة، ولكنه ألحق الضرر ليس فقط بأكثرية المساهمين في الشركة بل وبسمعة تلك الجهات التي باركته، وبات يشكل سابقة خطيرة. ونهيب بتلك الجهات التنفيذية أن تتخذ الخطوات اللازمة لكي لا يستمر الوضع السائد والطارد للاستثمار، المحلي والأجنبي، من أسواق المال البحرينية وعنها.
قطع التقادم
بقي أن نقول إن الحق في طلب الضمان يسقط بالتقادم بعد 4 مايو 2008، ما لم يقطع بإحدى وسائل قطع التقادم المتعددة قبل ذلك التاريخ. ومنها على سبيل المثال لا الحصر رفع الدعوى بطلب الحكم ببطلان التصرف، والتعويض الجابر للضرر
العدد 621 - الثلثاء 18 مايو 2004م الموافق 28 ربيع الاول 1425هـ