يلعب الوالدان دورا كبيرا في الاختيار المحدود للأبناء لأن الوالدين هنا هما: اللذان يحددان الاختيارات امام الطفل، قاصدين وضع الفعل الذي يقوم بتصحيح سلوك الطفل السلبي ضمن هذه الخيارات، على ألا تتجاوز الاختيار الاختيارين أو الثلاثة فقط.
وهذا الاسلوب يختلف عن الاسلوب القائم على ان يقترح الابناء افكارا كثيرة لحل مشكلاتهم ليختاروا واحدا منها ويلتزموا بها... وهو صالح للمراهقين أكثر من الاطفال. الا أن كلا الطريقتين مفيدة في تعويد ابنائنا على الاستقلال بآرائهم والاعتماد على أنفسهم في حل مشكلاتهم أو تعديل سلوكهم.
لنفترض مثلا ان الأب لا يريد ابنه ان يرمي ألعابه في حديقة البيت، على الأب أن يضعه أمام اختيارين ليختار واحدا منهما قائلا: «تستطيع أن تضع ألعابك في الفناء الامامي من الحديقة أو الفناء الخلفي، أيهما تختار؟».
علينا هنا ان نوضح ان النبرة التي يستخدمها الأب يجب ان تكون حازمة ولا مجال فيها لتلاعب الابن، والا فإنك تدعو ابنك الى اختبار حدودك بالمماطلة.
لنفترض انك كأب لا تريد لابنك ان يأكل آيس كريم في البيت الا في المطبخ، فيجب ان تضعه امام خيارين ليختار واحدا منهما قائلا:
«عليك ان تأكل الآيس كريم في المطبخ أو خارج البيت، أيهما تختار؟»
هذا السؤل يحمل الطفل مسئولية اتخاذ القرار لتصحيح سلوكه. وعندما لا ينفّذ الطفل القرار الذي اتخذه فان على الاب هنا ان يوقع عليه العقاب الذي حدده كنتيجة منطقية لمخالفته للقواعد التي وضعها له بصورة مباشرة وحازمة لا تردد فيها، وذلك بحرمان الطفل من أكل الآيس كريم مثلا لمدة يومين، أو حرمانه من مشاهدة برنامج مفضل لديه ليوم واحد أولا ثم يومين اذا كرر المخالفة نفسها. وهكذا بالنسبة إلى أفعال أخرى يقصد الاب تصحيحها.
ماذا اذا اقترح الطفل خيارات أخرى غير مناسبة للأم مثلا؟
على الام ألا تقبل بأي اقتراح آخر، والا فتحت على نفسها باب المماطلة من ابنها في تنفيذ المطلوب منه، وتقول له: «هذا لا يعد واحدا من الاختيارات التي وضعتها امامك لتختار منها».
اذا حاول الطفل ان يماطل فعلى الأم ان تقول له: «هذه هي اختياراتك المتوافرة لك وعليك ان تختار واحدا منها فقط... ماذا تريد ان تفعل»؟
لنفترض ان الطفل اصر على تنفيذ ما يريد، على الأم هنا ان تحدّد وقتا محددا لتنفيذ ما طلبت من ابنها، والا سيعاقب. لأنها وفرت له كل المعلومات التي يريدها.
ولنستعرض بعض النماذج لتطبيق هذا الاسلوب التربوي.
محمود في الخامسة من عمره، كان يصدر اصواتا عندما يأكل ليضحك أخويه... طلبت منه والدته ان يتوقف عن إصدار هذه الأصوات، توقف قليلا ثم عاد يصدر تلك الأصوات.
قالت له والدته بنبرة حازمة ونظرة جادة:
«محمود! في امكانك أن تتوقف عن إصدار هذه الأصوات أو ستقضي الخمس دقائق المقبلة في غرفتك لكي تراجع نفسك حتى تتعاون معي، ماذا تريد ان تفعل؟».
محمود قرّر أن يتعاون مع والدته ويتوقف عن إصدار تلك الأصوات.
باسم في الثامنة من عمره كان يغش في لعب الورق مع أخويه... طلب منه شقيقه ان يتوقف ويلعب بنظافة إلا أنه تجاهله، ذهب الاخ ليشتكي لوالده فقال الأب لابنه: «باسم، اما ان تلعب حسب القواعد أو تختار لعبة أخرى لتلعب بها... ماذا تريد أن تفعل؟».
اجاب باسم «سألعب حسب القواعد».
لكنه بعد خمس دقائق عاد الى سلوكه نفسه، وعادت اخته الى الشكوى منه لوالدها.
هنا قام الأب بتطبيق ما يسمى في التربية بالعقاب القائم على النتيجة المنطقية للمخالفة ليرتدع الطفل عن سلوكه السيئ»، بأن حرمه من اللعب وجعل اخويه يلعبان وحدهما لأنه كرر مخالفته ولم يلتزم بقراره.
يسرا طفلة في العاشرة من عمرها اساءت الرد على والدتها فقالت لها امها بنبرة حازمة لا تراجع فيها: «يسرا، اما ان تذهبي الى غرفتك لمدة عشر دقائق أو ستذهبين لمدة عشرين دقيقة» ايهما تفضلين؟
فكرت يسرا: عشر دقائق أُضل من عشرين دقيقة، لا مفر من تطبيق ما تريد أمها... لا مجال لاختبار مدى جديتها... لذلك وبلا تردد اختارت ان تذهب الى غرفتها لمدة عشر دقائق!
وهنا علينا ان نوضح أن الآباء عليهم ألا يتراجعوا أبدا عن عقابهم، والا سيفتحون على أنفسهم باب الالحاح والمماطلة في تحقيق ما يريدون من أبنائهم
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 617 - الجمعة 14 مايو 2004م الموافق 24 ربيع الاول 1425هـ