اقترح الشيخ عيسى أحمد قاسم في خطبته أمس في جامع الإمام الصادق في الدراز تأسيس مجلس اهلي مشترك لعلماء الدين من الشيعة والسنة، له أنشطته الثقافية والاجتماعية، ومشروعاته العلمية، وخطواته التقريبية المتعددة، إضافة إلى «جمعية سياسية مشتركة» من إسلاميين شيعة وسنة، وأخرى ثقافية يتحرك إنتاجها وأنشطتها في المساحة المشتركة بين المذهبين، وهي مساحة واسعة، معتبرا هذه الخطوات أنها «عملية ويمكن أن تصب في صالح التقارب الإسلامي داخل هذا الوطن، لنكون نموذجا جديدا في عالمنا الإسلامي».
ومن جانب آخر طالب بتنشيط الحوار المباشر بين السلطة والمعارضة مشيرا الى ان ذلك «يحتاج إلى باب مفتوح، وأجد أن إطلاق المعتقلين وبسرعة يفتح باب القلوب لحوار صادق واعد، فأجواء الحوار المنتِج محتاجة إلى التّسريع بهذه الخطوة المنتظرة جدا لصالح حوار مباشر بين الجهة الحكومية والجمعيات السياسية من غير وسيط».
الوسط - سلمان عبدالحسين
قال الشيخ عيسى أحمد قاسم متسائلا في خطبته أمس في جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز: «ماذا نختار على المستوى المحلي حكومة وشعبا؟ ماذا نرى حكومة وشعبا هذا الوطن؟ ماذا نريد به؟ ماذا نختار لمصلحة الحاضر والمستقبل؟ هل الوطن وطن بعض من دون آخر؟ هل نريد أن نؤزّم الحياة فيه؟ هل نريد أن نحل أزماته؟ هل نختار التصادم؟ هذا الخيار يعني خسائر مضمونة، أما الربح فلا يعلم أنه من نصيب أي من الأطراف، ويستحيل أن يكون هناك ربح في صراع وطني على المدى الطويل، مادام كل طرف من الأطراف يمتلك ولو قدرة بسيطة على التحرك».
وتساءل أيضا: «هل نختار السكوت على الأخطاء والنواقص، وما قد يكون من ظلم وتعد على الحقوق، ونسكت عن الفوضى؟ وأجاب: في هذا مخالفة شرعية صارخة، وفيه انحطاط مجتمع، وتخلف إنساني كبير، فإذا كان الوطن للجميع، وما نريده به الاستقرار والتقدم، ولا نريد نفي الآخر - والكلام على مستوى جميع الأطراف وليس على مستوى طرف واحد - فالحوار الجاد المجدول موضوعا، والمحدد زمنا، والمصدق عملا، وإلا كان حوارا خائرا، وحوارا تافها وساقطا، والثوابت التي ينبغي أن يقوم عليها الحوار، منها ما لهذا، ومنها ما لذاك، وليست كلها لطرف واحد قطعا وجزما، إذ إن الحديث عن الثوابت - كما قال - يجب أن يكون عن الثوابت التي في كفة هذا والتي في كفة ذاك».
وأوضح قاسم أن الحوار «يحتاج إلى باب مفتوح، وأجد أن إطلاق المعتقلين وبسرعة يفتح باب القلوب لحوار صادق واعد، فأجواء الحوار المنتج محتاجة إلى التسريع بهذه الخطوة المنتظرة جدا لصالح حوار مباشر بين الجهة الحكومية والجمعيات السياسية من غير وسيط، ومن غير دخول طرف ثالث، وذلك في المسألة السياسية، متمنين التلاقي على وجهة نظر واحدة مشتركة في ما فيه الخلاف بحيث تخدم المصلحة الوطنية، وتؤسس لتعاون مثمر في سبيل الخير».
وقال أيضا: إن البحرين كانت جميلة بخلو سجونها إلى وقت قريب من السجناء السياسيين، وكانت بذلك محل افتخار للحكومة والشعب، وقد خسرنا متعلق هذا الفخر، وخسرنا جمالا من جمال هذا الوطن بأن عاد هناك سجناء سياسيون، وسجناء سياسيون لا لحدث ملحوظ، ولا لمناسبة تستحق ذلك.
وعن العلاقات المذهبية، أكد قاسم أن الحديث عنها يأتي على هامش أسبوع الوحدة، لافتا إلى علاقة السنة بالشيعة، والشيعة بالسنة في البحرين، كان يمكن لها أن تستقر عند نمط واحد لمدة طويلة من الزمن بلا تغييرات ملحوظة، لا إيجابية ولا سلبية، في وقت لم يكن هناك مقتضيات لتحريك المياه، أما اليوم: فمقتضيات تحريك مجاري الأمور من خطاها إلى خطى أخرى موجودة بوفرة؛ منها السياسي، ومنها الموضوعي العملي، ومنها العصبية المذهبية.
وأضاف «اليوم تجتمع عوامل مختلفة للتردي بهذه العلاقات وانزلاقها في منعطف خطير، ومع ترك التقريب، ستفلت الأمور إلى ما يمثل خطرا ساحقا، لأننا سنة وشيعة ليس مغفولا عنا، ومنا - نحن شيعة وسنة - الجاهل المتعصب الذي لا يقدر الأمور، وقد سادت تربية حاقدة في بعض أوساط المسلمين يمكن أن تفجر وضع المسلمين، وتهدم سقفهم على رؤوسهم». وزاد على ذلك «نحن اليوم بين موقفين: بين موقف أن نتقارب فنسد باب الفتنة، وبين أن نهمل شأن التقارب، فالفتنة عندئذ ستقتحم علينا الأبواب، وستخترق كل الجدر، وستنبع من داخل أو تأتي من خارج، مؤكدا أن الأمر يحتاج إلى عمل جاد في سبيل التقريب، ولا تحتاج الفتنة لأن تشتعل لأن نأتي بحطب جديد وأن نشعل أوارها.
وأكد قاسم أن هناك من سيشعل الفتنة، فهناك المصالح الاستكبارية العالمية التي لا تريد لهذه الأمة أن تتقارب، ولا تكتفي منها اليوم، وقد بدأ المسلمون صحوتهم إلا أن يدخلوا في شقاق مرهق طويل مدمر.
واقترح قاسم على طريق التقارب وسد باب الفتن، وخدمة الإسلام والمسلمين، ولصالح هذا الوطن، تأسيس مجلس أهلي مشترك لعلماء الدين من المذهبين، له أنشطته الثقافية والاجتماعية، ومشروعاته العلمية، وخطواته التقريبية المتعددة، إضافة إلى «جمعية سياسية مشتركة» من إسلاميين شيعة وسنة، وأخرى ثقافية يتحرك إنتاجها وأنشطتها في المساحة المشتركة بين المذهبين، وهي مساحة واسعة، يضاف لها مركز رعاية مادية للمحتاجين، قوامه البشري من الطائفتين معا، وتمويله كذلك، وختم مقترحاته بمشروعات زواج مشتركة، وحفلات زواج إسلامية كذلك، معتبرا هذه الخطوات أنها عملية، ويمكن أن تصب في صالح التقارب الإسلامي داخل هذا الوطن، لنكون نموذجا جديدا في عالمنا الإسلامي، ولنكون شوكة في عين الظالمين.
وفي اتجاه الوحدة ذاته، تحدث خطيب جامع يوسف بن أحمد كانو في مدينة حمد الشيخ جلال الشرقي عن الأخوة الإيمانية، فأكد أنها من قواعد هذا الدين الإسلامي العظيم، فإذا نزعت الأخوة الإيمانية من هذا الدين العظيم، يصبح هذا الدين ناقصا وغير مؤثر، ليعم الضعف والهوان على أتباعه، وما نراه اليوم من ضعف في الأمة الإسلامية، وتشرذم بين أتباعها ما هو إلا نتيجة التقصير في تفعيل وتمكين الأخوة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم.
وأكد الشرقي أنه ينبغي علينا هنا في البحرين أن نعلي من شأن الأخوة الإسلامية، سواء كنا سنة أو شيعة، ونرتفع إلى أخلاق القرآن العالية، ونتذكر أننا أمة واحدة، كما وصفنا ربنا في القرآن الكريم، فعلينا أن نحترم بعضنا بعضا، وننسى الخلافات الفقهية، فإن الدين يوحد ولا يفرق، ويجمع ولا يشتت، ويرفع إنسانية الإنسان من الانغماس في الطائفية والعرقية، إلى الهدف الأسمى والكبير، وهو وحدة المسلمين.
وأضاف «إنما مرجعيتنا الأصيلة ومصادر تشريعنا في الإسلام هما الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وإننا لو قرأنا القرآن الكريم ، لوجدناه يؤكد الأخوة الإيمانية، ويجعلها فرضا من فرائض الإسلام، بل ويجعلها أساسا في صدق الإيمان وعدمه، ولذلك نجد أن القرآن الكريم مدح الأخوة الإيمانية في مواطن كثيرة، ومنها قوله «إنما المؤمنون إخوة»، ثم أسقط القرآن الكريم كل علاقة جاهلية تنبني على الطائفية والقبلية واللون واللسان تحت قدم الإسلام، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ويقول «إن أمتكم أمة واحدة»، فمهما اختلفت الألوان والألسن، ومهما اختلفت الأعراق والقبائل والطوائف، فهم سواء عند الله بالإسلام والإيمان.
وأضاف «علينا أيها الأخوة المسلمون، وخصوصا في زماننا الحاضر أن نتكاتف ونتذكر أن الأخوة الإيمانية فوق كل طائفية وكل خلاف مذهبي وكل عرق وجنس، كما توحد أهل العراق الشرفاء سنة وشيعة في الوقوف في وجه العدو المحتل».
أما الشيخ علي سلمان فقد تحدث في خطبته أمس في جامع الإمام الصادق (ع) في القفول عن التداول السلمي للسلطة باعتباره العمود الفقري للديمقراطية، فإذا وجد وجدت، وإذا انتفى انتفت، فما الديمقراطية سوى التداول السلمي للسلطة، وما العناوين الأخرى للديمقراطية من حرية تعبير وتعددية سياسية وغير ذلك سوى مقدمات تصبح بلا قيمة إذا لم تقد للنتيجة وهي التداول السلمي للسلطة.
ولفت سلمان إلى أن الأنظمة العربية نجحت في خلق صور كاذبة للعناوين التي تأتي كمقدمة للتداول السلمي للسلطة، من قبيل حرية التعبير والتعددية السياسية، ولم تؤسس هذه الأنظمة لتداول سلمي حقيقي للسلطة، وإن الفشل في تحقيق تداول سلمي حقيقي للسلطة هو السبب الذي أدى إلى أن تبقى مختلف الحضارات في حال اضطراب، وفي دائرة البناء والهدم التي لا تؤدي إلى التراكم الحضاري، فتقوم الحضارة والمدنية ولكنها تزول نتيجة انقلاب أو ثورة أو اضطراب وتستمر الحلقة.
وعن تطورات الوضع السياسي بين المعارضة والسلطة، أكد سلمان أن هناك حديثا متزايدا عن رغبة حكومة البحرين في توقيع العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولو تم ذلك فسيكون محطة مهمة وعلامة إيجابية للبحرين وحكومة البحرين، وبعد توقيع هذين العهدين، سيتمثل التحدي في التطبيق والالتزام بما تنص عليه هذه المواثيق الدولية.
أما عن الموقوفين، فأشار إلى أنهم لم يقوموا بأية مخالفة قانونية، وقد أعلنا باعتبارنا رؤساء للجمعيات مسئوليتنا القانونية والسياسية عن العريضة، وإذا كان هناك أي تجريم للعريضة، فيجب أن يكون من نصيب القائمين على المشروع لا المنفذين له.
ودعا سلمان الحكومة إلى الحوار، إذ قال «من العقل والحكمة أن يتم اعتماد أسلوب الحوار بشكل حقيقي وليس تكتيكي للخروج من المشكلة القائمة، ونحن نتفاعل بشكل إيجابي مع أي منطلق للحوار، ولعل مقال سماحة السيد عبدالله الغريفي المنشور اليوم أمس في صحيفة «الوسط» يعبر عن هذا النوع من التوجه، فهو مكمل، وأنا أتكئ عليه في شرح معنى الحوار»، لافتا إلى وجود «جوانب إيجابية في لقاء جلالة الملك مع الشيخ عيسى أحمد قاسم والسيد عبدالله الغريفي، نتمنى لهذه الجوانب أن تمتد وأن تتحول إلى واقع يسهم في تقدم البحرين».
من جانبه، تطرق الشيخ حسين النجاتي في خطبته أمس في جامع الحياك في المحرق إلى الشأن العام وموقوفي العريضة قائلا ان التهمة الأولى التي وجهت إلى المعتقلين حرفيا «الترويج لتغيير النظام السياسي للدولة بطرق غير مشروعة»، معتبرا ذلك غير متوافق مع الواقع. ولفت النجاتي إلى أن الاعتقالات لا تخدم المشروع الإصلاحي في البلد، بل تضر إلى بسمعة البلد وسمعة المشروع الإصلاحي الذي دشنه ملك البلاد - حفظه الله - والذي لا نريد له سوءا، بل نريد له كل خير وصلاح فيما نبتهل به إلى الله تعالى و نسأله.
وختم النجاتي حديثه بالقول: إنني أقدم نصيحتي إلى إدارات الجمعيات الأربع بأن تقتصر في جمع التواقيع على أعضائها، وتترك أمر مخاطبة السلطة السياسية بشأن المطلب الدستوري بالنسبة إلى غير أعضائها إلى أفراد الشعب غير الأعضاء في هذه الجمعيات، فإذا رأوا أن يخاطبوا ملك البلاد من خلال عريضة مستقلة أخرى فهذا شأن يخصهم، وقد كفل لهم هذا الحق الميثاق والدستور وجميع مبادئ حقوق الإنسان الدولية
العدد 617 - الجمعة 14 مايو 2004م الموافق 24 ربيع الاول 1425هـ