العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ

صحافة فرنسية: لماذا يغيب العالم العربي عن ساحة النفوذ الدولية؟

إيمان شقير comments [at] alwasatnews.com

.

في عضوية جامعة الدول العربية 22 دولة تمثل 280 مليون مواطن عربي في الإجمال. فلماذا تبدو وكأن لا دور لها ولا أهمية على الساحة الدولية؟

هذا السؤال طلبت منظمة الأمم المتحدة من مجموعة من الخبراء الإجابة عنه. وجاءت الإجابات في تقرير عن التنمية البشرية في العالم العربي أعده نحو 30 خبيرا عربيا بإشراف نائبة رئيس وزراء الأردن سابقا ريما خلف هنيدي المقيمة حاليا في الولايات المتحدة وتدير المكتب العربي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. وكان من بين المشاركين في إعداده: المديرة التنفيذية للمكتب السعودية ثريا عبيد، رئيس الوزراء الجزائري السابق احمد بن بيتور، والأمينة العامة لمنظمة ألاسكوا حاليا الدبلوماسية المصرية ويرفت التلاوي، ومدير مركز دول الجنوب في جامعة واشنطن و مندوب الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة سابقا كلوفيس مقصود، والأستاذ في جامعة السوربون الفرنسية برهان غليون.

مجلة جون افريك الفرنسية أوجزت التقرير في ملف لها (21 أكتوبر/تشرين الأول - 3 نوفمبر/تشرين الثاني) تحت عنوان: جروح العالم العربي الخمسة، أشارت إلى أن معدي التقرير استندوا على الإحصاءات الرسمية المتوافرة في الدول العربية الـ 22 الأعضاء في الجامعة العربية. كما أشارت إلى أن الأمم المتحدة ترددت في نشر التقرير بسبب الانطباع السلبي جدا الذي أبرزه. واختارت التركيز على مشكلات خمس رئيسية من بين فيض من المشكلات التي تعيق التقدم والتنمية في العالم العربي هي:

أولا: الديمقراطية المفقودة

يشكل غياب الديمقراطية والحريات صفة مميزة مشتركة لمعظم الدول العربية. فالقمع المتواصل للطموحات الديمقراطية للشعوب العربية هو السبب الرئيسي لبقاء دولهم في طور النمو. وطبقا لسلسلة من المؤشرات (وضع الحريات المدنية والحقوق السياسية، حرية وسائل الإعلام... الخ) يستنتج التقرير أن العالم العربي هو الأقل حرية في العالم كله، فالمشاركة السياسية محدودة ودور ممثلي المجتمع المدني يواجه ضغوطا خارجية فيتقلب بين المعارضة والتلاعب والحرية المقيدة. وإذا كانت الديمقراطية تعني المشاركة والتغيير بوسائل سلمية أي بانتخابات حرة عادلة وشفافة فانه ليس في العالم العربي من دولة ديمقراطية بالمعنى الأوروبي. فالتزوير والتلاعب بالنتائج هما القاعدة. والاستفتاءات تبقي على قادة في السلطة الى الابد وحتى الموت قتلا او بشكل طبيعي. وفي بعض الدول اصبحت الرئاسة متوارثة.

ولكي يغطي القادة العرب على استبدادهم يعبئون شعوبهم ضد عدو خارجي: إسرائيل. وتلوّح بعض الأنظمة العربية المشكوك بشرعيتها بالخطر الإسلامي في تبريرها لاعمال قمع الحريات.

ثانيا: سوء التنمية

بين 1975 و1998 ارتفع الناتج الداخلي الخام للدول العربية من 7,256 مليار إلى 7,445 مليار دولار أي بنسبة 3,3 في المئة سنويا وهي نسبة اكبر من المعدل العالمي (9,2 في المئة). لكن وبالمقارنة مع المناطق النامية الأخرى، فان العالم العربي سبق في هذا المجال أميركا اللاتينية والكاريبي (+3 في المئة)وأفريقيا الصحراوية (+1 في المئة) إلا انه تخلف عن آسيا الوسطى والباسيفيكية(+4,7 في المئة) واسيا الجنوبية (+5 في المئة). كما ان هذا النمو حصل على فترات متباعدة متناثرة وليس بشكل تدريجي... بما يعني أن العالم العربي ليس بمنطقة نمو. ووفقا للبنك الدولي انخفض الدخل الحقيقي للفرد بنسبة 2 سنويا. وإذا كانت عائدات النفط عززت الاستهلاك وتطور البنى التحتية إلا أنها لم تطلق أي دورة اقتصادية مهمة باستثناء الصناعة البتروكيميائية. بل ان الدول غير المنتجة للنفط استفادت بفضل يدها العاملة من أموال النفط. وأحصي في الثمانينات وجود 7,3 مليون مهاجر عربي يعملون في حقول النفط في الشرق الأوسط تشكل تحويلاتهم المالية نسبة 28 في المئة من الناتج الإجمالي الخام في الأردن و10 في المئة في مصر. لكن القسم الأكبر والاهم من العائدات النفطية يذهب إلى خارج المنطقة. ووفقا لتقرير البرنامج فإن 300 مليار دولار من الاستثمارات النفطية في السنوات الأخيرة لم يكن لها أي تأثير يذكر على معدل الدخل الفردي في المنطقة. ثم جاء تدهور أسعار النفط في الثمانينات وقيود صندوق النقد الدولي وتزايد السكان ليفاقم من الركود والفقر ويخفض الإنتاجية ويجعل من معدل الدخل الفردي في المنطقة أحد أدنى المداخيل في العالم. والنتيجة: 12 مليون عاطل عن العمل (أي بنسبة 15 في المئة من السكان النشيطين) وقد يصل إلى 25 في المئة العام 2020 وهجرة ملايين الشباب إلى الخارج بحثا عن عمل.

ثالثا: تسخير النساء

هناك نموذجان متناقضان للمرأة العربية، ففي تونس مثلا وفي مؤتمر للأطباء النفسيين كان بين المشاركين التونسية الأنيقة المدخنة والسعودية المحجبة. وهما بمظهرهما الخارجي وسلوكهما المتعارض ووضعهما المهني المتساوي، تمثلان تماما وضع المرأة في العالم العربي. وهو وضع غير مضيء وفقا لتقرير المكتب العربي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. وإذا كان تعليم المرأة في الدول العربية حقق تقدما مذهلا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الضغوط الاجتماعية لا تزال تحاصر دور المرأة. وتشكل نسبة الوفاة في حالات الوضع ضعفي النسبة في أميركا اللاتينية وأربعة أضعاف مثلها في آسيا الشرقية. وفي دول عربية كثيرة ما تزال المرأة مواطنة من الدرجة الثانية وعرضة لتمييز قانوني وقضائي غير محتمل. أما نسبة مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية والاقتصادية فهي الأدنى في العالم كله. ولا تشغل المرأة العربية سوى نسبة 5,3 في المئة من مقاعد البرلمانات العربية مقابل نسبة 11 في المئة في أفريقيا الصحراوية و9,12 في المئة في أميركا اللاتينية والكاريبي.

لكن وإذا كان وضع المرأة أحد المؤشرات على التنمية في بلد ما، يقول التقرير، فمن الأفضل عدم التسرع في التعميم كما يفعل الغرب. فالمرأة العربية المتحررة لا ترتدي بالضرورة الزي الغربي وليست كل امرأة محجبة مضطهدة.

رابعا: تعجيز العقول

لا شك في أن تباطؤ النمو هو النتيجة الحتمية للإدارة السيئة للأفكار والمهارات. غير أن إعداد هذا يتم أساسا في المدارس ولا يمكن للدول العربية الادعاء في تحقيق أي تقدم على هذا الصعيد. وإذا كانت الدول العربية حققت خطوات ضخمة في تعميم التعليم ومكافحة الأمية إلا أن نجاحها في هذا المجال متواضع جدا مقارنة مع الدول النامية الأخرى. وإذا كانت نسبة الأمية انخفضت من 60 في المئة العام 1980 إلى 43 في المئة منتصف التسعينات ما يزال هناك 65 مليون أمي ثلثهم من النساء. ويتوقع تقرير المكتب العربي أن لا يصار إلى استئصال هذه المشكلة قبل العام 2040. يضاف إلى ذلك وجود 10 ملايين طفل من غير مدرسة معظمهم من الفتيات. وان اقل من نسبة 13 في المئة من الطلاب العرب يتابعون التعليم الجامعي وهو معدل أدنى من متوسط النسبة في الدول النامية الأخرى (9 في المئة). وبالإضافة إلى ارتفاع كلفة التعليم في العديد من هذه الدول العربية فإن الأنظمة التعليمية غير فعالة كما تدل إحصاءات الرسوب. كما أن العلاقة مع متطلبات السوق شبه منعدمة. وتكمن المشكلة الأساسية في النوعية السيئة للتعليم والبرامج كما الوسائل.

خامسا: موت الفن

ومن بين المشكلات الكثيرة التي يعاني منها العالم العربي، كما وردت في تقرير المكتب العربي، اختارت مجلة «جون افريك» ضعف الإنتاج الفني والأدبي كمؤشر إضافي خامس على تخلف الدول العربية عن اللحاق بركب التطور والتنمية. ويشمل هذا الضعف الاستخفاف بالتراث الثقافي. وتدني الإنتاج السينمائي ووجود الرقابة الفكرية والأخلاقية ولجوء الشبكات التلفزيونية إلى البرامج الخارجية. أما بالنسبة إلى أعمال النشر فلم يتجاوز عدد المنشورات الأدبية في العام 1989 اكثر من ستة آلاف كتاب أي بنسبة اقل من 30 كتابا لكل مليون مواطن عربي وبنسبة 7,0 في المئة من المعدل العالمي كما ان النتاج الرئيسي محصور بالكتب الدينية والكتب المدرسية. وتضعف أعمال الترجمة وتنحصر بحوالي 330 عملا مترجما في السنة في كامل المنطقة أي بنسبة خمس الإنتاج العالمي. وبالإضافة إلى ضعف الإنتاج الفكري فإن نوعيته لا يحسد عليها. فالثقافة العربية ضعيفة والسبب الرقابة والرقابة الذاتية وتصاعد التعصب ما يجعل أي نتاج فكري محصور في دائرة في وقت تتعزز فيه الثقافة العربية باللغة الفرنسية وتهاجر عقول فكرية مبدعة إلى الخارج. كما أن من الأسباب الرئيسية لهذا الضعف انعدام الحرية أساسا وغياب القراء وتراجع ثقافة القراءة

العدد 61 - الثلثاء 05 نوفمبر 2002م الموافق 29 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً