العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ

ما هي الجريمة التي ارتكبها الفلسطينيون بحق الشعب الأميركي؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

من يملك ذاكرة قوية فإنه يتذكر حتى اليوم ما جاء في الكلمة التاريخية التي ألقاها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أول ظهور له على منبر الهيئة الدولية في العام 1974. وكان هذا أكبر انتصار سياسي تحقق لمنظمة التحرير الفلسطينية ولنضال الشعب الفلسطيني. وتردد وقتذاك أن الشاعر الفلسطيني محمود درويش هو الذي كتب الكلمة المدوية التي ألقاها عرفات وكان يحمل مسدسه على وسطه وحين أنهى كلمته قال: جئتكم بغصن الزيتون بيد وبمسدس بيد أخرى فلا ترموا غصن الزيتون من يدي.

ومن يتذكر جيدا ما جاء في كلمة عرفات أيضا، يتذكر الرسالة التي جاء بها إلى الشعب الاميركي مستغلا أول فرصة له بدخول أراضي الولايات المتحدة وقال: إنني أسألكم بكل وضوح، ما هي الجريمة التي ارتكبها الشعب الفلسطيني ضد الشعب الأميركي؟ لماذا تحاربوننا؟ هل يخدم موقفكم المعادي لنا مصالحكم؟

لم يحصل عرفات على إجابة واضحة على هذه الأسئلة وهي أسئلة محقة من العدل والإنصاف أن يوجهها الفلسطينيون إلى المسئولين الاميركيين وإلى الشعب الاميركي لكن لا يبدو أن أي رئيس اميركي مستعد للإجابة عليها بصدق ووضوح حتى جورج بوش ومنافسه على الرئاسة جون كيري.

منذ إعلان قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين تبنت الولايات المتحدة موقفا معاديا للفلسطينيين وهو الموقف الذي نقلته عنها دول أوروبية غربية على رغم أن أوروبا لها نظرة مختلفة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي لكن العالم أجمع يعرف أن الطرف الوحيد الذي يستطيع أن يؤثر على «إسرائيل» ويدفعها إلى العمل بمنطق العقل والسعي إلى اتفاق مع الفلسطينيين، هو الولايات المتحدة الاميركية ولا أحد غيرها. أوروبا عاجزة عن القيام بدور مؤثر في هذا النزاع على رغم الأموال الطائلة التي استثمرتها في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بعد التوقيع في حديقة البيت الأبيض على اتفاق أوسلو بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول العام 1993 برعاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وشاهد الأوروبيون بألم، مثل الفلسطينيين وسائر العرب، كيف قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بتدمير المشروعات التي شيدت بأموال أوروبية وعربية في المناطق الفلسطينية، في مستهل مخطط شاروني لتعطيل كل ما من شأنه أن يدفع إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وتعود الفلسطينيون على الفيتو الاميركي الذي يقف لهم بالمرصاد كلما سعوا في مجلس الأمن الدولي للحصول على قرار يدين جرائم «إسرائيل». على رغم أن سائر الدول الأعضاء في نادي الكبار ليسوا بالضرورة متعاطفين مع الفلسطينيين لكنهم يتصرفون وفقا للقوانين الدولية. بغض النظر عن الولايات المتحدة، التي تجد أن «إسرائيل» فوق القانون، يحق لها قتل من ترغب في قتله، ونسف ما تراه يستحق النسف، وإحراق ما يقف حجر عثرة في طريقها وهكذا هو الحال منذ عقود من الزمن بغض النظر عمن تسلم السلطة في واشنطن.

على العكس تماما من أسامة بن لادن، العدو الأول للولايات المتحدة، وعلى رغم أنه ليس من العدل والإنصاف المقارنة بينه وبين الفلسطينيين، لكن ينبغي على الاميركيين إدراك الحقيقة. فإن الفلسطينيين لم يرتكبوا يوما جريمة بحق اميركا ولا ضد الشعب الاميركي. وهم على العكس من الأصوليين، على رغم تعدد فصائلهم، إلا أنهم متفقون فيما بينهم على ضرورة وأهمية دور الولايات المتحدة في العالم وخصوصا في عملية السلام في الشرق الأوسط. كما هم على قناعة تامة بأن الولايات المتحدة قادرة على حل النزاع إذا رغبت في ذلك.

كثير من الفلسطينيين هاجروا إلى الولايات المتحدة، وحصلوا على الجنسية الاميركية، منهم من برز داخل المجتمع الاميركي وتبنى الحياة والمبادئ الاميركية. ولعل هؤلاء هم أكثر من يشعر بخيبة أمل تجاه الموقف الدائم للولايات المتحدة، المعادي للقضية العادلة للشعب الفلسطيني. هم وجميع العرب، من يعارض ومن يؤيد التعاون مع الولايات المتحدة، يرجون الاميركيين منذ سنوات طويلة أن توافق على السماح للفلسطينيين بناء دولة خاصة بهم على مساحة 22 في المئة من أرض فلسطين والتي لم تضمها «إسرائيل» حتى اليوم منذ تأسيسها في العام 1948/1949.

وانتظر الفلسطينيون طويلا حتى جاء رئيس اميركي إلى السلطة في البيت الأبيض ليكشف عما يعرفه الجميع في العالمين العربي والغربي، عن تحيز الولايات المتحدة الأعمى لـ «إسرائيل». على العكس من الرئيس السابق كلينتون، الذي تفاوض وتحاور مع الفلسطينيين واستقبل عرفات في البيت الأبيض وفي معسكر المؤامرات في كامب ديفيد، فإن بوش عمل منذ البداية بنصيحة المستشارين المتعصبين في إدارته الذين يطلق عليهم لقب (الصقور) وعلى أثر أول لقاء عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، استجاب لطلب البلدوزر في قطع الحوار مع عرفات. وحين وقع هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول استغل شارون الغضب العارم على (القاعدة) وراح يصف الرئيس الفلسطيني بالإرهابي ونضال الفلسطينيين بالإرهاب وراح الإرهابي الأول في الشرق الأوسط يستخدم تعبير الإرهاب والحرب المناهضة للإرهاب لتغطية جرائمه ضد الفلسطينيين.

ثم جاءت مشاركة الولايات المتحدة في وضع خريطة الطريق والتي تنص على إعلان دولة فلسطينية بحلول العام 2005. وكان بوش نفسه قد أكد للرئيس المصري حسني مبارك قبل وصول شارون بساعات إلى واشنطن، أن الولايات المتحدة متمسكة بخريطة الطريق. بعد يوم واحد أطلق بوش رصاصة الرحمة على خريطة الطريق وفاجأ الأصدقاء والخصوم بإعلانه تأييد خطة شارون التي تنص على احتفاظ «إسرائيل» بجميع المستوطنات التي يعتبرها المجتمع الدولي ليست شرعية لأنها قامت على أرض احتلتها «إسرائيل» في حرب يونيو/ حزيران 1967 ووجد بوش أن «إسرائيل» لم تعد مضطرة وفقا لما وصفه بالحقائق الجديدة على الأرض، بأن تتراجع عن هذه الأراضي وفقا لما نص عليه القراران الدوليان رقم 242 و338. وهذا موقف يعرقل قيام دولة فلسطينية بصورة واضحة. إن الاميركيين أنفسهم طالبوا الرئيس العراقي صدام حسين أن يلتزم بقرارات الأمم المتحدة بينما هم أنفسهم يتنصلون منها من أجل «إسرائيل» وهذا اعتداء صارخ على القوانين الدولية. لماذا تضع الولايات المتحدة يدها بالنار من أجل شارون؟ إن تاريخ الرابع عشر من ابريل/ نيسان العام 2004 يوم اسود في التاريخ ووعد بوش لا يقل خطورة عن وعد بلفور العام 1917 حين وعد وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور اليهود بوطن لهم على أرض فلسطين التي كانت في ذلك الوقت خاضعة للانتداب البريطاني. وسلم غالبية العرب في الغضون بوجود الدولة العبرية لكن الظرف الجديد الذي أوجده بوش وشارون الآن لا يترك فرصة للفلسطينيين لإقامة الدولة التي يحلمون بها.

قبل ثلاثين عاما سأل عرفات الولايات المتحدة إذا هي تجد أن سياستها في الشرق الأوسط تخدم مصالحها. في كل عاصمة عربية إذا شاهد المرء مبنى مصنوعا من الحجارة الصوانية يحرسه عشرات المسلحين فإنه على الأرجح مقر السفارة الاميركية. وقد جلبت الولايات المتحدة على نفسها نتيجة لسياستها المنحازة لـ «إسرائيل»، العداء من مختلف أقطاب العالم العربي والإسلامي. فيما تقود ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب، فإنها صبت الزيت على نار هذه الحرب. ثم أن موقف اللامبالاة الذي اتخذته تعقيبا على قيام شارون بالإشراف شخصيا على اغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، سيجبر حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على الرد. لقد تسبب بوش نفسه بوضع جولة جديدة من العنف في إطار النزاع المزمن بين الفلسطينيين و«إسرائيل» فهل يعتقد حقا أن سياسته الجديدة في الشرق الأوسط تخدم مصلحة الولايات المتحدة؟ وإذا يعتقد شارون أنه بالقضاء على قادة حماس سيقضي على المقاومة الفلسطينية فإن كل طفل فلسطيني يولد يعرف لاحقا أنه ولد من أجل تحرير فلسطين وسيعمل من أجل نسف الاتفاق الذي وضعه بوش وشارون في ابريل 2004

العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً