نستكمل اليوم الحلقة الثالثة من موضوع البحث بالحديث عن بقية الكتل النيابية التي يتكون منها البرلمان، في قراءة للتجربة البرلمانية الجديدة التي تشهدها البلاد،إذ نتحدث عن كتلة «المستقلين»، «الديمقراطيين الوطنيين» و«الكتلة الاسلامية».
«كتلة المستقلين»
أعلن تشكيل الكتلة في 25 مايو/ أيار 2003، تحت مسمى «كتلة النواب المستقلين». وهي تضم كلا من: عبدالعزيز الموسى (رئيسا)، يوسف الهرمي، عبدالله الدوسري، محمد فيحان الدوسري، محمد الكعبي، أحمد بهزاد، وأحمد حاجي أعضاء.
تبدو كتلة «المستقلين» منسجمة مع نفسها، ومع جمهورها. وهي أقرب إلى الحكومة من أي تيار آخر، ومن الأصالة أيضا التي تعد حليفا أساسيا للمستقلين. وما يجعل المستقلين أكثر قربا من الحكومة تحررهم من الضغوط الشعبية، فبينما تمارس القاعدتان الشعبيتان لكتلتي «الأصالة»، و«المنبر» ضغوطا على نوابها بما لا يعطيه هؤلاء النواب امكان التصريح علنا بمناصرة الحكومة في بعض القضايا، فإن المستقلين أقل شعورا بهذا الضغط، خصوصا نواب المحافظة الجنوبية الذين انتخبو ببضع مئات فقط بسبب الخلل في الدوائر الانتخابية.
ويمكن اعتبار «المنبر الإسلامي» تيارا معارضا إذا ما قيس مع توجهات عموم المستقلين الذين في غالبيتهم أسماء لم يعرف عنها الاشتغال بالسياسة، ولم تثر أسماؤها اهتماما إبان الانتخابات النيابية، وساعدت المقاطعة على فوز بعضهم، مثل أحمد حاجي، ويوسف الهرمي، وأحمد بهزاد. توجد لائحة داخلية تنظم عمل هذه الكتلة، وهي اختارت مستشارا قانونيا (حسن بوحجي)، لتقديم الرؤى القانونية. ويبدو أن هذه الكتلة الوحيدة التي يوجد عندها مستشار اسمه معلن. أما الكتل الأخرى فهي لم تستخدم بدل المكتب وقدره 700 دينار، فغالبية النواب لم يفتحوا مكاتب، ولم يعينوا موظفين، وهذا إشكال يخل بصدقية النواب فيما يتعلق بشفافية صرف البدل.
لا يمكن الحديث عن أولويات واضحة لهذه الكتلة، لكنها كعموم التيار السني يجتهد للحفاظ على ما يعتقد أنها مكتسبات لطائفته. لذلك لا حراك ولا اعتراض على الدوائر الانتخابية وتفهم كبير للتعيينات الحكومية، والوضع الدستوري.
أما بالنسبة إلى الأسئلة، فإنها أسئلة تقليدية، تكشف عن غياب أجندة رقابية محددة المعالم. وربما يكون من مضيعة الوقت طرح أسئلة كهذه داخل البرلمان، يمكن الحصول عليها بمجرد اتصال هاتفي بمكتب الوزير أو الشخص المختص.
ويبدو النائبان عبدالعزيز الموسى وأحمد بهزاد أبرز الناشطين في هذه الكتلة، وأكثر ميلا إلى «الليبرالية المحافظة». وقد أظهر الموسى اهتماما واضحا بتطبيق اللائحة الداخلية، وتواصلا مع الصحافة.
«الديمقراطيين الوطنيين»
هذه الكتلة قريبة من جمعية المنبر التقدمي، الذي يعد الوريث لجبهة التحرير ذات التوجه اليساري. وهي تضم النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالهادي مرهون، والنائبين يوسف زينل، وعبدالنبي سلمان، والأخير هو الوحيد المنتمي إلى المنبر التقدمي. لا توجد لائحة داخلية تنظم عمل الكتلة. وهي أقرب إلى التكتل الناشئ من الخارج، بسبب الأيديولوجيا المشتركة لنوابها. وهي تحاشت طوال الوقت الإشارة إلى أنها قريبة من المنبر، وإن قلت هذه الحساسية حاليا. والسبب في ذلك هو طغيان المد الإسلامي الذي يتخذ موقفا سلبيا من اليسار.
هي أكثر الكتل قربا من المواقف التقليدية للمعارضة. بما في ذلك الموقف من الدستور. وأحيانا كثيرة تبدو وكأنها تدافع عن هموم المواطنين الشيعية في التمييز والتوظيف. وبالمناسبة فإنها الكتلة البرلمانية الوحيدة التي تضم نوابا من الطائفتين، فالكتل الأخرى، هي إما شيعية أو سنية. تعرض هذا التكتل لهجوم أكثر من مرة، من قبل النواب المحسوبين على الحكومة، ومن الصحافة المحلية القريبة من التوجه الرسمي، كما يواجه هذا التكتل نقدا شديدا من المقاطعين، الذين شن عدد من كتابهم هجوما شرسا ضد توجهات الكتلة التي لا تتعارض ورؤى المقاطعين بالضرورة. على رغم صغر عددها، فإن تأثيرها كبير. بسبب جرأتها، ورفعها شعارات مطلبية، ووضوح الرؤية أمامها في العموم. إنها كتلة قادرة على التواصل مع الجميع، الحكومة، والمعارضة، والآخرين، لكنها على الأرجح غير قادرة على اختراق القطاع الشعبي الذي قاطع الانتخابات. لذلك فإن الدعم الشعبي هو أهم ما تفتقده هذه الكتلة. ويصعب التصور مثلا أن يستجيب جمهور واسع إلى أية تظاهرات تتبناها من دون أن تنسق مع قطاعات أخرى. وهي تضم أكثر النواب نشاطا على المستوى الإعلامي، مدركة ما للرأي العام من دور كبير. لكن تصريحاتها الكثيرة لا تعادل نشاطها التشريعي والرقابي، ويبدو أن هذه الكتلة قلقة على صورتها جدا، بالنظر إلى القطاع الذي تنتمي إليه، وهي تحاول القول إن دخولها في المجلس لا يعني القبول بكل ما هو موجود. ويبدو أن الاهتمام بالإعلام ينسيها أحيانا أن التصريحات لا يمكن ان تحقق ما يحققه التشريع من تأثير.
نشاطها التشريعي يغلب عليه الطابع السياسي والحقوقي إن صح التعبير (إنشاء وتنظيم دائرة إعداد التشريعات والقوانين لمجلس النواب، الأحزاب السياسية، منح الأولوية للمواطنين في الخدمة في قطاع الأمن والدفاع والحرس الوطني) وهي أمور جوهرية، وتساهم في تمتين البناء التشريعي، وتأسيس المجتمع المدني، ومحاولة حل مشكلات التمييز. والملاحظ هنا أن منح الأولوية للمواطنين في الخدمة في قطاع الأمن والدفاع والحرس الوطني قدم كمقترح بقانون وليس مقترحا برغبة، ما يعطيه إلزاما في حال التصديق عليه. ولو فعلت الكتلة ذلك في أمورأخرى، لكان أفضل من الاكتفاء بالتصريحات الصحافية والحوارات مع أصحاب الشأن. ومع ذلك فإن أخطاء جدية مارستها الكتلة في موضوع التجنيس أدت إلى تشكيل لجنة تحقيق قد تخلص إلى صدور تقرير مجاف للحقيقة. وهذا ربما يجعل الكتلة تتراجع في طرح موضوعات مثل التمييز أو غيره على نحو قد يؤدي إلى نتائج عكسية، في ظل الاصطفافات داخل مجلس النواب، التي تميل بشكل واضح لصالح التيار القريب من التوجهات الرسمية.
على المستوى الرقابي، فإن هذه الكتلة لم تسأل إلا سؤالين طوال عشرة أشهر. ولا يمكن تفسير ذلك إلا إذا كانت الكتلة لم تدرك أهمية البعد الأقرب، والارتباط الوثيق التشريع خصوصا في ظل الضعف الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب. والسؤالان اللذان وجههما يندرجان ضمن القضايا الحقوقية والسياسية التي تعنى بها هذه الكتلة، إذ سأل مرهون عن إصدار شهادات حسن سيرة، وهي المشكلة التي يعاني منها عدد من الذين اعتقلوا في حوادث التسعينات وقبلها، فيما سأل عبدالنبي سلمان عن موضوع المساواة، وهي شكوى دائمة يكررها قطاع عريض من المواطنين مطالبين بالمساواة في الحقوق والواحبات.
الكتلة الإسلامية
معروف أن مقاطعة «الوفاق» للانتخابات، فضلا عن طبيعة تشكيل الدوائر الانتخابية، أنتجت مجلسا لا يمثل توازن القوى في المجتمع. وحصل المواطنون الشيعة في المجلس على 12 مقعدا من أصل أربعين. غالبيتهم تجمعوا في الكتلة الإسلامية، التي لم ينضم إليها جاسم عبدالعال، وجاسم الموالي، فضلا عن مرهون وسلمان.
وربما خسرت كتلة الديمقراطيين الوطنيين عددا من النواب الشيعة كان يمكن أن يشكلوا صوتا إضافيا لهم على الأقل، حتى لا أقول قوة سياسية أو اجتماعية.
لكن إشكالية الدينيين واليساريين تلقي بظلالها على الأرجح على طبيعة الاصطفافات، فإذ كانت كتلة الديقراطيين نأت بنفسها عن «المنبر التقدمي» فيمكن تصور السبب الذي يجعل النواب الشيعة الآخرين يفضلون الانضمام إلى الكتلة الإسلامية على رغم غياب أولوياتها وبرامجها.
تضم الكتلة ثمانية نواب، ثلاثة منهم أعضاء في الرابطة الإسلامية المحسوبة على تيار الشيخ سليمان المدني رحمه الله، وهم رئيس الكتلة علي السماهيجي (وهو محام، قادر على المناورة، وقريب من التوجه الرسمي) وأحمد حسين، ومحمد الخياط، إضافة إلى خمسة نواب آخرين وهم محمد عباس آل الشيخ، عباس حسن، عبدالله العالي، عيسى بن رجب، سمير الشويخ.
ولا يعرف رابط كبير يربط أعضاءها، سوى أنهم شيعة. انتخب غالبيتهم بسبب المقاطعة.
وباستثناء محمد آل عباس الذي ينشط محاولا تقديم شيء إلى قاعدته الانتخابية الفقيرة والتي تعاني من البطالة (أكثر من 3000 عاطل من منطقة سترة بحسب إحصاء أجراه آل الشيخ)، وبنسبة أقل عبدالله العالي الذي هو من القلائل الذين فتحوا مكتبا، فإن بعض نواب هذه الكتلة شبيه بأعضاء مجلس الشورى الذين لا يلزمون أنفسم بتقديم رؤى تشريعية وأسئلة... وكما لا يعرف الناس بعض أعضاء مجلس الشورى، فإنهم لا يعرفون أيضا بعض أعضاء النواب من أعضاء هذه الكتلة وكتل أخرى طبعا.
ومن ثم يمكن التقرير بأن العدد الأكبر من الكتلة لن يعاد انتخابه في الدورة المقبلة، سواء شاركت الجمعيات المقاطعة أو لم تشارك.
هذه الكتلة تعطي دلالة واضحة على أن العدد ليس هو الأساس في أي عمل برلماني. فعلى رغم أن عددها كبير (8 نواب) فإن نشاطها محدود جدا، وتأثيرها قليل. ولا يمكن التعويل عليها في انجاز شيء جدي للقطاع الذي من المفترض أن تمثله ففاقد الشيء لا يعطيه. وإذا كان مرهون وسلمان خطا طريقهما عن طريق الإعلام للوصول إلى الناس، فإن عددا من هؤلاء ليسوا مهمومين، أو ليسوا مؤهلين سياسيا إلى لعب دور نائب للأمة، مثلهم مثل عدد من أعضاء مجلس الشورى المعنيين.
ما يجمع الكتل
- كتل طوائف: تتشكل الكتل من طائفة واحدة، باستثناء كتلة الديمقراطيين الوطنيين، ما يعني أن البرلمان لم يستطع بعد العمل على الخروج من شرنقة الطائفة، وهذا يلقي بضلاله على البرامج والأولويات التي يبدو أنها تتحدث عن هموم الطائفة، وتتأخر بالتالي هموم الوطن.
- عدم وضوح البرنامج التشريعي والرقابي، كأن تقدم الكتلة سيلا من الاقتراحات والأسئلة تخدم رؤية واضحة، فضلا عن عدم الاستفادة من الآليات المتاحة في التشريع والرقابة.
- غياب الأجندة الاقتصادية، والأولويات.
- عدم التكامل، كأن يكمل استفسار لنائب سؤال أو تشريع قدمه زميل آخر. أو أن تتحدث الكتلة ليبني كل منهم على ما قاله الآخر. ويمكن أن تكتب الكتلة خطابا مشتركا، في 20 دقيقة، يلقي كل واحد قدرا بحسب الوقت المتاح لكل عضو. ويصل غياب التنسيق إلى درجة اختلاف التصويت على قرار ما.
ـ تفتقد غالبية الكتل آلية للتفاوض مع بعضها ومع الحكومة، لتحقيق مآرب سياسية.
ـ تفتقد الكتل الاستشاريين والموظفين. ولم تتم الاستفادة من علاوة المكتب 700 دينار
العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ