العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ

لمن تقرع الأجراس في المنامة؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما اتخذته النيابة العامة من إجراءات بحق مجموعة من المواطنين غالبيتهم من الشباب بسبب جمع توقيعات على «العريضة الشعبية»، تكمن خطورتها في التهديد بإرجاع البلاد ثلاثين عاما إلى الوراء. إجراءات نخشى أن يكون ضررها أكبر من نفعها. فحسب تقديرنا ان انعكاساتها السلبية لن تنحصر على الناحية الأمنية التي ينحصر فيها تفكير البعض، وإنما ستنجرّ على النواحي الاقتصادية والسياسية والإعلامية التي شهدت تحسنا ملحوظا في الأعوام الثلاثة الماضية. وإذا استمرت هذه الاجراءات بما يتلوها من تداعيات، فإنها ستنال بالضرر ما ظلّت البحرين تفاخر به على جوارها العربي.

على مستوى اقتصاد البلد سيكون لهذه الإجراءات تأثيراتها من حيث «تخويف» المستثمرين وتراجع حركة الإقبال على الاستثمار في حال بروز مثل هذا التصعيد. من جانب آخر هذه الخطوات تهدّد بتراجع تلك السمعة الطيبة التي بنتها البحرين لها في الخارج برويةٍ وتأنٍ وتفانٍ طوال ثلاث سنوات، كل ما تم انجازه على هذا الصعيد مهدّدٌ اليوم بالزوال في لحظة واحدة.

وفي الوقت الذي أمل فيه الكثيرون تحقيق انفراجة للوضع السياسي وزوال الاحتقان من الساحة، تغليبا «للمصلحة الوطنية العليا»، نرى هذه الإجراءات تصب في الاتجاه المعاكس للأسف الشديد. والأخطر من ذلك هو أنها إجراءات لا تتوافق مع الجو الإصلاحي العام الذي عاشته البلاد في الفترة الأخيرة. ولعل من المفارقات أن نحتفل بيوم الصحافة العالمي صبيحة اليوم الذي تحتل فيه أخبار الاعتقالات مانشيتات الصحف المحلية، على خلفية «سياسية» بحتة. وفي الوقت الذي نتطلع فيه إلى توسيع هامش الحرية التي تنعش البلد وتزيد الثقة العامة بالإصلاحات، نرى هذه الإجراءات تسير في الاتجاه المعاكس تماما.

إعلاميا، للأسف الشديد، استخدمت الصحف لغة عتيقة مستدعاة من أجواء كان يحكم إيقاعاتها قانون «أمن الدولة»، وما يعنيه ذلك من معاني التضييق على الحريات العامة وتشديد القبضة على حركة المجتمع المدني ومؤسساته وخنق الابداع والتطلعات المشروعة لإصلاح الحياة العامة والمشاركة الشعبية. وذاكرة الناس مازالت تختزن المانشيتات الفاقعة التي كانت تصدمهم في فترة حوادث التسعينات التي عصفت بالبلاد، حين كانت تحتل أخبار «المؤامرات» ومحاولات «قلب نظام الحكم» الصفحات الأولى، في ممارسةٍ لا أدري أين ستوضع حين يتم كتابة تاريخ البلاد الحديث بأيدٍ نزيهة؟

العودة إلى استخدام اللغة العتيقة في عصر الانفتاح والإصلاح يبدو عملا غير موفّقٍ على الإطلاق. فإن تتهم متظاهرا بمحاولة قلب نظام الحكم تجد شخصين من كل عشرة مواطنين يصدقانك. أما أن «تتهم» شابا جالسا أمام طاولة يجمع (توقيعات) الراغبين بالتوقيع، وتقول إن لديك «أدلة» ضده، وتخلق من الحبة قبة، وتنفي أن يكون هناك أي تسييس للقضية، فهذا ما لن يصدقك فيه أحد.

تمنينا أن ترتقي لغة الإعلام «الموجّه» في يوم الاحتفال بيوم الصحافة العالمي عن اللغة المبتذلة التي سادت أيام قانون «أمن الدولة»، فالأوضاع مختلفة. وعند انتفاء أي عمل عنيف ينتفي مبرر الاعتقال لمدة طويلة تبلغ 45 يوما، ومن المحزن جدا ترويج الأدعاءات وتوجيه «التهم» غير الثابتة ضد أي مواطن من أبناء البلد.

ليس هناك اليوم من يعيش على هذه الأرض الطيبة من يرغب بالتصعيد. حتى الجمعيات الأربع تناغمت مع الرغبة الرسمية في حصر التوقيع على أعضائها مع ما كان يعني ذلك من تنازل كبير في عيون جماهيرها، وما يعرضها من حرج أمام قواعدها.

يقينا ليس من مصلحة أحد الدفع باتجاه التصعيد والعودة إلى المربع الأول، إذ السجون الفاغرة أفواهها لاستقبال من تلصق بهم التهم المجانية، كأن البحرين لم تشبع من أكل أبنائها

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 606 - الإثنين 03 مايو 2004م الموافق 13 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً