تحاول هذه الدراسة قراءة الكتل في البرلمان البحريني، وخصوصا الكتل في مجلس النواب المنتخب، ومواقفها وأولياتها في ضوء ما قدمته من اقتراحات برغبة ومقترحات قوانين وأسئلة خلال العام (ديسمبر/ كانون الأول 2002 - ديسمبر 2003). واختيرت هذه الفترة لأنه لا توجد تقارير مفصلة وموثقة عن الشهور الثلاثة الأولى من العام 2004.
ويمكن اعتبار هذه الدراسة ضمن سلسلة الدراسات التي تعنى بأداء المجلسين، إذ سبق أن أعد الباحث دراسة نشرت في مارس/ آذار الماضي، تحت عنوان «الرقابة البرلمانية قانونا وممارسة: مجلس النواب البحريني نموذجا»، كانت قدمت في الحلقة النقاشية التي نظمها المعهد الوطني الديمقراطي للشئون الدولية (NDI)، وجمعية ميثاق العمل الوطني بعنوان «التنمية في ظل الانفتاح السياسي».
مجلس الشورى: مفاجأة التشكيل
يتشكل البرلمان البحريني - بحسب دستور 2002 - من غرفتين متساويتين في العدد (40 عضوا في كل غرفة). الأولى معينة وتسمى مجلس الشورى، والثانية منتخبة، وتسمى مجلس النواب. ويبدو أن الفهم مختلف بشأن الكتل النيابية ودورها، سواء داخل غرفتي البرلمان البحريني، أو داخل كل مجلس، وفي كل تجمع أو تكتل.
التحفظات على تشكيلة المجلس المعين جدية، وقد تعمقت بعد انقضاء نصف عمر البرلمان الذي بدأ انعقاده في منتصف ديسمبر/ كانون الثاني 2002.
قبل أن يصدر قرار التشكيل في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 كان الأمل يراود المهتمين بأن تكون التشكيلة أكثر تقدمية وتمثيلا للأطر الحزبية والتشكيلات الاجتماعية، بما ينسجم ويعكس روح الإصلاح التي انطلقت بدفع شعبي عارم في 14 فبراير/ شباط 2002، عندما وقع الناس مجمعين على الخطوط العريضة لمسيرة الإصلاح التي خطها ميثاق العمل الوطني.
جاء التشكيل مخيبا للآمال لتدرك قطاعات أخرى في المجتمع بأن الإصلاح ليس لوحة نرسمها كما نريد، تسير وفق خط متصاعد دوما، دونما تراجع أو تذبذب، وإنما هو صراع إرادات وأولويات داخل الحكم وقوى المجتمع، وإن تشكيلة المجلس المعين المحبطة ليس سوى نموذج آخر للتعديلات الدستورية المختلف بشأنها، والتعيينات الوزارية والإدارية المتسمة بعدم التوازن، التي تظهر بأن قطار الإصلاح دونه مصاعب جمة، قانونية وسياسية.
لقد زاد من مفاجأة التشكيل المعلن طبيعة التشكيلة التقدمية (نسبيا) التي اتسم بها تشكيل مجلس الشورى الثالث الذي بدأ عمله في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، وفض في فبراير 2001 من دون أن يكمل دورته بسبب التصويت على ميثاق العمل الوطني.
وضم المجلس حينها عددا من التكنوقراط، وخمس نساء، وعُدّ إشارة على أن الإصلاح مقبل، وخصوصا أنه شكل بعد نحو عام ونيف من تقلد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة (الأمير حينها) مقاليد الحكم في مارس 1999، بعد نحو ثلاثة عقود من حكم اتسم باللاديمقراطية.
يرجع البعض التشكيل الضعيف إلى مجلس الشورى لرغبة الحكم في جعله منسجما وتشكيلة مجلس النواب المنتخب التي بدت ضعيفة بسبب مقاطعة تيارات المعارضة الرئيسية للانتخابات النيابية التي جرت قبيل شهر واحد من إعلان مجلس الشورى. ويزيد هذا المبرر الوضع إرباكا، ويمكن أن يصيب في الصميم المجلسين معا، إذ يعترف عمليا بأن مقولات المعارضة صحيحة بشأن المجلس المعين وأنه يمثل الحكومة ولا يمثل الناس.
وفي الواقع فإن الأرجح أن التعيينات تأخذ بالاعتبار جملة من المسائل مثل المحاصصة والترضية، ما يفرغها من معناها الوطني المرتبط بالكفاءة. وذلك لا ينطبق على الشورى فقط، إذ يمتد إلى عموم التعيينات. لذلك فإن الحاجة ماسة إلى إعادة صوغ مفهوم التنصيب في الوظائف العامة.
وهم الكتلة الواحدة
تشكل مجلس الشورى من 40 عضوا، من بينهم 31 عضوا جديدا وتسعة كانوا أعضاء في المجلس السابق. وضم ست نساء، وثلاثة أعضاء من العائلة الملكية وهو إجراء يتم للمرة الأولى، وعدد من العسكريين، وغالبية من رجال الأعمال، وعدد لا يستهان به من غير المشتغلين بالسياسة والشأن العام.
وباستثناء التمثيل الديني أو المذهبي الذي روعي في تشكيلة المجلس، إذ جاء التعيين مناصفة بين الشيعة والسنة (تقريبا)، ومثلت الأقلية المسيحية بسيدة هي أليس سمعان التي كانت عضوا في المجلس السابق، كما مثلت الأقلية اليهودية بالعضو إبراهيم نونو، فإن المجلس يبدو مختلا اختلالا كبيرا على أكثر من صعيد.
من ناحية فإن التمثيل الإسلامي داخل المجلس يبدو ضعيفا. ولا تمثيل للقانونيين. كما أن الجمعيات السياسية غير ممثلة، باستثناء جمعية ميثاق العمل الوطني التي أخذت أكثر من ثلث عدد الأعضاء، وجمعية الفكر الوطني الحر التي عيّن رئيسها منصور العريض عضوا في المجلس للمرة الأولى.
واستبعدت الجمعيات السياسية التي شاركت في الانتخابات النيابية (المنبر التقدمي، الوسط العربي والجمعيات الأخرى...)، كما استبعدت القوى القريبة منها، باستثناء القوى ذات العلاقة بتيار جمعية الرابطة الإسلامية والميثاق والمنتدى والفكر الوطني الحر، وهي جمعيات قريبة من التوجه الرسمي. ومن دون شك فقد استبعدت القطاعات القريبة أو المحسوبة على الجمعيات المقاطعة.
إن الطيف السياسي - عموما - يبدو غير مترسخ داخل المجلس المعين، والتعيينات في هذا المجلس لم تدرك الحاجة إلى الكتل السياسية التي تتدافع لتنتج الأحسن والأفضل.
لذلك، فإن أية «لوبيات» جدية لم تظهر من داخل مجلس الشورى. لا اصطفافات ولا علاقات، ولاحاجة إلى البعد الشعبي، «لأننا معينون»، على رغم أن الدستور ينص على أن مجلس الشورى يمثل الشعب.
إن كل ذلك يقود إلى نتيجة مؤدّاها ما يقوله رئيس جمعية ميثاق العمل الوطني عبدالرحمن جمشير في ندوة نظمها مجلس الشورى في مارس الماضي، إذ قال: «كلنا (أعضاء مجلس الشورى) كتلة واحدة تمثل تجسيدا لميثاق العمل الوطني ودعما للخطوات الإصلاحية».
وربما لهذا السبب فإن كتلة الميثاق داخل المجلس المعين (13 عضوا على الأقل) لم تطرح برنامجا أو رؤية، ولم تشتغل على أنها كتلة إلا في انتخابات نائبي الرئيس، عدا ذلك فإن أعضاءها يشتغلون وكأنهم أفرادا غير أعضاء في جمعية سياسية واحدة.
كما فشلت جمعية الميثاق في بلورة كتلتها في مجلس النواب (إبراهيم العبدالله، وسمير الشيوخ)، وفي التعاون بين أعضائها في المجلسين المناط بهما التشريع بحسب الدستور. وهذا هو حال جمعية الرابطة أيضا، التي هي والميثاق، الوحديتان اللتان لهما أعضاء في المجلسين.
إن وهم الكتلة الواحدة قد تؤدي إلى فشل تجربة يعول الحكم عليها، وهو يدافع عن تشكيلة المجلسين المقرة شعبيا من ناحية مبدئية، وإن ظل الخلاف عميقا بشأن صلاحيات المجلس المعين، وهذا أحد الأسباب الجوهرية في مقاطعة أربع جمعيات سياسية الانتخابات النيابية الثانية في الدولة الحديثة. (الانتخابات الأولى جرت العام 1973).
إن مراجعة مضابط جلسات مجلس الشورى، وهي منشورة على الموقع الالكتروني (shura.gov.bh) توضح أن أسماء يعرفها الناس لا تحضر الجلسات، وإذا حضرت لا تناقش ولا تجادل، ولا تقدم اقتراحات ولا رؤى، بل تهب نفسها مقابل «البرستيج» و2000 دينار وسيارة وبدل مكتب قدره 700 دينار. علما بأن أيا من أعضاء مجلس الشورى لم يعلن أنه فتح مكتبا ليتيح للناس فرصة مراجعته في أمورهم، ما يجعل من 700 دينار التي أخذها كبدل لمصاريف هذا المكتب محل إشكال، وكذلك هو حال السيارة والمكافأة الشهرية. إن الاستقالة أقل ما يجب على أشخاص ثبت أنهم غير قادرين على العطاء. واليمين الذي حلفوه لا يبيح لهم البقاء أكثر في المجلس من دون عمل أو فائدة للناس، حتى لو لم تنكشهم الحكومة، ولم تقل لهم أن ما تفعلونه (أو ما لا تفعلونه للدقة) لا يصح ولا يجوز أن يستمر لسنتين مقبلتين.
الكتل في مجلس النواب
يفترض أن تكون المجالس النيابية ممثلة للتيارات الحزبية والتشكيلات في المجتمع. وفي العادة تؤدي الانتخابات النزيهة والقائمة على أسس صحيحة في ظل توزيع عادل للدوائر الانتخابية إلى وصول التيارات السياسية بقدر حجمها.
واحدة من الاختلالات الأساسية في مجلس النواب الحالي (وكذلك مجلس الشورى) هو أن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي حصدت أكثر من نصف عدد مقاعد المجالس البلدية الخمسين، وتترأس ثلاثة مجالس بلدية من أصل خمسة، قاطعت الانتخابات النيابية، ما يجعل تياراها الواسع غير ممثل في السلطة التشريعية التي ينيط بها تمثيل والتحدث باسم ضمير الأمة.
كتل طوائف
يتكون مجلس النواب من 40 عضوا منتخبا. منظمين في خمس كتل رئيسية: الأصالة (خمسة نواب)، المنبر الإسلامي (سبعة نواب)، (وهما نتاج حزبين أو تشكيلين سياسيين من خارج المجلس)، أما الكتل الثلاث الأخرى فهي: المستقلين (ثمانية نواب)، الوطنيين الديمقراطيين (ثلاثة نواب)، الإسلامية (ثمانية نواب)، وهذه الكتل نشأت في داخل المجلس في الشكل العام، مع ملاحظة أن الوطنيين الديمقراطيين ذوو خلفية يسارية وهم إما أعضاء في جمعية المنبر التقدمي أو أصدقاء لها، ويسهم المنبر التقدمي في الوقت الراهن في دعم هذه الكتلة من النواحي السياسية والقانونية. أما الكتلة الإسلامية فهي تتشكل من نواب الرابطة الإسلامية (ثلاثة نواب)، ونواب آخرين.
معروف أن نشأة الأحزاب السياسية إما أن تكون ذات نشأة خارجية، أي أنها تولدت من خارج البرلمان. أو ذات نشأة داخلية، بأن تتحول الكتلة النيابية إلى حزب سياسي خارج البرلمان.
ويمكن الملاحظة أن أكبر أربع كتل في مجلس النواب، هي كتل تضم أعضاء من طائفة واحدة، فالأصالة، والمنبر الإسلامي، والمستقلين، كتل تضم نوابا من الطائفة السنية، والكتلة الإسلامية كتلة شيعية، يستثنى من ذلك كتلة الديمقراطيين التي تضم نائبين شيعيين وآخر سنيا.
بالإضافة إلى الكتل النيابية الخمس، يضم المجلس المنتخب أيضا عددا من غير المنتمين، وهم: إبراهيم العبدالله (عضو جمعية الميثاق والمحسوب على الحكومة)، والسلفي جاسم السعيدي الذي لم ينضم إلى كتلة الأصالة على رغم قربه منها عقائديا، وفريد غازي الذي يعد نفسه نائبا مستقلا على رغم كونه عضوا مؤسسا في جمعية التجمع الديمقراطي التي يترأسها الناشط عبدالله هاشم بعد انشقاقه عن جمعية العمل الديمقراطي. يذكر أن جمعية التجمع الوطني أصيبت بمرض الاستقالات آخرها استقالة محمد عيسى السماهيجي، وقبله الناشطة في حقوق المرأة غادة جمشير والناشط عيسى الجودر، وربما ذلك دفع هاشم إلى تشكيل تجمع مثير للجدل في منطقة المحرق (جمعية المحرق الأهلية).
كما يضم المجلس المنتخب النائب جهاد بوكمال، وعثمان شريف رجل الأعمال وعضو جمعية الشورى التي أصيبت بالشلل بسبب تعيين رئيسها عبدالرحمن عبدالسلام أمينا عاما لمجلس الشورى على رغم إخفاقه في الانتخابات النيابية أمام شريف، والقريب من جمعية الأصالة السلفية عيسى أبوالفتح، والنائبان جاسم عبدالعال وجاسم الموالي وهما النائبان الشيعيان الوحيدان اللذان - باستثناء عبدالهادي مرهون وعبدالنبي سلمان - لم ينضما إلى الكتلة الإسلامية. إضافة إلى رئيس المجلس خليفة الظهراني الذي فاز بالرئاسة على منافسه رئيس جمعية المنبر الإسلامي بغالبية الأصوات بسبب دعم كتلة الأصالة السلفية له.
يذكر أن النائب جاسم عبدالعال كان أعلن نيته تشكيل «كتلة النخبة الاقتصادية» مع فريد غازي، وعثمان شريف، وجاسم الموالي، وعيسي بوالفتح، لكن إعلانا رسميا لم يصدر بعد
العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ