يبدو تاريخ الحركات العمالية في البحرين امتدادا طبيعيا وخطا متوازيا للحركات السياسية والنضالية التي شهدتها الساحة البحرينية طيلة العقود الماضية. فالحركة العمالية البحرينية التي تعود بجذورها إلى أكثر من نصف قرن مضى أبرزت ملامح تاريخ سياسي ونضالي لا تخطئه الذاكرة من خلال الرموز الوطنية والسياسية التي لعبت دورا بارزا بتبنيها مطالب العمال نحو واقع عمالي أفضل ما أزال الفواصل بين الهم السياسي والهم المعيشي أمام هيمنة أجنبية.
ولعل أبرز هذه الصور في تاريخ الحركة العمالية البحرينية ما شهده العام 1938 عندما رفع عمال شركة نفط البحرين مطالبهم بتشكيل نقابة لهم على أساس وطني وديمقراطي وهذا ما يبرز ملامح النضوج لدى حركة عمالية قدر لها الكثير من الضربات الموجعة.
ومع فترة الخمسينات برزت أدوار الحركة العمالية التي اعتمدت على حركة هيئة الاتحاد الوطني التي قادت مطالب العمال البحرينيين من خلال تأسيس اتحاد انضم إلى عضويته 15 ألف عامل آنذاك. وعلى رغم الاضرابات العمالية والشعبية التي أجبرت حكومة الانتداب البريطاني على الدخول في حوارات مع مندوبي العمال للتوصل إلى قانون للعمل ينص على حرية تشكيل النقابات والاتحادات المهنية في العام 1957 فان اتحاد العمل البحريني قوبل بعملية اقرب إلى عملية الاجتثاث وانتهى به الأمر بين الاعتقالات والنفي لكوادر الهيئة ما أدى إلى تجميد العمل بالبنود المتعلقة بالتنظيم النقابي في ذلك القانون.
جاء العام 1965 ليشكل محطة نضالية بارزة في تاريخ البحرين حين قامت شركة نفط البحرين بطرد 1500 عامل في ظل أوضاع أقل ما توصف به بالأوضاع المتردية فكانت الشرارة لانطلاقة الانتفاضة الشعبية في شهر مارس/ آذار والتي طالبت بالاستقلال وطرد الاستعمار من اراضي البحرين ولم تخلُ أجندة المناضلين آنذاك من المطالبة بعودة المفصولين إلى أعمالهم والسماح لهم بتأسيس نقاباتهم العمالية واتحاداتهم المهنية لكن الرد لم يختلف كثيرا عما كان عليه في الخمسينات فكان الاعتقال والنفي والرصاص لغة حوار الاستعمار مع الحركات العمالية.
ومع بداية مرحلة الاستقلال الوطني انتقلت الحركة العمالية إلى محطة تاريخية أخرى إذ مارست حضورها عبر تشكيلات عمالية سرية تطورت للعلن العام 1971 حين تم تأسيس اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة لتشهد ولادة مرحلة جديدة من المطالبة العلنية بحقوق العمال. وقد وقع وثيقة طلب الاعتراف باللجنة التأسيسية ما يقارب 3000 عامل لكن الرفض كان الإجابة المقابلة لهذه المطالب ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة العمالية الشعبية في مارس/ آذار العام 1972 بعد ان أعلن العمال الإضراب العام مطالبين بتشكيل الاتحاد والنقابات.
ومع قدوم أول تجربة برلمانية عرفتها البحرين في العام 1974 انتخب البحرينيون ممثلية للمجلس الوطني وتحقق الفوز لكتلة الشعب التي كانت وضعت ضمن برنامجها دعم الحركة العمالية باعتبارها مطلبا أساسيا وتبعا لحال الانفراج السياسي الذي شهدته البحرين آنذاك استثمرت هذه الحركة هذه الأجواء بتأسيس أربع نقابات وتم تشكيل لجنة تبنت العملية التنسيقية فيما بينها لكن صيف العام 1975 حمل نهاية غير سعيدة للمجلس الوطني الذي أمر بحله ليتم تطبيق قانون أمن الدولة وينتهي الأمر بإجهاض التجربة النقابية واعتقال قياداتها.
ولأن المرحلة التالية غلفت بطابع أمني صارم جعل الحركة العمالية تتجه نحو العمل السري الذي قاد الكثيرين منهم إلى الاعتقالات ولسنوات طويلة، لكن مطالب الحركة وجدت طريقا آخر لها من خلال اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين ولجنة تنسيق بين النقابات في الخارج وسعيها في جميع المحافل والمؤتمرات العربية والدولية وخصوصا بعدما توحدت الإرادة العمالية باتحاد اللجنة التأسيسية ولجنة التنسيق في الخارج في إطار اتحاد عمال البحرين كخطوة تاريخية تحققت في فبراير/ شباط العام 1978.
في العام 1979 أصدرت الحكومة مراسيم بتشكيل اللجان الاستشارية ثم اللجنة العمالية الدائمة واتبعتها بمراسيم عن اللجان العمالية المشتركة ومن ثم اللجنة العامة لعمال البحرين العام 1983 غير ان هذه الخطوات اعتبرت من قبل قياديي الحركات العمالية خارج البحرين محاولة من الحكومة البحرينية لإعطاء شرعية نقابية لهذه اللجنة التي لم تكن لتتمتع بمعايير وشروط التنظيم النقابي الحر والمستقل عن الحكومة.
ومع بداية مرحلة التسعينات وبروز التحركات الشعبية للمطالبة بعودة الحياة النيابية عادت المطالبات العمالية بشكل أكثر وضوحا على الساحة المحلية من خلال المطالبة بالانتقال إلى التنظيم النقابي السليم والصحيح والمتمثل بإصدار قانون النقابات العمالية ضمن المعايير والاتفاقات وخصوصا الاتفاقين الدوليين 87 و98 المتعلقين بحق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والاتفاق العربي رقم 86 بشأن حق التنظيم النقابي. وتقدم التنظيم العمالي بمذكرة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية طالبت بتطوير التشريعات العمالية والتحول إلى العمل النقابي بصورته المتعارف عليها دوليا.
وبصدور المرسوم الملكي للعمل بقانون النقابات العمالية سجل يوم 24 سبتمبر/ أيلول 2002 ميلاد عهد جديد في تاريخ الحركات العمالية في البحرين، وأصبح العمل النقابي تبعا لهذا المرسوم واقعا يفرض نفسه بقوة بعدما كان مطلبا تعايش معه البحرينيون بتحد كبير لم يخلُ من العمل الشاق والسجن والمنفى.
كيف تتعامل نقابات اليوم مع التحديات التي تواجه الحركة العمالية في البحرين بعدما باتت تعمل بالعلن وبصورة يكفلها القانون؟ وكيف يبدو الوعي العمالي بدور هذه النقابات؟ وهل تتعامل الشركات مع النقابات كشريك اساسي في العمل؟ هذه الاسئلة نطرحها في هذه الحلقة على الأمين العام للاتحاد العام لنقابات البحرين عبدالغفار عبدالحسين في هذا اللقاء الذي يتزامن مع الاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو/ أيار.
كيف تبدو الاستعدادات للاحتفال في عيد العمال هذا العام؟
- عبدالحسين: «كما تعلمون لقد بدأنا نحتفل بالأول من مايو/ أيار عيدا للعمال منذ العام 1979 وهذا قبل تشكيل اللجان العمالية لكنه كان احتفالا بحدود متواضعة. وفي العام 1982 بدأ هذا الاحتفال يشهد تطورا من حيث عدد المكرمين وفئات التكريم وصولا إلى العام 2002 إذ احتفلنا بهذا اليوم تحت رعاية وزير العمل والشئون الاجتماعية من خلال مسيرة عمالية تضمنت بعض المطالب المحددة. وفي العام 2003 اتخذ الاحتفال بهذا اليوم شكلا أكثر بروزا عندما تم تحت رعاية عاهل البلاد المفدى صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة واتخذ طابعا مختلفا ليشمل جميع أقطاب الشارع البحريني».
ويضيف: «هذا العام سيتم الاحتفال تحت رعاية جلالة الملك في فندق الخليج ونتوقع حضورا أكبر من العام الماضي إذ يفوق عدد المكرمين 200 مكرم من قطاعات مختلفة. وسيشتمل الحفل على بعض الكلمات منها كلمة وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي وكلمة رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين خالد كانو وكلمة للمكرمين المحتفى بهم وكلمة للاتحاد العام لنقابات العمال البحرينية».
هل تعتقد ان هناك حالا من الوعي التام لدى العامل البحريني اليوم بدور النقابة بالنسبة إليه ما يدفعه للانضمام إليها كشريك أساسي في تحديد حقوقه ومسئولياته؟
- لقد لعبت اللجان المشتركة في 18 شركة دورا كبيرا وأصبحت الإدارات التي تقود هذه اللجان واعية ومتمكنة في الشأن النقابي لأن هذه اللجان كانت منتخبة من اللجان العمالية وتطرح قضاياها وبالتالي لعبت دورا نقابيا من دون ان تكون تملك صلاحيات النقابة. وبالتالي هذا أسهم في رفع مستوى الوعي العمالي للنقابات وأيضا في مستوى وعي إدارات هذه الشركات بالتعامل مع النقابات وبالتالي هذا خفض من الصعوبات والمعوقات في طريقها. الآن لدينا 40 نقابة ومنها النقابات الجديدة التي تمتلك إدارات متفهمة ومدركة لكن بعضها يخلق نوعا من المعوقات في العمل النقابي. وبالتالي هذا يضعنا أمام مسئولية التفهم وإدارك ان العمل النقابي بصورته الحالية مازال في بداية الطريق وبالتالي أمامنا بعض الوقت كي ينمو هذا الوعي النقابي من خلال الدور الذي يلعبه الاتحاد في المجال التثقيفي وهذه مسئولياتنا لتقديم ممثل عمالي قادر على التفاوض والتعامل مع المستجدات الطارئة على ظروف العمال لكن أيضا هناك مسئولية على إدارات هذه النقابات وهي اننا اليوم لسنا لجانا عمالية مشتركة بل نمارس العمل النقابي تحت مراسيم صادرة عن صاحب الجلالة وبالتالي يتطلب عليها ان تتعامل مع مسئوليتها بشكل أفضل وان تدرك ان النقابات الآن تتبنى الحوار البناء بعيدا عن اختلاق المشكلات التي تضع صعوبات ومعوقات أمام العمل النقابي.
هل برأيك استطاعت النقابة خلال العامين الماضيين التعامل بشكل موضوعي مع مشكلات العامل البحريني؟
- بالتأكيد، فلو تطلعنا للفترة الماضية هناك 21 عاما تضمنت عملا نقابيا بصيغة مختلفة والمطالب العمالية هي ذاتها المطالب التي شهدناها خلال السنوات الماضية ولم تختلف كثيرا وبالتالي هذه المرحلة خلقت وعيا لدى العامل البحريني وادارات العمل.
لكن كيف تفسر ان عدد المسجلين لدى الاتحاد العام من عمال البحرين لا يزيد عن 10 آلاف عامل وهذا رقم لا يمثل الغالبية العمالية في البحرين؟
- أود ان أؤكد اننا لم نتبع سياسة الكثير من الاتحادات في العالم والتي تفرض على العامل ان ينضوي تحت عضوية النقابة ونحن نؤمن بأن هذا خطأ، إذ يترك الخيار للعامل في عملية الانضمام لعضوية النقابة، أيضا اننا نؤمن في الفترة المقبلة ان هذا العدد سيرتفع بشكل ملموس وهذا سينتج عن ارتفاع عدد النقابات التي ستشهر خلال الفترة المقبلة وخصوصا بعدما يتم إصدار مراسيم بإشهار نقابات في القطاع العام وبالتالي هذا سيترتب عليه نضج ووعي أكبر لدى العامل أو الموظف البحريني.
كيف تسير الأمور الآن بشأن عملية المطالبة بوجود نقابات في القطاع العام؟
- هذه المطالبة قائمة ولابد هنا ان نشكر رئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة على اهتمامه بضرورة الانتهاء من إعداد الصوغ النهائي لتشكيل النقابات داخل القطاع الحكومي. وطرح هذا الموضوع خلال اجتماع الأمانة العامة بسمو رئيس الوزراء أخيرا وأبدى سموه تقديره لهذه الضرورة بالنسبة الى العمال في القطاع العام وأكد الاقتراب من الصيغة النهائية للتشكيل النقابي داخل القطاع العام الذي سيقدم دفعة قوية في مسيرة الحياة النقابية في البحرين.
ما هي التحديات التي تواجهكم سواء في الاتحاد أو باعتباركم رئيسا لنقابة شركة نفط البحرين «بابكو»؟
- في تصوري ان المعوقات التي تعترضنا الآن يمكننا ان نتغلب عليها فيما لو التزمنا بالقانون الخاص بالعمل النقابي. وأية معوقات تحدث فهي تبدو أمرا طبيعيا في واقع الأمر ونتعامل معها من خلال الحوار البناء وغالبيتها تتلخص في مطالب عمالية تعاملنا معها في الماضي بشكل إيجابي.
هناك من يردد ان بعض الجمعيات السياسية تحاول فرض إرادتها أو تسييس العمل النقابي في بعض النقابات العمالية في البحرين، إلى أي مدى صحة هذا الكلام؟
- نحن باعتبارنا اتحادا عاما لنقابات عمال البحرين نحترم ونقدر جميع مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السياسية وتربطنا بها معرفة وعلاقة طيبة للغاية. وهناك حق لكل عامل ان ينتسب لأية جمعية سياسية بحسب تطلعاته أو رؤيته لكن لا يجير أو يتم تسييس العمل النقابي. فنحن نحترم انضمام الأفراد لجمعيات سياسية لكننا لا نقبل أن يأتي بأفكار الجمعية السياسية المنتمي اليها ويفرضها داخل الاتحاد وهذا أمر لم نشهده حتى الآن في داخل الأمانة العامة.
كيف تجد أداء النقابات العمالية الآن؟
- بطبيعة الحال الكثير من النقابات الموجودة تحاول ان تقدم شيئا ولكن هناك بعض الإدارات في الشركات تنتهج أسلوبا تعسفيا وتحاول ان تقلل من مكانة النقابات التي منحها إياها القانون. وهذا أمر لا نستطيع ان نعممه على مختلف الشركات فهناك الكثير من الإداريين المتفهمين لدور النقابة ويقدرون ويحترمون دور النقابة ومطالبها ويجلسون على طاولة الحوار كزملاء يتفاوضون في قضاياهم العمالية بتفهم كبير ومحافظين على المكاسب العمالية ويتطلعون الى تحسينها.
المرحلة المقبلة تفرض بعض المستجدات على أوضاع العمال في البحرين وتضعكم أمام تحديات كبيرة منها تلجأ بعض الشركات إلى إعادة هيكلتها والاستغناء عن موظفين لأسباب تتعلق بالعولمة او الخصخصة أو غيرها من الأسباب. هل هناك آلية معينة تستطيع من خلالها نقابات البحرين التعامل مع مستجدات من هذا النوع؟
- هذه كلها أمور واردة في ظل هذه المتغيرات التي ذكرت. وإذا استطاعت النقابة ان تحصل على دورها الحقيقي بالتأكيد ستدافع عن العمال بشكل كبير وهذا لن يأتي من فراغ ولكن من خلال معرفتنا المتكاملة وإدراكنا بما ينص عليه اتفاق منظمة العمل العربي ومنظمة العمل الدولية وخصوصا اتفاق المنظمة الدولية رقم 87 و98 المعني بالحقوق والحريات النقابية وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية. وإذا استطعنا ان نخلق هذا الجو فسندرك ان دور النقابات هو صمام أمان لحماية العاملين داخل المنشآت امام أية متغيرات».
هل هناك رؤية لديكم لمحاولة تطوير قوانين العمل المعمول بها، إذ أصبح الكثير منها لا يواكب المستجدات على طبيعة العمل في البحرين؟
- لدينا الآن مشروع قانون العمل والذي أدينا وجهات نظرنا فيه من خلال مذكرة أتت على شرح مفصل وتطرقنا للكثير من المواد فيها. وعلى ضوء لقائنا مع صاحب السمو رئيس الوزراء أكدنا فيه ان الحوار الثلاثي جزء من أي مجتمع وبالتالي تعديلات قانون العمل لدينا وجهة نظر فيها وكذلك غرفة تجارة وصناعة البحرين لها رأي فيها وأيضا وزارة العمل والشئون الاجتماعية. هذا الحوار بين ثلاثة شركاء يصل إلى استصدار قوانين ترضي جميع الأطراف.
الحديث عن تاريخ الحركة العمالية في البحرين لا تسعه مؤلفات، لكننا نقدمه باختزال... غدا نتابع الحديث للوقوف على الوعي النقابي والإنجازات وسبل الارتقاء بالعمل النقابي
العدد 602 - الخميس 29 أبريل 2004م الموافق 09 ربيع الاول 1425هـ