نحن الآن في مرحلة ليست بطويلة من تاريخ بدء الاصلاح وممارسة الديمقراطية، قبل ثلاث سنوات فقط كنا في وضع لا يحسد عليه، لقد تغير الوضع بعض الشيء بعد ان تخلصنا من الكثير من ارث الماضي وسجنه الكبير، وانفتحت امام البلاد صفحة جديدة ندوّن على بياضها برامجنا المستقبلية من خلال تطبيق الديمقراطية بآلياتها المختلفة لخلق مؤسسات المجتمع المدني.
ان الاختلاف في المواقف والتباين في الآراء ووجهات النظر ظاهرة صحية، ووجود معارضة سياسية علامة حضارية تميز بلدنا عن أجزاء أخرى من المنطقة، ولأن البحرين شهدت تاريخيا تركات سياسية وولادة منظمات ذات تقاليد عريضة وتجارب غنية على مدى سنوات، سواء في مرحلة التحرر الوطني أبان الحكم الاستعماري البريطاني أو في فترة الاستقلال وما بعدها، تجعل موقعها في الصف الأول من الخريطة السياسية العربية. تلازما مع مرحلة الاصلاح الديمقراطي والحياة النيابية فإن على هذه الحركات مهمات وطنية كبيرة، لذلك عليها ان ترسم استراتيجيتها الجديدة بشكل يتلاءم وعملية الاصلاح والتحوّل.
ان التنظيم المعارض الحقيقي هو الذي يساير الظروف الموضوعية والتطورات وينطلق من تفاؤل معرفي وتاريخي له جانب تحليلي للزمان والمكان، ويمارس النشاط السياسي الذكي والحصيف من دون الاضرار بالانجازات. والأزمات التي تمر بها البلاد لابد لها من حل من خلال حشد الطاقات والجهود المشتركة، وتقييم الوضع بشكل دقيق وطرح الآراء والأفكار ودراستها من جميع الجوانب، وان على القوى المعارضة التي اعلنت مواقفها سواء من هم خارج أو داخل التحالف الرباعي، أو من الموقعين على العريضة الشعبية أو الممتنعين عن ذلك، كل بحسب ما يراه من منظاره الخاص، ادراك حساسية الظرف الذي نعيشه ونحن في مفترق الطريق، ومدى حاجتنا الى الوعي والمرونة في تعاملنا مع الواقع الدستوري للحيلولة دون تفاقم الأمور، وعدم التشبث بشعار «كل شيء أو لا شيء»!
على كل حركة سياسية الا تتوهم بأنها تمسك أحاديا بتاريخ البلاد وتسيطر عليه، وهي التي توجه مساره في الاتجاه الذي تعتقده صوابا، ولا تخطئ الحساب وتتجاهل القوى الاجتماعية الأخرى المتحركة في الساحة ودورها التقدمي في دفع عجلة الاصلاح حتى لا تضل الطريق وتتقهقر سياسيا.
والتنسيق يجب ان يكون عاما وشاملا بين الجميع بمن فيهم النواب الوطنيون والديمقراطيون في البرلمان والأخذ بمشورة ورأي جميع الاطراف، وتكريس الطاقات السجالية لايجاد الحلول الناجعة لاوضاعنا الدستورية المتأزمة.
هناك امكانات كبيرة للخروج من هذه الأزمة، اذا ما توفرت النية الصادقة رسميا وتضافرت جهود جميع القوى السياسية في تدارس الأوضاع دراسة مستفيضة، لكي نخرج جميعا بحلول موضوعية بعيدة عن لغة التهديد، ونوعية وأجواء التوتر والتصعيد التي لا تخدم الوطن والمواطن
العدد 601 - الأربعاء 28 أبريل 2004م الموافق 08 ربيع الاول 1425هـ