عدد الموقعين على العريضة الشعبية المطالبة بإجراء تعديلات دستورية، وخلفيتهم الثقافية والسياسية، والتيارات (إن صح القول) التي ينتمون إليها تشير إلى أمور عدة: من ناحية، تبدو التوقيعات وكأنها منحصرة في طائفة، بما في ذلك توقيع المنضمين الجدد، ليس في «الوفاق» وحسب، بل وفي جمعية العمل الديمقراطي أيضا. وإذ يحسب للحكومة قدرتها على خلق التشتت بعد عقود متواصلة من العمل الجاد، فإن ذلك بالقدر نفسه فشل للقوى المعارضة. ويمكن الذهاب إلى أن الحال الوطنية تشهد تراجعا. في الخمسينات انتخب تحالف (هيئة الاتحاد الوطني) ضم قوى من الطائفتين الكريمتين، رفع مطالب سياسية، وكان ذلك حدثا أيقظ الحكومة التي حقق مشروعها في التشتيت نجاحات واضحة. في التسعينات، انسحب أحد الرموز الدينية السنية المعروفة من عضوية لجنة العريضة الشعبية التي تصدّرت واجهة الحوادث فترة من الزمن، قبل أن تعطي الحكومة الفرصة للجنة المبادرة (الشيعية) لتقود الساحة، بعيدا عن أي غطاء وطني، ومن بعده ذلك التصويت على الميثاق الذي تم بالشاكلة نفسها... حتى وصلنا إلى توقيع العريضة التي اصبحت عريضة شيعية بامتياز، وهذا لا يفرغها من صدقيتها بالضرورة، بقدر ما يعكس حال التمايز والتمييز، التي من الخطأ أن تتجاهلها أطراف المعادلة التي قد يرى بعضها فيما يحدث إيجابيا. من ناحية ثانية تبدو التوقيعات كبيرة، وهي تشير إلى أن دستور 2002 ليس محل اتفاق، ما يعني أن الحاجة جدية لإجراء حوار وطني موسع يتجاوز التفاصيل اليومية، إلى حوار «استراتيجي» يوصل إلى تفاهمات «استراتيجية»، مع الاستفادة من الإيحاءات الإيجابية التي تبعثها تجربتا التصويت على ميثاق العمل الوطني، وطريقة صدور دستور 1973، فذلك تشير الى أن الوصول إلى صيغة «وطنية» متفق عليها أمر ليس مستحيلا متى توافرت الارادة، وشارك الجميع، وأُدركت تعقيدات الحال السياسية، وأُديرت اللعبة منطلقة من الرغبة في تقديم تنازلات متبادلة لحفظ الصالح العام
العدد 597 - السبت 24 أبريل 2004م الموافق 04 ربيع الاول 1425هـ