العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

الاتحاد الأوروبي يخشى صعوبة عدم هضم توسعه

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

بعد أقل من عشرة أيام تنضم للاتحاد الأوروبي عشر دول جديدة. فإذا كان عدد سكان المجموعة سيزداد بنسبة 20 في المئة إلا أن ثروتها الاجمالية لن تحقق في المقابل أكثر من 5 في المئة ما يعني بحسب بعض المحللين الاقتصاديين الأوروبيين، المنتقدين لهذه الخطوة باتجاه شرق ووسط القارة، ان مستوى الدخل الوسطي سيتراجع عموما بنحو 10 في المئة على الأقل، معمقا بذلك الهوّة التي تفصله مع الولايات المتحدة الأميركية. على ذلك يجيب المنظرون لأوروبا الكبرى أن هؤلاء المحللين ينسون أنه سينجم عن هذا التوسع نشوء سوق تضم أكثر 455 مليون مستهلك، ستؤدي حتما مع الوقت إلى خلق ثروات ستفضي يوما إلى بروز قوة اقتصادية عظمى. لكن عشية هذا التحول الكبير يبقى من الصعب اقناع مجموعة الـ 15 الأساسية حاليا، بأن الدول العشر الجديدة ستنجح في امتحانها منذ البداية، كما انها ستحسن بسرعة أداءها المتذبذب، أيضا تخلفها الاقتصادي وفقرها، لكن الرهان يتلخص بتسجيل معدلات نمو مرتفعة، بفضل المساعدات التي يقدمها الاتحاد على غرار ما فعله مع الاقتصاد الإسباني الذي شهد قفزة نوعية منذ انضمامه في العام 1986.

وتتوقع الأوساط المراقبة أن يضع هذا الحدث التاريخي المقرر في الأول من مايو/ أيار المقبل - التوسع الخامس للاتحاد الأوروبي - حدا لانقسام دام أكثر من نصف قرن. لذلك فإن انعكاساته السياسية ستكون برأي هؤلاء ملحوظة،إذ إن ثمانية بلدان من منظومة الدول الاشتراكية السابقة، اضافة إلى جزيرتين متوسطتين، ستلتحق بركب الدول الخمس عشرة، مرة واحدة، ناقلين بذلك مركز الاستقطاب للمجموعة الجديدة، معدّلين كذلك موازين القوى داخل الاتحاد. بناء عليه، وفي سياق المقارنة، فإن البعد الاقتصادي للحدث يبدو ثانويا إلى حدٍ ما في البداية.

على رغم الترويج الاعلامي والاعلاني لموعد التوسع ومنافعه يرى بعض المسئولين - وفي طليعتهم رئيس اللجنة الأوروبية رومانو برودي، الذي تابع جميع المراحل التحضيرية للانضمام، بأن بعض الدول المعنية غير مستعدة تماما لهذه الخطوة فحالات الغموض التي تمت ملاحظتها تعزز المخاوف لدى جميع المعترضين في غرب أوروبا على هذا الانفتاح الذي يعتبرونه متسرعا، ويخشى هؤلاء رؤية حلمهم يذوب في مغامرة غير محسوبة النتائج ومكلفة للغاية. طرح يرفضه «جان دومينيك جيولياني» رئيس مؤسسة روبرت شومان فهو من أشد المتحمسين لانضمام دول شرق أوروبا للاتحاد. ويرى أن التوسع فرضه التاريخ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كما ولا يجوز وصف هذه الدول العشر بالعاجزة عن اللحاق بالركب، وخصوصا أن لديها ستة أشهر لتصحح أوضاعها علما بأنها قامت بالمستحيل خلال الفترة التحضيرية كي تصبح قادرة على دخول النادي.

الرهان على الاندماج التدريجي

إذا كان التقرير الذي نشرته اللجنة الأوروبية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، قد كشف 39 نقطة سوداء لدى الدول المرشحة للضم - تسع نقاط لبولندا وحدها - فإن الأساس هو الرهان على الاندماج التدريجي وعامل الوقت وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي. فالتوسعات السابقة أدت جميعها إلى تحقيق نجاحات اقتصادية نتيجة التحويلات المالية التي قدمتها البلدان الأقدم في المجموعة. فعلى سبيل المثال، حصلت إيرلندا منذ دخولها على ما يقارب الـ 30 مليار يورو، أي أكثر من 2,5 في المئة من ناتج دخلها القومي طوال هذه الفترة. لكن فيما يتعلق بالدول التي ستنضم في الأول من مايو فإن الامر يختلف، وخصوصا بالنسبة إلى تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة التي يُخشى أن تكون أقل أهمية من التوقعات وإذا ما استثنينا سلوفينيا، فإن حكومات دول شرق أوروبا السابقة قد باعت أكبر شركاتها العامة لمستثمرين أجانب وهو حال ينطبق على جمهورية تشيكيا التي تراجعت الاستثمارات فيها من 12,2 في المئة حيال ناتج الدخل القومي الاجمالي في العام 2002 إلى 3 في المئة في 2003. أما بالنسبة الى المجر، فقد سجلت في الآونة الأخيرة هروب الشركات الأجنبية مثل «أي بي إم» و«فيليبس»، اللتين نزحتا للصين.

تحتاج دول شرق ووسط أوروبا، المتعارف على تسميتها بـ «بيكو» لمداخيل من الرساميل، كون تمويل وارداتها مرتبطا بها بشكل اساسي. من هنا، تأتي المنافسة الخطرة على المستوى الضريبي بين هذه البلدان. ففي حين لجأت استونيا للاستفزاز في هذا المجال عبر فرض «ضريبة صفر» على الأرباح المعاد استثمارها، عمدت كل من بولندا وسلوفاكيا إلى خفض ضرائبهما على الشركات من 27 في المئة إلى 24 في المئة لتستقر أخيرا عند حدود 19 في المئة. ولن تترك هذه الحوافز المستثمرين متجاهلين لهذه التسهيلات فمن أبرز التأثيرات في هذا الشأن، القرار الذي اتخذته شركة «نوكيا» العملاقة المتخصصة في الهواتف النقالة، بنقل مركزها الرئيسي من هلسنكي إلى تالين، ذلك لأن عاصمة استونيا لا تبعد أكثر من مئة كيلومتر عن السواحل الفنلندية. ولم تتراجع الشركة عن قرارها إلا بعد تدخل رئيس الوزراء الفنلندي.

من ناحيتها، لا تخفي النمسا تخوفها من التهديد الذي تشكله سلوفاكيا في ميدان المنافسة الضريبية، وخصوصا أن فيينا لا تبعد هي الأخرى أكثر من 60كم عن براتيسلافيا، ما دفع بالحكومة النمسوية لاعداد مشروع قرار يقضي بخفض معدلات الضرائب على الأرباح من 34 في المئة إلى 25 في المئة ويتوقع الخبراء أن تشمل هذه المنافسة دول غرب أوروبا ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة إلى أوروبا المستقبلية. ذلك على رغم دعم ألمانيا وفرنسا لمشروع التجانس الضريبي. فالدول المنضمة حديثا لا تريد سماع كلمة التجانس الضريبي والأخطر في الموضوع انها ستحاول استخدام أصواتها العددية للتأثير في مجريات هذه العملية. يضاف إلى ذلك، وجود حلفاء لها ضمن الـ 15 خصوصا إيرلندا، التي بنت نموها على قاعدة المنافسة الضريبية. انطلاقا من هذا الواقع يرى الخبراء في بروكسل أن نموذجين من الرأسمالية لن يلبثا أن يتواجها بشكل حاد داخل أوروبا. فمن جهة، هنالك النموذج القائم على التفاهم والنجاح الجماعي. ومن جهة أخرى النموذج الانجلوساكسوني القائم على قاعدة الكفاءة والجهد الفردي وعليه فإن الخيار بين هاتين الرؤيتين للمجتمع، سيكون الرهان الأكبر للتوسع المستقبلي.

مخاوف جماعة غرب أوروبا

لا يبدو أن مقولة كون الجميع سيخرج رابحا من هذا التوسع باتت مقنعة بالنسبة إلى مجتمعات الدول الـ 15 الأساسية. كذلك التنظيرات التي تتناول الأسواق الواعدة أو الآفاق الجديدة التي ستفتتح مع قدوم دول ذات مستويات معيشية أقل من نصف المعدل الوسطي، ما يطرح تحديا أمام الجميع، فالفضاء الأوروبي يضع الأنظمة الاجتماعية في منافسة مفتوحة على مصراعيها ناهيك عن مسألة الخيارات الجماعية. ما يجعل المسئولين الأوروبيين يخشون من سباق اجتماعي محموم يمكن أن يؤدي إلى تباينات في مجالات حساسة.

فإذا كانت إيرلندا والمملكة المتحدة، الدولتان الأكثر ليبرالية والأكثر دينامية، هما الوحيدتان اللتان لم تغلقا سوق العمل بوجه القادمين الجدد، بمعنى أنهما لن تطلبا أذونات عمل الا ان الدول الأخرى الأعضاء، من ألمانيا للسويد، من فرنسا لهولندا، ستطبق اجراءات استثنائية مؤقتة في اطار عملية الانضمام، الأمر الذي سيفسر بقاء الشروط الموضوعية على حرية انتقال اليد العاملة سارية المفعول لخمس أو سبع سنوات اضافية. ففي فرنسا، وعلى سبيل المثال، وبضغط من النقابات، لن يحدث أي تغيير في القوانين الحالية. فالشركات لا يمكنها توظيف هؤلاء إلا إذا لم تجد فرنسيا يملك الاختصاص المطلوب. في هذا الاطار، يحاول بعض خبراء الديموغرافيا تهدئة اللعبة مذكرين بسابقة اندماج ألمانيا الشرقية، اذ لم ينقل للشطر الغربي بعد التوحيد سوى 1,5 في المئة فقط من السكان. مع ذلك تبقي الحكومات الأوروبية المذكورة على حذرها.

ومن المخاوف الرئيسية الأخرى الناتجة عن هذا التوسع، الانتقال المكثف للشركات المحلية باتجاه شرق ووسط أوروبا، الأقل كلفة، كذلك، اعادة تصويب الاستثمارات المباشرة بحيث تتحول إلى هذه المنطقة، ناهيك عن غزو اليد العاملة الرخيصة بشكل مبالغ فيه. ما سيخلق عاجلا أم آجلا، مشكلة مع الدول المتوسطية، المغاربية منها تحديدا، والموقعة على اتفاقات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، على أية حال، فإن الوضع سيبقى مرهونا بتحقيق النمو الاقتصادي وبالسياسات الاجتماعية داخل الدول العشر المعنية. ويؤكد خبراء بروكسل أن التوسع لن ينجم عنه قطعا ثورة في بنيات دول الاتحاد الاقتصادي. ومن المخاوف الاضافية، تأخر البلدان العشر عن اعتماد اليورو، فحتي لو تقررت هذه الخطوة، فإن الانتقال من اقتصاد موجه الى اقتصاد السوق، مع كل ما يتطلبه هذا التحول من شروط ومرونة، لا يزال صعب المنال. لذلك، يرجح هؤلاء الخبراء أن لا يتم هذا الاعتماد قبل نهاية العام 2008.

الانعكاسات على الدول المغاربية

على رغم التطمينات المتكررة من قبل المسئولين الأوروبيين، لا ينظر الشركاء المغاربيون لهذا التوسع بعين الرضا، وخصوصا أن الكثير من الملفات لا تزال عالقة على رغم الوعود والتعهدات السابقة. ويخشى المغاربيون أن يكون غزو اليد العاملة الشرق أوروبية على حساب جالياتها وفرص عملهم، تحديدا في ظل حالة من التشدد التي لم يسبق لها مثيل بحجة الإرهاب الاسلامي، المغاربي بالدرجة الأولى، وكانت الحكومات المغاربية قد حذرت أخيرا، وفي مناسبات كثيرة من خفض المبالغ المرصودة لدعم مشروعات التنمية في اطار صيغة «ميدا» لصالح دول شرق ووسط أوروبا، كذلك لناحية القروض التي يقدمها بنك الاستثمار الأوروبي.

في هذا المجال، لفتت البلدان المتوسطية العشر، الموقعة على اتفاقات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ان حصولها في العام 2003 على قروض اعتبرها البنك قياسية، بقيمة 2,9 مليار يورو، هي دون المطلوب وخصوصا اذا ما قورنت بالضعف الذي تحصل عليه دول شرق ووسط أوروبا العشر. على هذا التخوف يجيب نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيليب دوفونتين فيف كيرتاز، أن ادارة المصرف قد أدخلت آلية جديدة على عملها، أطلقت عليها اسم «التسهيل اليورو - متوسطي للاستثمار والشراكة» بهدف زيادة دعم التوجهات المالية حيال الدول المتوسطية الشريكة وتشجيعها على الاندماج الاقليمي وفق آفاق انشاء منطقة يورو - متوسطية للتبادل التجاري الحر، كما هو مقرر سنة 2010. في هذا السياق، تفيد المعلومات أن البنك سيعمد للتركيز على الدول العربية المتوسطية واغرائها لتأجيل تجاوبها مع العروض الأميركية، منعا لتكرار تجربة الأردن والمغرب، اللذين وقعا اتفاقات من هذا النوع مع واشنطن.

وتخفيفا للهواجس الموجودة لدى الدول المغاربية، يؤكد المسئولون في بنك الاستثمار الأوروبي، انه اذا ما سارت الأمور وفق الخطط المرسومة، فإنه سيكون بمقدور هذه المؤسسة تقديم ما بين 8 و10 مليارات يورو في اطار مشروعات القروض لصالح الدول المتوسطية الشريكة، من الآن وحتى سنة 2006. على رغم هذا الاعلان ستتبع هذه البلدان سياسات انتظارية، يشوبها الحذر، متابعة بدقة التطورات مع انضمام دول شرق أوروبا ووسطها للمجموعة، وفيما إذا ستكون على حساب مصالحها وشراكتها مع الاتحاد

العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً