العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

ثقافة الحوار بين النظرية والتطبيق

عقيل ميرزا aqeel.mirza [at] alwasatnews.com

مدير التحرير

لا أحد يمكن له استعصام رأيه الذي بين يديه، ولا يمكن لأحد إحاطة نتاجه الفكري بخطوط حمراء تحذر من فحصها أو تدقيقها أو معرفة محتواها، فالآراء كلها خاطئة تحتمل الصواب، وصائبة تحتمل الخطأ، والانحراف عن هذا المنهاج هو التعصب بعينه والدكتاتورية ذاتها. هذه مفاهيم ليست غائبة على خواض الحوار بأشكاله المتعددة، ولكن ما هو مدى إمكان تجسيد ذلك على المستوى العملي الذي يعيشه المتحاورون؟

احتراف الطعن في الآراء بالاستدلالات المنطقية لا يمكن لأحد حظره أو منعه في حدود الرأي وما يقابله من رأي آخر، فكما يحق لك أن تُنتج فكرة ما تطالب باحترامها فإنه لزام عليك أن لا يضيق صدرك من الفكرة التي قد تولد لتناهض ما أسلفت من قول، وإلا عليك أن تعيش في حيزك أنت فقط. كما لا يحق لك أن تلقي فكرة ما في المجتمع وترفض الاقتراب منها وإلا فأنت كمن ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء.

وجهات النظر التي تولد في دائرة مغلقة من جهاتها الأربع لا يمكن أن يُكتب لها الاستمرار كثيرا، ذلك لأن العقل الذي أنتج وجهة النظر تلك عقل واحد، أما وجهة النظر التي تدخل في مشرحة الرأي والرأي الآخر هي التي يمكن لها الاستمرار لأن العقل الواحد اشتركت معه عقول أخرى فكان النتاج أكثر مسئولية وعمقا.

هذه الثقافة الحوارية نادرا ما تتوافر وسط صخب وجهات النظر المتناثرة بكثافة عالية وخصوصا في المجتمعات التي لم تألف النفس الديمقراطي، واعتادت الحياة في أجواء الرأي الواحد حتى وإن تنفست الديمقراطية بعد ذلك فإن التأقلم على احترام الرأي الآخر أمر يحتاج إلى وقت. والانتقادات التي يمكن سردها في هذا الشأن كثيرة ويمكن التطرق هنا إلى عدد منها.

أولا: رد الفكرة بالاتهام، وهذه من أخطر السلبيات على ثقافة الحوار وتعني الانصراف عن الرد على وجهة النظر بوجهة نظر أخرى، واستخدام الاتهامات التي قد لا تكون ذات علاقة بوجهة نظر زيد واستخدامها كوسيلة هجومية لإضعاف الطرف الآخر وثنيه عن الاستمرار في تكرار وجهة نظره من جهة، وتشويه صورته الدينية إذا كانت الفكرة دينية، وصورته السياسية إذا كانت وجهة النظر سياسية من جهة أخرى. وهذا النوع من المواجهات الفكرية ينجح في البيئة البسيطة والمتواضعة فكريا، إنما يفشل فشلا ذريعا في البيئة المتعلمة والمثقفة التي تعتمد على عقولها في تقليب وجهات النظر.

ثانيا: رد الفكرة بالقوة: وهذا أسلوب تستخدمه الحكومات الدكتاتورية من خلال مطاردة أصحاب الرأي والتضييق عليهم واستخدام القوة بمختلف مستوياتها لمواجهة وجهات نظرهم التي تعتبرها تلك الحكومات مصدر قلق لها. وعادة ما يفشل هذا الأسلوب أيضا في استئصال وجهات النظر تلك، إذ تأتي النتيجة عكسية لأن الإجراءات الأمنية ضد أصحاب الرأي تجعل من آرائهم ذات نفوذ شعبي يصل إلى حد التقديس في كثير من الأحيان.

وضحايا الرأي في هذا المجال كثيرون، إذ يصل التنكيل بهم إلى حد القتل أو السجن المؤبد وغير ذلك من العقوبات، وتعود هذه العقبة في وجه الحوار إلى تاريخ متقدم جدا من العمر البشري.

ثالثا: تقديس الآراء: وهذه مشكلة أخرى أيضا تقف في وجه ثقافة الحوار وتعاني منها عدد من المجتمعات البشرية إذ تتسبب في انقسامات اجتماعية ونزاعات فكرية حادة، ويمكن تعريف هذه السلبية بتعصب مجموعة من الناس إلى فكرة شخصية دينية أو سياسية أو علمية أو اجتماعية بشكل لا يسمح للطرف الآخر بمجرد وضع أفكار تلك الشخصية على طاولة البحث والحوار، وإنما النظر إلى إنتاجها بمنظار العصمة التي يحظر الاقتراب منها أو حتى السؤال عن الأسس التي اتخذت على أساسها قناعتها ناهيك عن مخالفتها.

وربما لا تصرح كثير من المجتمعات بأنها تستعصم فكرة «فلان» إلا أنها تتعامل مع وجهات نظره بطريقة مماثلة للتعامل مع المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكثيرا ما يكون ذلك بارتجال من المجموعات من دون مباركة صاحب الفكر الذي يقدسنه، وفي ذلك استخفاف جلي بعقول أفراد تلك المجتمعات التي يُمارس فيها مثل هذا السلوك المتخلف، بل هو دعوة صريحة للآخرين لتجميد عقولهم والأخذ برأي واحد يفرض عليهم فرضا

إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"

العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً