إن المدخل «للدمقرطة» يبدأ من حرية التعبير التي بها يتم توجيه أركان «السستام» السياسي في البلاد (حاكم وحكومة، برلمان وتجمعات مهنية أونقابية والشعب عموما) من أجل تمثيل الإرادة الشعبية وتطبيق مبدأ «الشعب مصدر السلطات»؛ وتعتبر الصحافة هي الشارح لهذه الإرادة، بل قد تكون الناظم لها. والصحافة سلطة رابعة في النظام السياسي في الدولة، ولا خلاف بشأن اعتبارها سلطة معنوية، ركنها الركين نفوذ الكلمة وسلطانها.
وقد جاء قانون الصحافة المجمّد، أو كما يسميه البعض «المسلّط» على أعناق الصحافيين، ليخلخل فقرة أخرى في عمود العلاقة بين السلطة التنفيذية من جهة والشارع عموما، والمعارضة خصوصا من جهة أخرى، وتسبب في توسّع الهوة بين السلطة التنفيذية في صالح المعارضة. وعلى رغم ذلك فإننا نحتاج إلى تأكيد المبدأ القائل: «لا ديمقراطية من دون حرية تعبير»، وذلك إذا أردنا التقدم والنماء والتحول ناحية الديمقراطية. وعلى رغم تأكيد المشرع البحريني في الدستور في المادة (23) أن: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما»، فإن ذلك المبدأ لا سبيل إلى تطبيقه في إطار قانون الصحافة والنشر الحالي المخالف لهذا المبدأ الدستوري.
وتعتبر الكتابة في الصحافة من الوسائل المساعدة لشيوع ثقافة مجتمع العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون عند الناس. وقد قامت المؤسسات الصحافية العريقة التي نشأت في ظل أجواء الديمقراطية وساعدتها، وبعضها سبق تكامل «السستام» السياسي في الدولة، وبالتالي مهد الطريق «للدمقرطة» وساهم في تطويرها. هذه المؤسسات تلزم نفسها بأنظمة وشروط وتقولب كيانها بصورة محكمة قانونا، وتعمل في أحضان النقابات أو الجمعيات المهنية لكي تحفظ كيانها وتكون محصّنة ضد أي اختراق سلطوي.
حق الصحافي
من حقوق الصحافيين الأساسية ليمارسوا بها عملهم، حق الحصول على المعلومات، وفي دول الديمقراطيات العريقة تكون الجهات ملزمة بتقديم كل التفاصيل والبيانات ماعدا تلك التي تتعلق بالأمن القومي أو تلك التي تذيّل بعبارة «سري للغاية»، والولايات المتحدة الأميركية سنّت ما يسمى بقوانين الشمس المشرقة ?.(Sunshine Laws ) وفي استراليا تم إقرار قانون حرية المعلومات، وأصدرت إحدى الجامعات دليلا يبيّن كيفية الحصول على المعلومات، وتم تعيين «مقرر» يساعد الجمهور في الحصول على المعلومات. ونص الدستوران (النمسوي والألماني) على مبدأ «حق الوصول إلى مصادر المعلومات»، فيما نص الدستور الهولندي: «على الحكومة واجب مراقبة حق الشعب في الوصول إلى مصادر المعلومات». وألزمت السويد سلطاتها بالبت في طلب المعلومة خلال (24) ساعة، وفي النرويج هناك قانون يسمى «قانون تيسير حصول العامة على الوثائق».
وفي الدول المتقدمة يعاقب كل من يعرقل عمل الصحافي في الحصول على المعلومات بغرامة مالية «لما يسببه حجب المعلومات من أضرار». ومن حق الصحافي النقد وإبداء الرأي والتعبير، ولا جرمية إذا نشر الصحافي بحسن نية ما يعتقد بصحته، وعلى من يطعن في صدق ما ينقله الصحافي أن يثبت ذلك. وفي تلك الدول أيضا يكون من حق الصحافي «إنهاء عقد عمله بالصحيفة بإرادته المنفردة من دون تنبيه أو إنذار، مع حقه في التعويض المناسب إذا طرأ تغيير جذري في سياسة الصحيفة يخالف معتقداته وظروف العقد الذي أبرمه مع الصحيفة». وبذلك فلا سلطان على الصحافي في عمله لغير القانون وشرط الضمير وأخلاقيات المهنة.
فهل يأتي اليوم الذي نؤمّن للصحافي مثل هذا الحق؟ ويسن مجلس النواب قوانين تعطي الحق للصحافيين والجمهور بطلب توفير معلومات عن أمر معين؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 591 - الأحد 18 أبريل 2004م الموافق 27 صفر 1425هـ