العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ

هل تجهض أخطاء ابريل المشروع الأميركي في العراق؟

أحمد علي محمد البلوشي comments [at] alwasatnews.com

القتال الكثيف في الفلوجة والقتال مع الميليشيا المؤيدة للزعيم الديني الشاب السيدمقتدى الصدر غيرا الكثير من المعطيات والمعادلات التي ظلت قائمة طيلة السنة الأولى من احتلال العراق. ومن المؤكد أن حقائق جديدة ستنبت على الأرض من الآن فصاعدا.

الأميركيون بثقة حادة، يقولون إنه لم يكن لهم خيار، وانهم يواجهون اطلاق النار، ويضيفون: «نحن ندافع عن أنفسنا وندافع عن الشعب العراقي من أولئك الذين يريدون مصادرة السلطة بالقوة. نحن لا نرغب ان ننغمس في حمام دماء». ويشيرون إلى أن العراقيين هم اختاروا طريق العنف، فيما يرد العراقيون: «هذا ليس صحيحا، المظاهرات كانت سلمية».

بالنسبة إلى الأميركيين، العنف ابتدأ يوم الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، عندما قطعت أوصال جثث مقاولين أميركيين في الفلوجة، وتجدد العنف يوم الرابع من الشهر الجاري، حين نصب رجال ميليشيا جيش المهدي كمينا لقافلة عسكرية أميركية في مدينة الصدر وقتلوا ستة جنود أميركيين.

بالنسبة إلى العراقيين، كمين مدينة الصدر جاء رد فعل على الطلقات التي وجهت إلى حشود المتظاهرين الغاضبين على غلق صحيفة «الحوزة»، والتي مرت بالقرب من فندق بغداد القريب من ساحة الفردوس. ويقول العراقيون إن قوات الاحتلال حرّكت الدبابات بالقرب من الحشود؛ ودهس عراقي واحد على الأقل تحت جنازير دبابة.

بالنسبة إلى غالبية العراقيين جاء حصار جنود المارينز للفلوجة وعملية الإبادة الجماعية التي ارتكبت فيها ليغطي على فظاعة التمثيل بالجثث، ولكن الامر مختلف بالنسبة إلى كبار ضباط الجيش الأميركي، فالحملة على الفلوجة قضت على الكثير من الارهابيين. يقول ضابط من قوات مشاة البحرية: «لقد قضينا على خلية ارهابية تضم 16 رجلا». ويضيف: «لقد ضبطنا في مكان اختبائها أكياسا مليئة بمواد كيماوية وأحزمة جلدية ربطت بها حشوات متفجرة، وكان أحدها ملطخا بدم جاف، وعلب من البطاريات مع أسلاك مربوطة بها، اضافة إلى تعليمات خاصة بصنع القنابل». ويوضح:«أظهرت الأدلة وهي كتب وكراريس إسلامية وأشرطة ورسائل توديع بالعربية، أن بعض الرجال ليسوا عراقيين، وانما مسلمون سنة أجانب جاءوا إلى هذه المنطقة السنية للقتال والموت في حرب يعتبرونها مقدسة ضد القوات الأميركية وضد الغالبية المسلمة الشيعية في البلاد».

ولكن بالنسبة إلى ابناء الفلوجة، ويتفق معهم الكثير من العراقيين، ان العقاب الجماعي الذي مارسته القوات الأميركية على الفلوجة وذهب ضحيته نحو خمسة آلاف بين قتيل وجريح ثلثاهم من النساء والاطفال، قد جعل الكثير من أبناء الفلوجة واقاربهم في المدن الاخرى متحمسين للمقاومة العسكرية لقوات الاحتلال.

وبعيدا عن هذا الجدل المتقاطع والمتضارب، فإن الفلوجة بدت ليس فقط للعراقيين وحدهم وانما للعالم بأسره وعلى رغم ضراوة الإسراف في القتل الذي مارسته القوات الأميركية عصية على القوات الأميركية، بل وبدت هذه القوات عاجزة عن السيطرة على المقاتلين في الفلوجة وجعلت من أكثر الزعماء تشددا أبطالا.

عدد من أعضاء مجلس الحكم ومن الذين يبدون حماسة منقطعة النظير لما يسمونه «تحرير العراق» ينتقدون سياسة واشنطن، ولاسيما منذ مطلع الشهر الجاري، ويعترفون «ان سلطة التحالف حشرتهم في زاوية ضيقة، وصاروا في موضع انتقاد لاذع من معظم العراقيين، وليس امامهم ما يقوله للدفاع عن سياسة أميركية اقل ما توصف به انها غبية». ويشددون «ان الافراط في استخدام القوة، جعل أولئك الناس الذين كانت لديهم تحفظات على مقتدى الصدر يبدون تعاطفهم معه، وتحول إلى بطل وطني لدى كل الذين كانوا يساندون النظام السابق والذين يعارضون مجلس الحكم. وتحول العاطلون عن العمل، ليكونوا الى جانبه. لقد منحوه الأميركيون شعبية كبيرة في البلد بفضل غبائهم».

والأكثر من ذلك ان حصر المقاومة بتوصيف سني أصبح من الآن مستبعدا، وأضحت المقاومة حالة عراقية وطنية خالصة، وتبعا لذلك فإن المراهنة على تحييد الشيعة لتمرير المشروع الأميركي في العراق أصبح مستبعدا.

وينتقد اللفتنانت ماثيو اغنولي في الفلوجة اتفاق الهدنة الذي تم التوصل اليه فيها، ويقول إنه «لن يؤدي سوى إلى تعقيد الامور. وهذا سيعطي المتمردين الانطباع بانهم منتصرون وانهم طردوا المارينز وهذا سيرفع من معنوياتهم وسيزيد من عزمهم على القتال».

وترى تيارات سياسية عراقية ان الأيام العشرة الاولى من أبريل/ نيسان والاخطاء الأميركية القاتلة التي ارتكبت فيها لمعالجة الحوادث ستبطيء العملية السياسية الجارية في البلاد، وستنعكس حتما بصورة سلبية على عملية نقل من السلطة، اما بارجاء العملية أو تحويلها إلى مجرد اطار شكلي. وفي أحسن الأحوال فإن حجم السلطة التي ستعطى للعراقيين إذا ما التزم بموعد نقلها ستكون محدودة.

ويؤكد الأمين العام للحركة الاشتراكية العربية عبدالاله النصراوي ان «بطء العملية السياسية يهدد بتكرار المعارك الطاحنة، ويزيد من العنف والفوضى في البلاد».

من جانبه يقول مزهر الدليمي من منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق: «ان واحدة من نتائج الافراط في استخدام القوة من جانب الاحتلال سمحت للمقاومة العراقية في إضافة سلاح جديد إلى جعبتها في مواجهة آلة الاحتلال الضخمة، ربما يؤدي إلى إفشال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، مع توارد أنباء عن اختطاف ما لا يقل عن 30 رهينة خلال الأيام القليلة الماضية». ويتوقع ان يتطور هذا الأسلوب ليشمل اختطاف العسكريين إذا هرب المدنيون الأجانب من العراق.

والحقيقة ان المقاتلين العراقيين يزعمون انهم فعلا استطاعوا اسر عدد من الجنود الأميركيين، الا انه لم يكن من الممكن التأكد من ذلك، على رغم أن القوات الأميركية اعترفت بفقدانها لعدد من جنودها، غير انها قالت لم يتم التأكد بعد من مصيرهم.

ومع بروز تزايد اختطاف الرهائن فإن الجهود الدولية لإعادة إعمار البلاد ستتعثر، وبالآتية سيتعثر معها المشروع الأميركي الخاص بالعراق ويكرس الفشل. ومع تردي الوضع العسكري وتزايد حالات الاختطاف تتعثر معها المساهمة العسكرية للحلفاء وتتباطأ؛ وما تعرض له رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كيوزومي، من ضغط شعبي ومظاهرات مناهضة للمشاركة اليابانية في الحرب، مع انتظار سماع كلمة بشأن مصير اليابانيين الثلاثة المحتجزين رهائن لدى بعض العراقيين، هو شبح يهدد الكثير من الحلفاء. وتداعيات ذلك بدأت تظهر على مواقف الكثير من الحلفاء المساهمين في الحرب

العدد 588 - الخميس 15 أبريل 2004م الموافق 24 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً