الأوراق والمستندات التي أحالها وزير الأشغال والإسكان إلى النيابة العامة حتى لو لديها كل الأدلة فلا يمكن لعدالة المحكمة أن تأخذ بها من دون رأي الجانب الآخر، وهذه مسلّمة لا يمكن النقاش بشأنها. اليوم لدينا مصادر مقربة من بنك الإسكان تقول إن هناك فسادا مُورس وان لديها أدلة. إذا، من نسمع؟ هل نستمع إلى الأوراق والمستندات المحالة إلى النيابة العامة أم إلى مصادر البنك المقربة؟ لقد احترنا واحتار الناس، نحن لا نريد أن نستخف بالرأي العام ونطلق التهم جزافا. كيف لـ 45 مليونا أن تختفي مرة واحدة؟ أليس لديهم علم؟ أين اختفت هذه المبالغ؟ لماذا لا يقولون؟ أين إذا كانوا وهم مصادر مقرّبة ويعرفون الحقيقة؟
غريب هذا الاتهام الذي يتحمل وزره المقربون، إذا كانوا يعلمون فتلك مصيبة لأنهم سكتوا عنها، وإذا كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم. كيف يقولون بمبالغ بهذه الضخامة؟ هل فتشوا عن أماكن اختفائها؟ هل قالوا في أين وأية جهة؟ لماذا يعلنون اختفاءها الآن؟ لماذا صبروا سنة ونصف السنة وصمتوا؟ أليس من الأجدى أن يطالبوا بالقبض على المدير العام وحبسه؟ شيء غريب! وهل اختفت من دون علم أحد؟ كيف عرفوا ذلك؟ طبعا، تهمة أخرى أحمّل وزرها المقربين من البنك وكأني أعرفهم واحدا واحدا... إنها أولا مدعاة للسخرية أن يُسكت عن اختفاء 45 مليونا. إنها طامة كبرى إذا كان هذا الجيش الجرار من المفتشين والمدققين والمحاسبين والمؤسسين لا يعرفون أين اختفت ويتهموني، غريب أمركم! ولكنهم على ما يبدو احترموا مديرهم السابق ولم يطالبوا بالقبض عليه. يا للسخرية والعبث.
أما فيما يخص الملايين الأخرى التي كانت مخصصة للإسكان، فهذه أيضا مبالغ تتحمل مسئوليتها وزارة الإسكان، وليس بنك الإسكان. أما عن إعطاء القروض فبنك الإسكان لا يعطي القروض للموظفين، إنها مسئولية وزارة الإسكان، فهي المسئولة عن إعطاء القروض، وإنني أتحدى إذا وجد من سلمته قرضا خلافا لقانون الوزارة.
أقولها بصراحة، إن كل ما يقال وكل ما يشاع لا يخرج عن نطاق القذف والاتهام، وهذا محرم قانونيا وأستطيع أن أقاضي من يتلفظ بتهم الفساد من دون أن يثبت ذلك لدى محاكم البلاد. أعتبر هذا تجنيا وأعتب على صحيفة «الوسط» أن تقوم بنشر هذه الادعاءات والافتراءات من دون وجه حق غير المصادر المقربة من البنك أو ما شابه ذلك.
أما هذه المصادر المقربة والتي لا أعترف مطلقا بما تطلقه من إشاعات، فإنها تقول عن الرواتب، وهم يعلمون جيدا - وهذا دَسٌّ ونكاية وتحريض ضدي - أن مستويات الرواتب في بنك الإسكان عالية وهدفها الأول والأخير هو تحسين مستوى المعيشة للمواطن، وهذا يجب أن تسعى إليه كل مؤسسات ودوائر الدولة. هل يعيبون على بنك الإسكان إعطاء هذه الرواتب العالية؟ هل يا ترى هذه الرواتب لو ذهبت إلى أجانب نتكلم عنها ونخلق بشأنها هذا الكلام؟ أليست مشكلتنا في البحرين هي الرواتب التي يتقاضاها المواطنون؟ فإذا جاءت مؤسسة مثل بنك الإسكان تسعى إلى هدف رفع مستوى المعيشة وتعطي رواتب جيدة ومرتفعة في نظر المنظِّرين والمتفلسفين، يقال إن ذلك فساد مالي. متى أصبح إسعاد المواطن بإعطائه راتبا يكفيه مغبة السؤال والحيرة فسادا؟ غريب أمر المنظِّرين الذين لا يشعرون بما يعانيه المواطن في البلاد. ما هو - في رأيهم - الفساد المالي إذا لم نقم - نحن المسئولون - بإسعاد من يعمل لدى مؤسسة خدمية تخدم المواطن وتحسِّن من حالته الاجتماعية؟
ولكن أقول إنني لم أعطِ هذه الرواتب في غفلة أو من تحت الطاولة، إنها موازنة تعرض على مجلس الإدارة كل سنة ثم يشرح للمجلس، هذه موازنة الرواتب والأجور، والعلاوات والترقيات. كان بإمكان المجلس ألا يوافق ويعطي أمرا بالتخفيض، أما أن يوافق المجلس وتقوم الإدارة بإعطاء الرواتب بحسب الاستحقاق والأداء والهيكل المعد لذلك، فأين الغرابة في ذلك؟ لماذا تثار بشأنها هذه الشكوك؟ ثم إنني المدير العام ولدي الصلاحية التي تؤهلني لتعديل الرواتب بحسب التقرير السنوي الذي يرفعه كل مسئول عن الموظفين الذين يعملون تحت رئاسته. أما كون الرواتب مرتفعة من 2000 إلى 3000 إلى 4000 فهذه الرواتب لم تأتِ هكذا، إن الموظفين في الإدارة العليا هم الذين استحقوا ذلك، وكل الموظفين في بنك الإسكان راضون عن رواتبهم، وهي فعلا تختلف عن الرواتب في أجهزة الحكومة.
أما عما يثار عن السكرتير التنفيذي فإن الهيكل الإداري لبنك الإسكان يشتمل على جميع المسميات والوظائف، منها التنفيذية والإدارية، والسكرتير التنفيذي لمكتب المدير العام يعتبر من الوظائف الإشرافية التنفيذية، وهناك وصف وظيفي متكامل شامل لكل المسئوليات المتعلقة بمكتب المدير العام وإعداد كل ما يتعلق بالمحاضر والاجتماعات والمقابلات والإشراف على تنفيذ قرارات المدير، وهذه الوظيفة لها سلم راتب يتماشى مع المسئولية المنوطة.
أما ادعاء البعض بأن هناك تلاعبا بالمال العام فهذا يحتاج إلى إثبات ودلائل قاطعة. ما هو التلاعب بالمال العام؟ وكيف نفسره؟ هل التلاعب بالمال في رواتب تحسِّن من مستوى المعيشة؟ إنه شيء محير! ومن هو هذا الذي وضع راتبه بنفسه؟ ألا يجدر بالمقربين من البنك ذكره، أم أن الجبن منعهم من ذلك؟ من هو هذا الذي تجرأ على أن يضع راتبه بنفسه من دون علم من الإدارة، مع علمهم بأن المدير العام شديد ولا يقبل مطلقا بهذا؟ لكن مادام إطلاق التهم أصبح مجازا فليكن ذلك ونحن في انتظار الإثبات، وإلا... ثم من قال إنه لا توجد هيكلة للرواتب؟ ألا يوجد المديرون والفنيون والاستشاريون والمهندسون والكتبة والمفتشون والسواق والفراشون والمرافقون؟ هل هذا الترتيب من دون هيكل وظيفي؟ يا جماعة كيف؟ يوجد هيكل وظيفي ملصق في مكتب المدير العام محتفظ به ليكون دليلا على وجود هياكل وظيفية وأوصاف وظيفية وقوانين وأنظمة أخشى أن يخفيها «المقربون» ويقولون اختفت هذه الهياكل وأصبح البنك يعمل من دونها!
وإذا كان وكيل ديوان الرقابة المالية أحمد البلوشي أعد تقريرا بشأن التجاوزات المالية في بنك الإسكان ولديه مادة تحت رقم (32) تحرم تسرب المعلومات، فكيف استطاعت المصادر المقربة من بنك الإسكان معرفة ما حوته هذه التقارير؟ سؤال أطرحه على وكيل ديوان الرقابة.
وأما عما قاله رئيس جمعية الشفافية جاسم العجمي، فليت الأخ جاسم وجّه كشاف شفافيته إلى أماكن أخرى ليكتشف بها فبدلا من أن يسلط أضوائها على رواتب ودرجات يستفيد منها المواطنون، ثم ألا يعلم مسئولية مدير عام بنك الإسكان؟ أهكذا يا جاسم تحط من مسئولية من يتابع ويخطط ويسهر ويراجع ويدقق ويحاسب ويقابل الناس ويمسح دموعهم ويساعدهم ويذهب إلى أماكنهم ليطلع على همومهم وعذاباتهم، يجلس على كرسيه في السابعة صباحا ولا يغادر إلا في الثالثة عصرا، غير تقديم التقارير والخطابات وإدارة بنك الإسكان وعقارات السيف وتطوير شركة المنطقة الجنوبية وشركة السياحة الجنوبية، أليس ذلك عبئا ثقيلا لا يستطيع حمله إلا المؤهلون والقادرون وذوو الكفاءات العالية؟
نحن نشدّ على يد الوزير لمحاربة الفساد، كما نشد على شفافيتكم، لكن كونوا منصفين واتركوا المجاملة والنفاق لأصحاب الكراسي العالية، وانزلوا إلى مستوى المواطن المحتاج الذي يريد المعاش الجيد والبيت المناسب والقرض، وكونوا حقانيين ولا تتشبثوا بالقشور فالبنك بنك ناجح استطاع أن يحقق منجزات تعجز عن إنجاحها حتى أكبر المؤسسات، والناس في البحرين يعرفون ويعون ذلك ولا يفوتونها. ثم إنك تعلم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وان ما يقال عن الفساد لا يمكن الأخذ به من جانب واحد، فرجاء الابتعاد عن مواطن الزلل لأننا نعرفكم جيدا، فأنتم حقانيون..
العدد 587 - الأربعاء 14 أبريل 2004م الموافق 23 صفر 1425هـ