مازلنا نبحث ونكتب في موضوع فورمولا 1، وذلك لاعتقادنا باهمية هذا الحدث الاقتصادي الدولي الكبير وآثاره المرجوة على المدى العاجل والمدى الآجل للدولة والمجتمع البحريني.
ويهمنا هنا أن نبحث هذا الحدث من زاويته السياسية فضلا عن زاويته الاقتصادية، لاسيما العلاقة ما بين هذا الحدث وبين المعارضة البحرينية.
في البداية، صار من الواضح الآن لدى كل فرد ومؤسسة أهلية أو رسمية: أن هذا الحدث الدولي هو حدث يهم الجميع وله جدوى اقتصادية وسياسية واعلامية للمجتمع البحريني وللدولة، وربما كانت منافعه الاقتصادية للمجتمع وللقطاع الخاص أكثر منها للدولة، فضلا عن منافعه الاعلامية والسياسية للدولة والمعارضة.
المعارضة تدرك ذلك والمجتمع والدولة يدركان ذلك، لهذا بادرت المعارضة، وتحديدا «التحالف الرباعي»، بتأجيل ندوته الجماهيرية والعريضة الشعبية اللتين كان يخطط لهما بالتزامن مع سباق الفورمولا 1، كما بادر الكثير من الشخصيات السياسية والنيابية والمسئولين والتجار بالتصريح بدعمهم اللامشروط لسباق الفورمولا، أملا في نجاحه وتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية والاعلامية لاسيما للعاطلين والفقراء.
وعلى رغم هذا الموقف الواضح والمشرف من المعارضة البحرينية تجاه سباق الفورمولا 1، فقد كانت هناك نوايا لدى البعض للقيام «باعتصام سلمي». هذه الدعوة «السلمية» هي موضع شك من الجميع، وفي مقدمتهم «التحالف الرباعي» نفسه، الذي أعلن بكل صراحة ووضوح، بأنه ليس طرفا في هذا الاعتصام وغير مسئول عنه، ولا يعرف من وراءه، بل وندد بحوادث الشغب التي حدثت في ضواحي المنامة قبل أسبوعين، كما أعلن رموزه عدم مسئوليتهم تجاه المسيرات التي توجهت باتجاه السفارة الأميركية بالمنامة ونتجت عنها مواجهات عنيفة مع الشرطة، فضلا عن تأثيراتها في اقلاق المجتمع وتشويه صورة المعارضة وتاريخها المشرف.
فما أسباب استمرار هذه الحوادث والتشويش، وفي هذه الفترة بالذات؟ ما أسباب استمرار حوادث العنف والشغب في الوقت الذي تتنادى الشخصيات السياسية والدينية والرسمية بنبذها ورفضها؟ هل هذا من قبيل الازدواجية والتناقض في خطابها السياسي؟ أم هل السبب وجود تيار متشدد في المعارضة يحمل اجندته الخاصة؟ هل ذلك يعكس تزايد الشقة ما بين التيار المعتدل والتيار المتشدد في التحالف الرباعي؟
هل استقالة كل من نزار البحارنة والشيخ عبدالنبي الدرازي من مجلس إدارة الوفاق جاءت تعبيرا عن تزايد الأزمة ما بين هذين التيارين؟ هل التيار المتشدد له علاقة بهذه الحوادث المنفلتة هنا وهناك، أم أن هناك طرفا ثالثا بدأ يلعب هذه اللعبة الخطيرة بين جماهير الشباب؟ هل هذه الحوادث تحمل (في ظاهرها أو باطنها) اجندة ومطالب سياسية أم اقتصادية أم دينية، أم هي خليط من هذا وذاك؟ وإذا كان التيار المتشدد يرفض هذه الممارسات والمواجهات الدموية فلماذا لم يعلن ذلك بوضوح وبقوة إلى كل الجمهور ويعلن براءته منها؟
هل هذا الانفلات الأمني سببه غياب الدولة عن لعب دور مهم في الحفاظ على الأمن، أم سببه استمرار حالات البطالة والفقر، أم سببه اصرار الدولة وموقفها تجاه مطلب تعديل الدستور ما تسبب في احباط المتشددين؟ أم هل السبب هو خليط من الأجندة وتعمد التيار المتشدد خلط الأوراق والضرب تحت الحزام؟ هل ما يحدث الآن هو نتيجة طبيعية للخطاب المتشدد عموما، أم أن الدولة والحكومة تتحملان جزءا مهما من مسئولية توتر الساحة البحرينية؟ ولماذا تستمر هذه الحوادث على ايدي الشباب على رغم رفض «التحالف الرباعي» ورموزه استخدام «مجهولين» العنف والشغب واسالة الدماء؟
هل فقد «التحالف الرباعي» سيطرته على جماهيره أم فقد السيطرة على التيار المتشدد أم تسبب في ولادة ثقافة التهور والعنف بين بعض الشباب من دون وعي منه؟ هل فقد الخطاب الديني بريقه وتأثيرة على جماهيره أم أن الخطاب مازال من دون الدرجة والقوة المطلوبة؟ ومن هي هذه الفئة الشبابية الحماسية، وكم نسبتها، ومن وراءها، ولماذا تستمر في توتير الساحة؟ هل هي فئة ( ملتزمة) دينيا، أم أنها خليط من (الملتزمين) وغير الملتزمين؟ وإذا كانت ملتزمة فلماذا لا تلبي نداءات المراجع والرموز الدينية؟
هل أصبح الرمز السياسي المتشدد له قوة وجاذبية وسحر فوق المراجع الدينية؟ ما هذا الذي يحدث بالضبط في الساحة؟ هل دخلنا في نفق مظلم بسبب «خوف» العلماء من مواجهة الرموز السياسية المتشددة، أم ان العلماء يتفقون مع الرموز السياسية وأنهم ضد المشاركة ومع المقاطعة مثلما يؤكد بعض الرموز؟ هل يدرك العلماء خطورة المرحلة التي نحن بصددها ودرجة انفلات بعض الشباب ودرجة حماسهم وانفعالاتهم؟ وهل يتحمل العلماء والمراجع الدينية المسئولية ويضبطون ايقاع الشباب ويرشدون الجماهير قبل فوات الأوان، أم أنهم مازالوا يتوجسون من انقسام الساحة؟ وما هو الاهم هنا: انقسام الساحة أم افتقادنا جمعيا الأمن والسلام؟
العدد 576 - السبت 03 أبريل 2004م الموافق 12 صفر 1425هـ