إن روح الديمقراطية كما جاءت في المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتمثل في حق الأفراد في المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلدهم، وان إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم عبر الانتخابات النزيهة الحرة. ومن خلال التجارب الديمقراطية المتطورة فإن وجود الأحزاب السياسية جزء لا يتجزأ من العملية الديمقراطية وتحقيق إرادة الشعب، إذ انه وسيلة تنظيمية للتعددية والتنافس بين قوى الشعب المختلفة، وهو ضمانة للتوازن السياسي وفاعلية السلطة التشريعية، وكذلك الوسيلة المثلى لتداول السلطة.
لقد بادرت مجموعة من أعضاء مجلس النواب بتبني اقتراح بقانون بشأن الأحزاب السياسية في البحرين. وان مشروع قانون بهذه الأهمية، لابد أن يتم عرضه لعامة الناس، واستطلاع رأي ذوي الشأن من المختصين ومؤسسات المجتمع المدني قبل إقراره من قبل المجلس. وان أهمية ذلك لا تقل عن أهمية الاستعجال في إصدار القانون.
وبعد الاطلاع على نص الاقتراح بقانون المقدم بمجلس النواب، فإن هناك بعض الثغرات والإشكالات الأساسية، التي تجعل في القانون ما يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية التي يتضمنها الدستور، وتنص عليها المواثيق والاتفاقات الدولية:
1- ان القانون المقترح يجعل تأسيس الأحزاب والإشراف عليها خاضعا للسلطة التنفيذية، وفي ذلك تضارب في المصالح ومنشأ للنزاع وتبعية شئون التشريعية للتنفيذية، والأولى ان يخضع ذلك للسلطة القضائية المستقلة.
2- تنص المادة (5) على ان من شروط التأسيس عدم قيام الحزب على اساس طائفي أو فئوي، وهذه الصياغة غير واضحة وربما تصبح ثغرة ومنشأ للتنازع، او وسيلة يتم استغلالها ضد بعض القوى السياسية لمنعها من تشكيل احزاب. في حين تتضمن المادة 6/4 صياغة افضل، إذ تنص على عدم جواز ان توضع شروط للعضوية على اساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية او العنصر أو الجنس أو المركز الاجتماعي، كما تنص الفقرتان (ج) و(و) من المادة 21 على ضرورة تقيد الحزب بعدم التمييز بين المواطنين، والالتزام بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين عند تولي المسئولية أو المشاركة فيها. وتلك صياغة جيدة ومهمة ايضا.
3- تحرم المادة (7) الشباب ممن تقل اعمارهم عن 25 عاما من المشاركة في تأسيس الاحزاب. كما تحرم المادة 17 من تقل اعمارهم عن 21 عاما من الانضمام اليها. ولابد من دراسة ذلك بتمعن اكثر لانه يميز ضد فئات عمرية في ممارسة حقوق اساسية.
4- المادة (7 - فقرة 6) تمنع المنتسبين للقوات المسلحة والاجهزة الامنية والدفاع المدني من المشاركة في تأسيس الاحزاب السياسية. كما تمنع المادة (21/و) الاحزاب من التنظيم والاستقطاب في صفوف هذه المؤسسات. ولكن في المقابل فإن قانون الانتخابات الحالي يعطي للمسئولين عن تلك المؤسسات حق السماح للمنتسبين بالمشاركة في الانتخابات أو عدمه، وهذا يعطي السلطة التنفيذية اداة للتأثير على نتائج الانتخابات. مما لا يستقيم مع نزاهة الانتخابات، واستقلاليتها عن السلطة التنفيذية.
5- تحظر المادة ( 15) استخدام دور العبادة والمواكب واجهزتها واموالها لمصلحة اي تنظيم حزبي، وتتطرق المادة (20) للقيود والضوابط المتعلقة بالموارد المالية، وتعاقب المادة (24/أ) بالحبس والغرامة كل من تسلم اموالا من أية جهة غير بحرينية لحساب الحزب. ولكن لا يوجد في المقترح ما يلزم الدولة بتقديم الحد الأدنى من الدعم للاحزاب التي يتم الترخيص لها. كما ان من الضروري وضع ضوابط تمنع تقديم اي نوع من الدعم او التسهيلات من قبل مؤسسات الدولة بشكل يميز بين الاحزاب المختلفة.
6- تحظر المادة (19) تفتيش اي مقر للحزب الا بقرار من النائب العام وبحضوره بالاضافة الى ممثل عن الحزب، الا ان المادة نفسها تستثني من ذلك حالتي التلبس والجرم المشهود، دون توضيح او ضوابط.
7- تنص المادة (24/ ب) على المعاقبة بالحبس أو الغرامة كل من شارك في حزب غير مرخص. وهذا مخالف لحقوق الانسان فيما يتصل بحرية التنظيم وانشاء الجمعيات السلمية. ان القانون يأتي لتنظيم تأسيس وعمل الاحزاب وليس لمعاقبة الافراد على ممارسة حق من حقوقهم الاساسية. الا انه يمكن في المقابل حرمان الاحزاب غير المرخصة من الدعم والخدمات والامتيازات التي تقدمها الدولة للاحزاب المرخصة.
8- كما تنص المادة 24 في الفقرة (د) على عقوبة الحبس والغرامة على كل من ارتكب مخالفة لاحكام هذا القانون، وهذه الصياغة تطلق اليد بشكل مفتوح لمعاقبة الحزب او افراده لأية مخالفة لنصوص قانون ينظم النشاط السياسي، وليس لارتكابهم ما يدخل في الفعل الجنائي. والأوْلى ان يتم النص على الجناية أو ترك ذلك لقانون العقوبات. وفي كل الاحوال يجب ألا يتعارض ذلك مع المعايير الدولية لحقوق الانسان.
9- تعطي المادة (25/أ) الحق للمحكمة ان تصدر قرارا بإيقاف الحزب عن العمل بناء على طلب من الوزير، على ان يقدم الوزير دعوى طلب حل الحزب خلال ثمانية ايام. وصياغة هذه المادة تخول الوزير استخدام امر قضائي لوقف الحزب في فترة ربما تكون حساسة مثل فترة الانتخابات. كما ان الصياغة الواردة في الفقرة (ب) من المادة نفسها ربما تعني استمرار وقف الحزب عن العمل لمدة ستين يوما حتى تصدر المحكمة حكمها النهائي. وهذا مخالف لمقتضيات العدالة وأصل البراءة.
وفي الختام نقول: إن ايجاد قانون يشرع وينظم عمل الاحزاب السياسية هو امر ضروري ومهم، وان نص الاقتراح المقدم حاليا يحتوي على الكثير من الايجابيات ونقاط القوة، الا ان هناك خشية من ان يؤدي ضعف تركيبة وصلاحيات المجلس الوطني الحالي الى ان تؤول المناقشات ونتيجة التصويت، الى اقرار صيغة قانون تجيز العمل الحزبي ولكنها تقيد الاحزاب وتضعف دورها بدلا من ان تجعلها عاملا حقيقيا ومؤثرا في تعزيز الديمقراطية
العدد 575 - الجمعة 02 أبريل 2004م الموافق 11 صفر 1425هـ