من البداهة الإشارة إلى أن الكثير من بلدان العالم تنفق أموالا مهولة ووقتا ثمينا، وتشجع العباقرة من أبنائها للدفع باتجاه إعمال العقول والفكر من أجل تحقيق قفزات تسمو بمقام هذه الدولة أو تلك إلى الطليعة، وتضعها في المقدمة إقليميا وكونيا. وفي هذا السياق، كثيرا ما يتم الإطلال على فضاء الطليعة وتحقيق ذلك السمو وتلك الرفعة، عبر نافذة النمو الاقتصادي والتنمية البشرية التي ترفع من مستوى الشعب وتصنيف البلاد إقليميا وعالميا، وعلى هذا النسق تدافعت عبقريات الشعوب إلى تحقيق المنجزات الحضارية التي عرفتها البشرية عبر مختلف الأزمنة والعصور.
غير أن أعظم وأقدم إنجازات الحضارة الإنسانية هي الزراعة، التي كانت ومازالت تقدم النجاحات المذهلة عبر العصور والحقب فيما يتصل بالتنمية الاقتصادية، إذ كانت ومازالت العنصر الأكثر قدرة على تحقيق القفزات التي يصبو إليها مخططو سياسات التنمية الاقتصادية في كل زمان ومكان على رغم المفاجآت «غير السعيدة» التي ترافق عمليات الإنتاج الزراعي والتي نادرا ما تخيب آمال المخططين.
وفي هذا السياق ذكرت تقارير وكالات الأنباء أمس أن الاقتصاد الهندي حقق خلال الربع الأول من العام الجاري نموا مذهلا تجاوز 10 في المئة بزيادة قدرها 2 في المئة ليصبح بذلك واحدا من أكبر الاقتصادات نموا في العالم. وأرجعت إحصاءات منظمة الإحصاءات الهندية الرسمية زيادة معدل نمو الاقتصاد الهندي إلى القفزة التي حققها القطاع الزراعي الذي شهد نسبة نمو خلال الربع الثالث من العام الماضي بلغت 16,9 في المئة مقابل 9,8 في المئة خلال الفترة نفسها من العام السابق. ومن المفارقات - وللمقارنة فقط - أن القطاع الصناعي نما بنسبة بلغت 7,4 في المئة خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي يؤشر إلى أن الاعتماد على الزراعة على رغم مخاطره المحتملة - على قلتها - سيفضي إلى تحقيق نتائج أكثر فاعلية ونفعا للشعوب والبلدان، عماعداه من القطاعات الإنتاجية والاقتصادية الأخرى.
وفي حال الاعتبار من التجربة الهندية يمكننا القول، بكل اطمئنان: إن الزراعة عادت إلى الواجهة مجددا كمهد لآمال التنمية الاقتصادية والبشرية في العالم بعد سنوات من النسيان سادت فيها عناصر إنتاجية وتنموية ظنها الكثيرون أعظم فائدة من الزراعة، غير أن الأيام أثبتت أن تلك النظرة ليست كاملة، إن لم تكن قاصرة.
محمد الأسباط
العدد 573 - الأربعاء 31 مارس 2004م الموافق 09 صفر 1425هـ