انطلاقا من حال القظم والنهش الذي أنجزته وبكفاءة عالية وزارة العمل والشئون الاجتماعية، للنظام الأساسي للاتحاد النسائي البحريني، وفي وقت قياسي، يصح القول ان الدائرة القانونية بالوزارة قد دخلت مع الجمعيات النسائية في حلقة مفرغة، سماتها الحالية حال من التنافر والنفور بما فعلوه بالنظام الأساسي، ولا ننسى في هذا الأثناء التذكير بغياب المقاييس والمعايير المحلية والعربية والدولية المتعارف عليها والتي تحكم عمل ونشاط مؤسسات المجتمع المدني وعلاقتها مع الدولة.
يبدو المأزق جليا وفاقعا، في تصريحات وزارة العمل السابقة واللاحقة منها التي وردت على لسان «مسئول العلاقات العامة (وليس القانونية) صلاح أحمد من: «أن هذه التعديلات جاءت بعد دراسة، وأن مقترح اللجنة التحضيرية لا يفرض على الآخرين شيئا، وأن هذه التعديلات نابعة من قانون الجمعيات الذي لا يمكن مخالفته، إذ إن المخالفة سوف تنعكس سلبا على قيمة الاتحاد»... «الوسط»، الجمعة 26 مارس/ آذار 2004. انتهى.
حسنا، هل يكمن المأزق هنا؟ أيمكن الاستعاضة عن تعبير المأزق بتعبير «العبط» (من الاستغفال)؟! فالقانون الذي يتم الحديث عنه وبشهادة الخبير القانوني البحريني المحامي محمد أحمد، قانون متخلف جدا، ومقيد ويجعل من الاتحاد النسائي البحريني تابعا للوزارة، لا بل أكثر من ذلك «أن الوزير نفسه يصادر حقا دستوريا واضحا»!
يكمن المأزق في الحلقة المفرغة المشار إليها، المأزق في ماذا؟ في اضطرار أصحاب الحق إلى اللجوء للقضاء بهدف الطعن في القانون المتخلف الذي لا يقرأ المتغيرات، ولا يتكيف مع دولة القانون والمؤسسات، والأنكى من ذلك يتناسى شرعة حقوق الإنسان في أبسط مظاهرها الداعية إلى حرية الإرادة والتعبير ضمن سياق القانون المتعاقد عليه بين المواطنين والحكم، وليس ذاك القانون الذي كان مكبلا بأحكام قانون أمن الدولة السيئ الصيت!
إذا؛ الدعوة صريحة وواضحة، كي توازن الجمعيات النسائية الموقف من زواياه المختلفة، فقضية إشهار الاتحاد النسائي البحريني لم تعد قضية محصورة بين أركان الجمعيات النسائية نفسها، أو بين فكي مكتب وزير العمل والدائرة القانونية بوزارته، وهي بالمقابل ليست قضية «نسوان» كما يحلو للبعض تمييزها عن قضايا المجتمع الأخرى، إنما باتت تتمدد وتتقاطع إذ توجهات الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي ينادي هو الآخر بتغيير قانون العمل البحريني وبما يتلاءم مع الاتفاقات العربية والدولية التي وقعتها المملكة، وهي بالتأكيد قضية تتقاطع مع مصالح أطراف القوى السياسية في هذا الوطن، في سعيها الحثيث إلى استحداث التشريعات والقوانين التي تتناسب مع العصر الزاهر، وتحفظ حقوق المواطن البحريني، إضافة إلى التقائها مع كل المنظمات الحقوقية التي تنادي بتفعيل الممارسة القانونية حسب الدساتير والأعراف الدولية المتعاقد عليها.
إذا؛ والحال هكذا، فالتجاذب قد يطول وقد يحقق الاتحاد النسائي البحريني كسبا لمعركته الراهنة ليس فقط في الحصول على إشهاره الرسمي، إنما ستختبر قدرته على تطويع كل الأدوات والآليات السلمية بهدف تغيير قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية منذ عصر أمن الدولة الذي ولى من دون رجعة، علاوة على إدراك ماهية علاقاته ومصالحه مع منظمات المجتمع المدني الأخرى وبما يحقق أهداف وتطلعات المواطن الراقية. بيد أن منطق العبط «من الاستغفال» غالبا ما يتكرر، في القول «أن العمل بمخالفة هذا القانون، سيعني افتقاد الاتحاد النسائي البحريني لقيمته؟ والسؤال بالطبع ليس محرما، إذ كيف ستتضاءل قيمة وثقل الاتحاد النسائي البحريني؟ هل من احتفاظه بكامل إرادته ورسم خط توجهات أعضائه أم أن قيمته ستقوى من طاعة القانون الذي يجعل منه مجرد دائرة من دوائر وزارة العمل والشئون الاجتماعية، يستجدي الاذن منها، أو من علاقاتها العامة في الطالع والنازل، ويتوكأ عليها في نسج علاقاته المحلية والعربية والعالمية، أو ربما يستأذنها المشاركة في العمل السياسي من عدمه؟!
ظاهرة فريدة النوع
ثمة من يلاحظ إننا أمام ظاهرة فريدة من نوعها، ففي صحيفة «الأيام» وتحديدا بتاريخ 25 يناير/ كانون الثاني 2004، جاء في لقاء صحافي مع عضو مجلس الشورى ندى حفاظ (جهة رسمية) أنها شجعت وهنأت مقدما، وتمنت أن يتشكل الاتحاد بعد هذا التاريخ الطويل من المطالبة، فقالت: «من الجانب الأهلي فإن الاتحاد النسائي سيجعل هناك تنسيقا بين الجمعيات التي ستبرز صورة المرأة البحرينية بشكل أفضل». وأضافت: «أنه من المفترض أن يشهر الاتحاد منذ فترة طويلة» وأبدت استنكارها لتأخر صوغ التعديل المقترح: «الذي استغربه التأخير في صياغة التعديل والذي لا يتعدى بعض أسطر ولا يستحق التأخير». أما فخرية ديري فكانت الأكثر انشراحا: «لقد آن الأوان بعد مرور 3 سنوات من انطلاق فكرة تأسيس الاتحاد النسائي بمملكة البحرين أن يرى النور فهنيئا لكل النساء في مملكة البحرين بهذا اليوم العظيم». واختتمت اللقاء بتوجيه التبريكات إلى رئيسة اللجنة التحضيرية مريم الرويعي وعضوات الاتحاد بإشهار الاتحاد حتى مع التنازلات التي قدمت من أجله ألا وهي إسقاط عضوية الأفراد واللجان منه».
فعلا واقع فريد من نوعه، تصريحات وتهانٍ شبه رسمية، وتأكيدات، وضمانات، وتنازلات، ومشروع إصلاحي، وحقوق دستورية، يكفلها الدستور، تفسح المجال واسعا للعمل المؤسسي المدني الذي هو بالأساس أحد أعمدة الدولة، وبالمقابل تصريحات من مسئول العلاقات العامة في وزارة العمل والشئون الاجتماعية: «من أن على الاتحاد النسائي البحريني أن يتعامل بمرونة»، بمعنى أن يترك جانبا الواقع المتقدم وينتسب إلى قانون عفا عليه الدهر، أي «عبط»!
أن النضال النسائي ليس موسميا يتحدد بفصول السنة المختلفة، وبالتالي تكون المطالبات النسائية أشد حرارة ولهيبا أثناء الانتخابات والرواج السياسي منه الآن، لا أبدا، وهو ليس شعار ظرفي يطلق حسب الموقف السياسي لهذا الطرف أو ذاك، النضال النسائي حسب فهمنا المتواضع، يتكامل مع نضالات المواطن وعلى كل الأصعدة، ويستند على دعائم ومفاهيم واضحة ترتكز على القدرة في استيعاب موقع الاتحاد النسائي البحريني ضمن خريطة مؤسسات المجتمع المدني ومفاهيمه، وليس من حيث كونه مؤسسة من مؤسساته فقط، إنما يستلهم منه قيمه وأخلاقياته وثقافته المدنية التي سيساهم في نشرها وتجذيرها، كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل الانتقال بالمجتمع من واقع التخلف إلى واقع الحداثة ضمن معايير العصر التي تحكم أنشطته وسلوكياته وتوجهها إلى خدمة المجتمع.
كما نفهم أن فكرة التعاقد التي رسخها ميثاق العمل الوطني إنما جاءت لغايات وأهداف بعيدة، وهي الحماية والمحافظة والدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطن (رجلا كان أم امرأة)، وبذلك نستوعب ومن دون «عبط» أن السلطة التي هي أداة الدولة «ليست مطلقة» بل هي مقيدة بشروط تستند إلى تحقيق التوازن وعدم التعارض مع مكتسبات وحقوق المواطن البحريني في أن تمثله مؤسسات حرة، وعليه نؤكد ما تعلمناه من الشعوب المتحضرة، من أن المجتمع المدني عبارة عن شبكة من الهيئات المستقلة عن الدولة، ووظيفتها لعب دور الوسيط بين المواطن والحاكم، والاتحاد النسائي بالطبع أحد مركبات تلك الشبكة، وأن العلاقة بينه وبين السلطة التنفيذية علاقة تعاقدية تقوم على الاحترام المتبادل لا «الهيمنة»، إذ إن مهمته المركزية تكمن في الدفاع عن الحقوق، خصوصا في حال الانتهاكات ولهذا جاءت أهدافه التي قضمتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية متناغمة وطبيعية من كونه مؤسسة أهلية مدنية وغير تابعة للدولة، فعلى سبيل المثال، يعمل على إشراك المرأة بصورة فاعلة في الحياة السياسية، ويسعى إلى إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، والدفاع عن حقوق المرأة البحرينية وليس المحافظة على القائم (المتخلف) عن العصر، فضلا عن بث الوعي القانوني بينها، وغيرها من الأهداف التي يتعامل الاتحاد مع نفسه فيها بثقة، وبصورة ندية تدرك معنى تمثيله لقطاعات واسعة من نساء البحرين، كما يدرك معنى أن يكون شريكا في صنع القرار وصوغه وليس (منسقا) مطاطيا لا يستطيع أن يلزم الآخرين ببنود العقود، ويكون في مقر المتلقي للأوامر ليس إلا!
لائحة القانون
تهدد وزارة العمل والشئون الاجتماعية بافتراس منظمات المجتمع المدني، وذلك تحت لائحة تطبيق القانون وبيروقراطية الدولة، فبالأمس يهدد الوزير بإقفال أبواب الجمعيات السياسية وحلها إذا خالفت وحادت عن القانون ذاته، والوزارة لا توافق على مقترحات العمال في تعديل قانون العمل الصادر منذ العام 1976، فضلا عن المماطلة في إشهار الاتحاد النسائي البحريني، وافتعال الحجة تلو الأخرى، وهي في حال ازدراء واضح للقائمين عليه، ومن دون تقدير لظرفية الإنهاك التي تمر بها اللجنة التحضيرية، فضلا عن مضيعة الوقت مع إجراءاتها البيروقراطية، لقد غدا هذا القانون المتخلف، الشماعة التي تصادر باليد اليسرى ما منح لمؤسسات المجتمع المدني من حقوق باليد اليمنى.
هل نتصارح بشأن حال الانكماش الديمقراطي؟ ونسأل بعضنا بعضا، لماذا ترغب وزارة العمل والشئون الاجتماعية في ضعضعة مؤسسات المجتمع المدني طوعا وكراهية وعلى رأسها الاتحاد النسائي البحريني؟ لماذا ترفض بيروقراطية الدولة، نتائج ومحفزات المشروع الإصلاحي؟ و هي التي لا تعترف بالتعددية الحزبية، ولا باستقلالية الاتحادات، وتدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة وحتى في اللوائح الداخلية للمؤسسات المدنية وأنشطتها.
وعليه، آن أوان القول، إن تجاه ميزان القوى لايزال في صالح الاتحاد النسائي البحريني، وخصوصا أن سلطة الاتحاد غير مشخصنة، والأدوار مرتبة وقواعد اللعبة معروفة للجميع، وهناك شفافية في استصدار القرارات والتداول بشأن المهمات وحرية النقاش، والأهم هناك إصرار على توحيد الكلمة والإرادة وتعددية الأطياف. فما رأي الوزارة بذلك؟
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 572 - الثلثاء 30 مارس 2004م الموافق 08 صفر 1425هـ