العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ

خبراء أمن ألمان يدربون الشرطة العراقية في الخليج

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لم تشارك ألمانيا في حرب العراق ونشأ توتر حاد لهذا السبب بين برلين وواشنطن. قبل أسابيع قليلة فتح البيت الأبيض بابه للمرة الأولى منذ أكثر من عامين أمام المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي ذهب إلى هناك ليفتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين وليتصافى مع الرئيس جورج بوش. وكان الأخير تحت الضغط الذي يواجه بلاده بسبب احتلال العراق وسير الأمور هناك خلافا لتوقعات الصقور في إدارته. وطلب مساعدة الأمم المتحدة ودول أوروبا القديمة مثل ألمانيا وفرنسا لتخفيف الأعباء عن كاهل الولايات المتحدة في العراق.

وتأمل برلين وباريس، وكذلك موسكو، في أن تتراجع واشنطن في المستقبل القريب عن معارضتها لحصول شركات فرنسية وألمانية وروسية على عقود اقتصادية والمساهمة في عملية إعادة تعمير العراق. لكن ليس هناك ما يشير إلى عزم الأميركيين التراجع عن موقفهم عقابا للدول الثلاث على موقفها من حرب العراق، علما أن الشركات الفرنسية والألمانية والروسية قامت ببناء مشروعات كبيرة خصوصا شبكات المياه والكهرباء والهاتف في العراق. ونظرا إلى الوضع المالي العراقي الصعب وحاجة المواطنين إلى الماء والكهرباء وخطوط الاتصال فإن من الأفضل تكليف شركات فرنسية وألمانية وروسية إصلاح الشبكات التي دمرتها طائرات الحلفاء خلال الحربين الماضيتين بدلا من بناء شبكات جديدة تزيد من الديون الخارجية للعراق.

في حرب الخليج الثانية العام 1991 دفعت ألمانيا 17 مليار مارك (5,8 مليارات يورو) ضريبة امتناعها عن المشاركة في الحرب، بصورة مساعدات مادية وعسكرية لـ «إسرائيل» وتركيا والولايات المتحدة. غير أن عدم استتباب الأمن والاستقرار في العراق حتى اليوم وبعد مضي أكثر من عام على الحرب الأخيرة، إضافة إلى التوتر الذي خيم على العالم الغربي خصوصا بعد تفجيرات مدريد، ساعد في تحمس ألمانيا لتقديم مساهمة في إعادة بناء العراق بصورة مساعدات إنمائية تقدمها وزارة التعاون الاقتصادي والإنماء ومساعدات أمنية بإيعاز من وزير الداخلية الألماني وبالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان المستشار شرودر قد اتفق مع المسئولين الإماراتيين خلال الزيارة التي قام بها لبلدهم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على أن يقوم خبراء أمن ألمان بتدريب فرق من الشرطة العراقية داخل قواعد في دولة الإمارات العربية المتحدة مساهمة من ألمانيا في تعزيز مستوى الشرطة ومكافحة الجريمة. وعرض شرودر على الرئيس الأميركي هذه المساهمة التي سبق وأن قامت بها ألمانيا في أفغانستان إذ أسست فيها كلية للشرطة، كما شرح له تفاصيل المساهمات التي تقوم بها القوات المسلحة الألمانية في أفغانستان، معربا عن رأيه في أن هذه أقصى طاقات القوات الألمانية ولا يمكن لها المساهمة بجنود في مهمة فرض الأمن والاستقرار في العراق.

ويرى المراقبون أن شرودر الذي ساعده موقفه المعارض لحرب العراق بفوزه بولاية جديدة في منصبه في سبتمبر/ أيلول العام 2002 يتجنب التراجع دفعة واحدة عن موقفه ليحفظ ماء وجهه، لكن ألمانيا اليوم في مقدمة الدول التي تسعى إلى قيام عراق جديد. وترى برلين أنه من مصلحة ألمانيا، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، إحلال الأمن في العراق وعدم تركه لأيدٍ تعبث بأمنه، الأمر الذي دفع إحدى الصحف الألمانية الكبيرة لتحذير وزير الدفاع الألماني بيتر شتروك الذي قال: «إن أمن ألمانيا ينبع من منطقة الهندكوش». وقالت الصحيفة «إن أمن ألمانيا ينبع من العراق أيضا». وترمي ألمانيا من وراء المساهمات في أفغانستان والعراق إضافة إلى تخفيف الأعباء عن كاهل الولايات المتحدة، إلى تجنب إرسال جنود ألمان للعراق. وهذا ما يحظى حتى الآن بقبول الأميركيين. لكن السؤال الكبير: ماذا سيكون موقف الحكومة الألمانية إذا طلبت حكومة عراقية منتخبة من حلف شمال الأطلسي نشر قوات تابعة له في أراضي العراق؟

الأمر الذي لا خلاف عليه، أن أجهزة الأمن الألمانية تجد في تحليلاتها أن ألمانيا موجودة على قائمة من تصفهم بالجماعات الإرهابية. ولاشك أن مساهمتها الجديدة في العراق، بتدريب قوات الشرطة العراقية في بلد مجاور تم اختياره منعا لسفر خبراء الأمن الألمان إلى العراق ومغبة تعرضهم لاعتداءات، مثل مساهماتها في أفغانستان، تغيظ هذه الجماعات وربما تدفعها إلى القيام باعتداءات داخل ألمانيا، حيث يوجد مئة أصولي متطرف على الأقل على أتم الاستعداد للقيام بأعمال عنف وفقا لبيانات المخابرات الألمانية (بي أن دي).

مزاح ثقيل!

وهكذا يرى المحللون نهاية فترة العفو عن القيام باعتداءات في ألمانيا أو ضد مؤسسات ألمانية في الخارج بسبب موقف شرودر المعارض لحرب العراق الذي وفر الحماية لبلده من انتقام الأصوليين. وقد توقفت الحياة العامة في مدينة دوسلدورف قبل أيام بعد ورود اتصال هاتفي مع أحد مخافر شرطة عاصمة ولاية شمال الراين وستفاليا وقيل أن رجلا أجنبي اللكنة قال: «ستنفجر قنبلة في محطة القطارات الرئيسية في السابعة صباحا»، لكن بعد إخلاء المحطة وتوقف الحياة العامة في المدينة لم يعثر على قنبلة. هناك شك بأن العملية قد تكون عبارة عن مزاح ثقيل، لهذا توعد المدعي العام بإنزال عقوبة قاسية ضد صاحب الاتصال.

وكلما برز دور ألمانيا في الحرب على الإرهاب ودورها في تعمير أفغانستان والعراق كلما زاد خطر وقوع اعتداءات داخل أراضيها، وهذا ما تؤكده تصريحات بعض وزراء الداخلية في الولايات الذين يطالبون الحكومة الألمانية بإبعاد الإسلاميين الذين يشتبه بنواياهم في إطار حملة وقائية وإنشاء بنك للمعلومات يسهل تبادل المعلومات بين أجهزة الأمن المحلية بشأن تحركات الأصوليين النشطين في ألمانيا.

الدور الألماني في العراق شبه محاط بالسرية، ولهذا السبب لم تتحدث وسائل الإعلام الألمانية بصورة موسعة عن سفر خبراء الأمن الألمان إلى دولة الإمارات، كما وصل 132 من أفراد الشرطة العراقية إلى رأس العين وسط سرية تامة، ليس حرصا على دور ألمانيا وأمن المدربين الألمان فحسب بل أيضا نظرا إلى الوضع الأمني المتوتر داخل العراق حيث يتعرض أفراد الشرطة العراقية لهجمات متواصلة. ووقع اختيار ألمانيا على دولة الإمارات لتدريب الشرطة العراقية فيها نظرا إلى المواصفات الأمنية لهذه الدولة التي تعتبر واحدة من أكثر دول المنطقة التي تتمتع بالأمن. كما تتحمل الإمارات كلف برنامج التدريب الذي بدأ يوم السبت قبل الماضي ويشرف عليه اثنا عشر خبيرا ألمانيا من مكتب الجنايات أو «الشرطة الفيدرالية» وثمانية من المترجمين.

وهناك اهتمام ياباني وفرنسي بتقديم مساهمة مماثلة، والمشاركة في هذا البرنامج إذ بدأت مفاوضات مع إدارة الحكم في بغداد وحكومة الإمارات، وتريد اليابان المساهمة بتزويد الشرطة العراقية باللباس والعتاد. وتنتهي المرحلة الأولى من برنامج التدريب في منتصف أبريل/نيسان. وفي حال انتقال العراقيين كما هو مخطط له بتاريخ 30 يونيو/ حزيران ستضطر ألمانيا لسؤال الحكومة العراقية إذا كانت ترغب في مواصلة برنامج التدريب، ومن المرجح أن تقبل بالعرض الألماني.

واختارت إدارة الحكم ومجلس الحكم المؤقت الدفعة الأولى من أفراد الشرطة العراقية لتلقي تدريبات المرحلة الأولى من البرنامج الذي تركز على الكشف عن الجريمة وتقفي الآثار والتدرب على تقنية البصمات. هذا المشروع من وجهة نظر وزير الداخلية الألماني، بالغ الأهمية لأن بناء جهاز جيد للأمن الداخلي يعزز الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في العراق لاسيما وأن العراقيين يعتبرون مشكلة الأمن بين مقدمة العراقيل التي تواجههم في فترة ما بعد الحرب. وأوضح المسئول الألماني أن المساهمة الألمانية ترمي أيضا إلى مكافحة ما وصفه بالإرهاب الدولي.

وهذا المشروع هو الثالث من نوعه الذي صدرته ألمانيا للخارج، ورأس العين هي المحطة الثالثة له بعد البلقان وأفغانستان التي تخرّج أكثر من ألفي شرطي وشرطية من كليتها العسكرية في العام 2002

العدد 571 - الإثنين 29 مارس 2004م الموافق 07 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً