لا وزير فوق المساءلة، حتى لو افترضنا - وهو افتراض لم يثبت - أن الهدف من استجواب وزير الصحة إغواء الآخرين والتشويش على استجواب الوزراء الثلاثة في قضية هيئتي التقاعد والتأمينات، فهذا عمل ضمن المساحات المسموح بها، ومن حق كل طرف التحرك ضمن أجندته التي يرى أنها تخدم (المصلحة العامة)، وتحقق (الأهداف الوطنية). وللجميع، بما في ذلك الوزراء المستهدفون بالاستجوابات، فرصة الاستفادة من وسائل الإعلام للتعبير عن آرائهم، واستمالة الرأي العام والنواب. بل إن عدم فعل ذلك هو القصور بعينه، كما من حق الجميع التحرك وعمل لقاءات خاصة وعامة وتشكيل لوبيات بهدف إقناع الآخر بوجهة نظر ما... والحكم في النهاية سيكون للرأي العام، وللنواب الذين بيدهم الإطاحة بالوزير. لا أحد يختلف على أن الوزراء والمسئولون ليسوا بوزن واحد. هذا سيئ، ربما. لكن هذا واقعا، ينعكس استحقاقات، تتجلى على أداء النواب وغير النواب، وربما يأمل كثير منهم في محاسبة هذا الوزير أو ذاك، ويمنعه من ذلك مانع لا يتعلق بقلة المعلومات أو عدم صدقيتها، بقدر تعلقها بواقع سياسي قد فرض التأخير وغض البصر. قد يُوجّه نقد لهذا السلوك، لكن الحقيقة الساطعة أن الجميع يمارس هذه اللعبة، معارضة وموالاة. وحتى شعبيا قد لا يجد بعضنا قدرة على نقد أمور يود نقدها، لأن خطوطا حمر تمنعه من ذلك، وبالمناسبة فإن بعض الضغوط الاجتماعية قد تفوق في قسوتها إجراءات أمن الدولة. ليس هذا تبريرا لأي خطأ، أو موقف متكاسل، إذ الحديث يتركز هنا على المناورة السياسية التي تمارسها بعض الأطراف، في بلد ينظر فيه إلى المناورة على أنها «تخل عن المبادئ»، إذ السياسة في نظر كثيرين أبيض وأسود، وكل مناور «كذاب وخائن». إلى ذلك، فإن الإطاحة بالوزراء المستجوبين ليس نهاية المطاف. فالواقع لا يشجع بأن التعيينات المقبلة ستكون أحسن من ما مضى. وهذا يفرض على الناشطين تحركا استباقيا يلح في المطالبة بأن يكون أي تغيير «تقدميا» فعلا
العدد 569 - السبت 27 مارس 2004م الموافق 05 صفر 1425هـ