اختلطت المرثيات بالتحليل في الصحف العربية، التي تناولت على نحو واسع نبأ اغتيال مؤسس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وأدانت اغتيال الشيخ الشهيد. وأبرزت الحدث الجلل في صفحاتها الأولى وتوقعت افتتاحياتها أن ينتج عن حادث الاغتيال الآثم للرمز الأكبر للمقاومة الوطنية الفلسطينية ازدياد إقبال الشباب الفلسطيني الطوعي على المهمات الاستشهادية بأضعاف مضاعفة، كما جاء في افتتاحية «الوطن» القطرية، وعلى رغم إجماع المعلقين على إدانة الجريمة بحق شيخ الشهداء أحمد ياسين، برز تباين في قراءة الحدث الجلل، ففي حين اكتفى البعض بالإدانة والاستنكار، لاحظ البعض الآخر، ان شارون يتصرف وكأنه يملك تفويضا أميركيا بقيادة «الشق الفلسطيني من الحرب على الإرهاب».
واعتبر رئيس تحرير «السفير» جوزيف سماحة، ان اغتيال ياسين هو اختبار جدي لما تبقى من رصيد لهذه القضية في العالمين العربي والإسلامي. فإذا أمكن تطويق ردود الفعل، سيدرك شارون معنى الخط الأحمر الذي سقط. فما يريده شارون هو إلغاء الاستثناء الذي يميّز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومعيار النجاح الفعلي في ذهن شارون انتفاء الفرق بين أحمد ياسين وأسامة بن لادن، وبين ياسر عرفات والملا محمد عمر. ومن هنا رأى معلقون عرب كثر، خطرا حقيقيا يترصد الشعب الفلسطيني. إذا لم يتحرك العرب جديا لشد أزر الفلسطينيين على أبواب قمة عربية مرتقبة في تونس. لكن هناك أيضا من رأى ان غياب العرب عن المسرح الدولي ورفض مطالبه حتى قبل أن يعرفوها ويطلعوا عليها؟ أي رفضهم المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير، يجعلهم خارج دائرة القرار فكيف سيحاسبون شارون؟ من جهة أخرى، كرر أكثر من معلق عربي، القول إن «التاريخ لن يسامح الاسرائيليين والله سيحكم على الجميع» في إشارة إلى العبارة التي واجه بها الشيخ الشهيد القضاة الإسرائيليين حين حكموا عليه بالمؤبد يوم كان معتقلا في السجون الإسرائيلية. ولاحظ الجميع ضعف الشيخ وهزال جسده أمام الجبروت العسكري الإسرائيلي. وعنونت منى فرح في «القبس» الكويتية، «قاوم بضعفه وأعطى للقوة معنى آخر» ورأت «القبس» ان العرب جميعا مسئولون عن دم ياسين وعن دم محمد الدرة وعن مصير المقدسات وشعب فلسطين الثائر. وحذرت «الخليج» الإماراتية، العرب، فدم شيخ الشهداء أحمد ياسين دمكم أيها العرب. دافعوا عن دمكم قبل أن تصل إليكم سكاكين الجزارين من ليكوديين ومحافظين جدد. مشددة على انه يجب أن تشكل دماء شيخ الشهداء وثلة الشهداء الذين قضوا إلى جانبه محطة فاصلة في تاريخ المنطقة العربية وتحولا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ورده إلى أصوله باعتباره صراعا وجوديا وليس صراعا حدوديا. وشددت «البيان» الإماراتية، على ان قاتل الشيخ ياسين ليس شارون وحده. واعتبرت ان العرب المتخاذلون، هم شركاء أيضا لأنهم تركوا إخوانهم في فلسطين بين أنياب عدو مجرد من الإنسانية. مشددة على ان المقاومة لن تموت ورجالها كلهم «ياسين».
واعتبر عبدالباري عطوان في «القدس العربي» الفلسطينية، ان اغتيال الشيخ ياسين هو بداية العد التنازلي لزوال الدولة العبرية ككيان عنصري بغيض تماما مثلما كان الإفراج عن مانديلا بداية النهاية للنظام العنصري المماثل في جنوب إفريقيا. وإذ طلب عطوان، الرحمة للشيخ ياسين، ورفض التعزية بوفاته، عزى الأمة، ساخرا، في زعاماتها الأموات الأحياء أو الأحياء الأموات. وتحت عنوان «إسرائيل وأبواب الجحيم» رأت «الوطن» القطرية، انه من المحتم أن ينتج عن حادثة الاغتيال الآثم للرمز الأكبر للمقاومة الوطنية الفلسطينية ازدياد إقبال الشباب الفلسطيني الطوعي على المهمات الاستشهادية بأضعاف مضاعفة. وإذ اعتبرت «الشرق» القطرية، ان اغتيال ياسين جريمة وحشية بكل المقاييس. رأت ان دم الشيخ حجة على المجتمع الدولي. أما «تشرين» السورية فلفتت إلى ان شارون الذي خطط وأشرف على عملية اغتيال الشيخ ياسين هو رأس الهرم الإرهابي في الكيان الصهيوني. معتبرة انه من المخزي نعته برجل «السلام». في إشارة من الصحيفة السورية، إلى اللقب الذي أغدقه الرئيس الأميركي جورج بوش على رئيس الوزراء الإسرائيلي. لكن تشرين، عرجت على القمة العربية المنوي عقدها في تونس، لتلفت العرب إلى ان الصورة القاتمة في ضوء التطورات المتسارعة تستوجب صحوة عربية خصوصا ان القمة على الأبواب وتستدعي من القادة العرب تحركا على مستوى المخاطر المحدقة. من جانبها، «الرياض» السعودية، قالت ان «إسرائيل» في حال غيبوبة إذا اعتقدت ان قتل رمز مثل الشيخ ياسين هو نهاية الطريق الصعب. ولفتت إلى ان أميركا تطلب التهدئة بين الطرفين لكنها لا تدين ولا تعاتب «إسرائيل» على اغتيال ياسين لكن لو كان القتيل بوزن شارون أو نتنياهو لربما كان الحدث بحجم كارثة كونية. لكن الصحيفة السعودية، أكدت ان صاحب الحق لا ينهزم أمام الجبروت العسكري على عكس من يعتقد انه جاء بتفويض ديني ودولي لاستعادة أرضه. ولاحظت «الوطن» السعودية، بعد أن لفتت إلى ان شارون رئيس الوزراء «المفترض» لدولة «مفترضة» أمر بقصف الشيخ المقعد أحمد ياسين، اتساقا أميركيا إسرائيليا فسألت: ماذا عن العرب؟. وأكدت أن أحدا لن ينفع فلسطين سوى أبنائها ولا أحد سيمد يد العون للعرب وقضية العرب إلاّ قادتها. وفي السياق عينه، كتبت «الأخبار» المصرية، ملاحظة في العنوان ان «السفاح يهنئ جنوده!!» لافتة إلى ان على واشنطن أن تجيب عن سؤال مهم قبل أن تتحدث عن ضبط النفس وعن أي سلام في المنطقة وهذا السؤال هو «من هو الإرهابي الذي يجب أن تحاربه»؟. وأكدت أنه من الأفضل للإدارة الأميركية في هذا المنعطف الخطير ألاّ تعود للخلط الفاضح والمتعمد في المفاهيم الراسخة وفي التعريفات التي لا تقبل التأويل بين «مقاومة الاحتلال» وبين «الإرهاب». وتوقعت «الأهرام» المصرية، أن يزيد استشهاد ياسين المقاومة اشتعالا.
وحذرت من انه إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل سريع لحماية الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المشروعة إليه فإن الإرهاب الإسرائيلي المتواصل والذي بلغ مستوى مذهلا في إجراميته سوف يطلق عنفا مضادا تكتوي به «إسرائيل» قبل الجميع. ورأى طاهر العدوان في «العرب اليوم» الأردنية، ان اغتيال ياسين هو اغتيال للسلام. لافتا إلى ان شارون ليس رجل سلام كما وصفه راعي جرائمه بوش ولا هو مؤهل لأن يكون شريكا في أية عملية سلام لا مع الفلسطينيين ولا مع السوريين واللبنانيين. لكن «الدستور» الأردنية، بعد أن اعتبرت ان «إسرائيل» أرادت من اغتيال ياسين إحداث ردود فعل مرسومة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية حذرت من ذلك المخطط الرهيب. من جهته، اغتنم أحمد الجار الله في «السياسة» الكويتية، المناسبة، ليلفت العرب إلى ان عدم مشاركتهم في التطورات العالمية ورفضهم المشروعات الأميركية تجعلهم خارج دائرة القرار. فبعد أن لفت إلى ان الشيخ ياسين انتقل إلى جوار ربه على يد شارون وباعترافه الرسمي، سأل عما سيفعله العرب؟ ولماذا لا يعتمد العرب ضربات وقائية لا تعتمد على الأدوات العسكرية وإنما على الانسجام مع مطالب المسرح الدولي والانخراط فيه والتفاهم على الأدوار المفروض أن يلعبوها على خشبته بدلا من إعلان الكراهية عليه ورفض مطالبه حتى قبل أن يعرفوها ويطلعوا عليها؟ في إشارة منه إلى المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير. وأكد حافظ البرغوثي في «الحياة الجديدة» الفلسطينية، ان الاغتيال سمة الجبان وصفة الغادر وميزة اللئيم. ولفت إلى ان شارون ومن حوله من عصابة اليمين لا يدركون ان لرجال الدين هيبة خاصة لا تختفي مع الأيام بل تتجدد. ولهم في الشيخ المجاهد أحمد ياسين خير عبرة من حيث ان روحه تنتقل من جيل إلى جيل. وحذر البرغوثي أخيرا من ان شارون يتحمل مسئولية أي دم إسرائيلي منذ الآن ردا على جريمته. ووصف نبيل عمرو (وزير الإعلام الفلسطيني السابق) في «الشرق الأوسط» اللندنية، الشيخ الشهيد بأنه «رجل التفاهمات الصعبة» الذي يتمتع بخصائص القائد «البراغماتي» مستذكرا محطات في العلاقة بين ياسين والسلطة الفلسطينية. لافتا إلى انه تعاون مع حكومة «أبومازن»، (الحكومة الفلسطينية السابقة) في أخطر وأصعب تجربة قادتها هذه الحكومة، وهي الهدنة. وإذ لاحظ عمرو، ان هذه العملية الضخمة تأتي في وقت ينهمك فيه العالم لاحتواء مغامرات شارون، رأى انه في كل الأحوال، ومهما بدت عملية اغتيال ياسين مؤيدة من قبل غالبية الإسرائيليين، إلاّ انها في الجوهر لن تحقق النتائج الأمنية المرجوة منها من قبل شارون. لكن عمرو، لاحظ أيضا ان جوّا ملبدا بالغموض والاضطراب والاحتقان يهيمن الآن على عقول صنّاع القرار على الجانب الفلسطيني وربما الدولي، ويزداد هذا الجو غموضا واحتقانا بفعل ما هو متوقع من خطوات أخرى سيقدم عليها شارون. واعتبر غسان شربل في «الحياة» اللندنية ان الشظايا التي اغتالت الشيخ ياسين أصابت أيضا السلطة الفلسطينية والوساطات العربية و«اللجنة الرباعية» واحتمالات العودة إلى التفاوض و«رؤيا» بوش وآمال السلام. فهذه الجريمة دعوة إلى فتح شهية المقابر. وإذ لاحظ شربل، انه على وقع سيناريو الانسحاب من غزة وجدار الفصل وعلى وقع الانفجارات العراقية والجثث الموزعة في مدريد أعد شارون جريمته، وتوقع أن لا يتسنى لشارون الاحتفال فمسرح المواجهة موعود بزلازل يخشى هذه المرة أن تتجاوز حدود مسرحها. واعتبر رئيس المجلس الوطني للإعلام عبدالهادي محفوظ في مقالة نشرتها «النهار» البيروتية، ان اغتيال الشيخ ياسين قطع الطريق على الانقسامات داخل «ليكود». وأخرج بذلك شارون «خطة فك الارتباط مع غزة» من الجدل الداخلي مرحليا على الأقل. لكن محفوظ، رجح أن يكون التصعيد العسكري سيد الموقف. موضحا ان الاغتيال سيرفع وتيرة التضامن الفلسطيني بين مختلف الفصائل الفلسطينية وتحديدا بين «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«كتائب الأقصى».
واعتبر انه إذا كان من المتوقع فلسطينيا محاولة اصطياد رؤوس إسرائيلية كبيرة، فانه ليس من المستبعد كرد فعل سقوط المعادلة التي تميّز بين العسكريين والمستوطنين والمدنيين الإسرائيليين على الأقل لفترة غير قصيرة. وختم بالقول ان المرحلة المقبلة هي مرحلة هدر الدم الفلسطيني واليهودي خلال الأشهر الثمانية التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية. ورأى جوزيف سماحة في «السفير»، ان الشعب الفلسطيني في حال خطر. فقد لاحظ ان آرييل شارون ببطء وتصميم وبرودة ووحشية وجذرية، وبإدراك جدي لهدف واضح وجلي، وباستخدام القوة والإيحاء الدائم بالمزيد منها، كما بتحرّر من قيود والتزامات، وباستفادة من مناخ إقليمي متداع ومن إجازة أميركية وتردد أوروبي، يستمر في سعيه الدؤوب نحو تحقيق إنجاز حياته. وهو، في الجوهر، معنى المشروع الصهيوني في طبعته الأصلية: الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني. ومن هنا وبعد هذا التوصيف للظروف المحيطة بجريمة اغتيال الشيخ الشهيد، رأى سماحة، ان اغتيال ياسين محطة على هذه الطريق. وهي أيضا اختبار، فأحمد ياسين رمز روحي. ولقد اغتيل فجرا لحظة انتهائه من الصلاة بما يعزز من اندماج الديني والوطني في شخصه. وإذ اعتبر سماحة، ان هذا الاندماج يطال تحديدا فلسطين والقدس، لا أفغانستان أو أندونيسيا، رأى انه اختبار جدي لما تبقى من رصيد لهذه القضية في العالمين العربي والإسلامي. فإذا أمكن تطويق ردود الفعل، سيدرك شارون معنى الخط الأحمر الذي سقط. فما يريده شارون هو إلغاء الاستثناء الذي يميّز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وشدد سماحة على ان الفلسطينيين شعب في حال خطر. أشقاؤه أعجز عن مساعدته ومعرضون عن ذلك إلاّ بالحدود التي تبدو فيها المساعدة جزءا من الدفاع عن السلطة. وتعليقا على ردود الفعل في الشارع العربي، على اغتيال ياسين، رأى سماحة، ان المفاجأة جاءت من بغداد. فهناك حصلت التظاهرة الأولى التي تسير لغير سبب عراقي منذ عام وأكثر. فأكد أن بغداد المحتلة انتصرت لفلسطين المحتلة. وإذ لفت إلى ان بعض مستنكري الاغتيال من العراقيين قرروا العيش مع التناقض على أساس «العراق أولا»، لفت إلى ان هؤلاء سيكتشفون لاحقا، صعوبة أن يكون العراق أولا من وجهة نظر أميركية، إلاّ إذا كان هذا العراق جزءا من استراتيجية «إسرائيل أولا» في المشرق العربي و«أميركا وحدها» في العالم. ورجحت سحر بعاصيري في «النهار» ان رجلا مثل شارون يعشق السلطة كما يعشق قتل الفلسطينيين لا يقدم على اغتيال ياسين ما لم تكن محسوبة. ولفتت إلى ان وجه المغامرة الوحيد في ما يفعل شارون يكمن إذ رهانه، بمعنى ألاّ تحتمل واشنطن رد فعل عربي قوي على ما يفعله. ومن هنا شددت بعاصيري، على ان رد الفعل العربي هو الوحيد القادر على حماية السلطة الفلسطينية ورئيسها. مشددة أيضا على انه لا بد أولا من الإسراع في التحرك واتخاذ قرار يتجاوز مجرد الإدانة ويلاقي التحركات الشعبية. وكتب صاحب «النهار» البيروتية غسان تويني، مقالة أشبه بمرثية، رأى فيها ان الشيخ الشهيد أحمد ياسين على دفاعه عن العنف، فيه شيء من زعامة غاندي. معتبرا ان الرجل الذي كان منذ الثانية عشرة شهيد مرضه، مقعدا، أسيرا على كرسيه إذ اغتالته صواريخ، يستحق أن يشبّه بالمهاتما غاندي، «نبي اللاعنف». واعتبر، استنادا إلى مواقف الشيخ خصوصا حين خاطب القضاة الإسرائيليين إذ قال: «التاريخ لن يسامحكم والله سيحكم على الجميع». اعتبر تويني، ان وحده هذا الكلام، كان يستحق من البابا يوحنا بولس الثاني أن يرثيه. وعاد تويني، إلى عبارات للشيخ، كان قد عنون بها مقالته، «أنا هنا في السجن لا أعدّ الأيام». لافتا إلى ان شارون وحده الآن يعد الأيام. وسوداء، مضرّجة بالدم. و«إسرائيل» شارون كذلك. وكان تويني سأل مبتدءا عما إذا كان آرييل شارون قصد أن يعيّن نفسه، «عينا قبال عين» أحمد ياسين، و«سنا قبال سن». كما في «العهد القديم»؟ فاستنتج تويني: إذا... وحده شارون يمكن أن يستأهل الانتقام. فهو العدو الأكبر. إنما متميزا بأنه ليس عدو الفلسطينيين والعرب أجمعين فحسب، بل هو كذلك العدو الذاتي لـ «إسرائيل». لكن يستدرك صاحب «النهار»: أين لعينيه هذه النظرة الهادئة بل الهانئة، المبتلّة دوما بدمعة بلورية ولو كانت مبتسمة؟ فغدا، عندما يكتب مستحق سيرة الشيخ، ستستهويه روحانية الرجل أكثر من قيادته للعمليات الاستشهادية. ثم انه لن يستحق، ولو مات مضرّجا بدمائه، لقب الزعيم الروحي لشعبه أو حزبه
العدد 569 - السبت 27 مارس 2004م الموافق 05 صفر 1425هـ