ساهمت المتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي في إحداث تغير كمي ونوعي في مستوى مشاركة المرأة في قوة العمل سواء في الدول الصناعية المتقدمة والحديثة التصنيع أو في الدول النامية.
وفي هذا السياق، ارتبطت مشاركة المرأة البحرينية في سوق العمل بدورة التطور الاقتصادي التي مر بها المجتمع البحريني. فقد ارتبط تاريخ الاقتصاد الحديث في البحرين بالتحول الكبير الذي أحدثه تدفق النفط الذي تم اكتشافه العام 1932، والذي أدى إلى اعتماد الاقتصاد البحريني على الدول الرأس مالية المتقدمة، وهذا بدوره أدى إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية التقليدية التي اعتمد عليها السكان، والتي ارتبطت بالموقع الجغرافي والظروف الإيكولوجية التي تركزت في قطاع الغوص والزراعة والتجارة، ما جعل الاقتصاد الوطني أقل اعتمادا على نفسه وأكثر اعتمادا على الخارج.
شاركت المرأة البحرينية مع الرجل في النشاط الاقتصادي في فترة ما قبل النفط، وساهمت في تعزيز دخل العائلة عن طريق نقل المياه، وصيد السمك، وتربية الدواجن، وبيع البيض، والعمل خدما في منازل الطبقة الغنية والأنشطة التقليدية الأخرى وهي المهن التي تعتبر «مقبولة اجتماعيا» إذ لا تختلط فيها النساء بالرجال وخصوصا أن التقاليد لم تكن تسمح للرجال بتقديم خدمات إلى النساء.
المرأة وسوق العمل
لعب النفط دورا كبيرا في إحداث تغيير شامل وتحول هيكلي تاريخي في البنية الاقتصادية منذ منتصف السبعينات، إذ ارتبط ذلك بزيادة عائدات النفط التي أنعشت الاقتصاد بخطى واسعة، وأدت زيادة الإنفاق الحكومي إلى تحديث البنية الأساسية والخدمات الإدارية والاجتماعية، وهذا تزامن مع قيام الحكومة بتبني تشريعات اقتصادية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الوطني وخصوصا في مجال الخدمات المصرفية والمالية. وخلق فرص جديدة للتعليم والتوظيف ما أعطى دفعة في توسيع مشاركة المرأة في التعليم ومهد إلى زيادة مشاركتها في النشاط الاقتصادي وفي مختلف مجالات العمل.
ويعزو الباحثون ارتباط النمو الاقتصادي وتنوعه ما بين 1959-1981 إلى الزيادة التي طرأت على إجمالي القوة العاملة في الدولة والتي قدرت بنحو 3 في المئة ما بين 1959 و1965، و14,2 في المئة من 1971 إلى 1981، وتناقصت إلى 11,11 في المئة من 1991 إلى 2001، إذ تشير الإحصاءات إلى أن الزيادة أو النقصان في حجم القوة العاملة مرجعهما النمو السكاني المطرد الذي حدث ما بين 1971 و1981، إذ قدرت الزيادة السكانية بنحو 5,8 في المئة، وتناقصها إلى 3,6 في المئة ما بين 1981 و1991، و2,7 في المئة من 1991 إلى 2001. وكذالك تدفق العمالة الأجنبية وزيادة الهجرة من قبل العمال الأجانب وذويهم الذين قدر عددهم بـ 32 في المئة من إجمالي السكان العام 1981، وشكلوا 56 في المئة من مجموع القوى العاملة، و37,6 في المئة في العام 2001. وأيضا مما أثر على زيادة حجم القوى العاملة زيادة أعداد الخريجين من البحرينيين في مستويات التعليم كافة، ومساهمة المرأة في قوة العمل التي قدرت حتى العام 1981 بـ 15,11 في المئة من مجموع القوة العاملة البحرينية، وعليه أصبحت المرأة البحرينية شريكة مهمة في توسع القوة العاملة، كما تميزت بأعلى نسبة للمشاركة مقارنة بدول الخليج الأخرى.
استطاعت المرأة مع نهاية الستينات دخول قطاعات اقتصادية خدمية رئيسية مثل قطاعات التعليم والخدمات الطبية وأعمال السكرتارية، وخصوصا بعد تمكن الدولة من تشغيل أكبر عدد من المواطنين بعد استقلال البحرين العام 1971، والارتفاع الكبير في أسعار النفط والتوسع السريع في إنتاج الألمونيوم وبناء السفن وإصلاحها والتشييد وخدمات المصارف والاتصالات.
قامت الدولة في مطلع السبعينات باتباع سياسية تنويع مصادر الدخل وتحويل البلاد إلى مركز للخدمات المالية تمهيدا لتقليل الاعتماد على النفط، ومما ساعدها على ذلك موقع البحرين الجغرافي الذي سهل التعامل مع أسواق المال العالمية، وشجع عددا كبيرا من المصارف والشركات المالية والتأمين العالمية على نقل جزء من أنشطتها إلى البحرين.
المرأة البحرينية في قوة العمل
يتفق معظم الباحثين الاقتصاديين على أن معدل مشاركة المرأة في سوق العمل يعتبر مؤشرا رئيسيا على مكانة المرأة في المجتمع، على رغم أن البعض الآخر يعتبرها مؤشرا على الحداثة، وليس من الضروري أن يعكس مكانة المرأة في المجتمع، إذ إن الأخيرة مرتبطة بالتغيرات على المستويات الاجتماعية والقانونية، إلا أن تطور هذا المؤشر يعكس التغيرات التي حدثت على دور المرأة في التنمية الاقتصادية.
ان بداية مشاركة المرأة البحرينية في العمل خارج المنزل تختلف عنها في الدول الصناعية التي بدأت أثناء الثورة الصناعية، لذلك فالبداية الفعلية لدخول المرأة البحرينية في سوق العمل كانت بانخراطها في سلك التدريس في مدارس البنات العام 1928، ثم تبعها التمريض العام 1941. ويعلل بعض الباحثين سماح المجتمع للمرأة البحرينية بالمشاركة في هذين القطاعين بوجود نساء غير بحرينيات سبقن المرأة البحرينية في العمل في هذين القطاعين، الأمر الذي هيأ لتقبل الناس لعمل المرأة خارج المنزل.
كما أن الإصلاحات الإدارية والتوسع في تقديم الخدمات إلى المواطنين فتحا المزيد من المجالات لمشاركة المرأة في قوة العمل البحرينية، فحسب إحصاءات 1959 شكلت النساء 3,6 في المئة من مجموع القوى العاملة، وهذه نسبة متدنية وعلى رغم أنها ظلت تتصاعد على مدار العقدين الماضيين، فان المعدل لم يتجاوز 4,85 في المئة حتى العام 1971، وارتفع إلى 15,11 في المئة العام 1981، ومن ثم إلى 19,35 في المئة العام 1991، و25,77 في المئة في العام 2001 من مجموع القوى العاملة البحرينية، هذا مع الأخذ في الاعتبار معدل البطالة بين النساء البحرينيات، الذي وصلت نسبته إلى 11,8 في المئة في العام 1991 و10,5 في المئة في العام 2001. ويشير الدارسون إلى تأثير الحالة الزواجية للمرأة بشدة على نسبة مشاركتها في القوى العاملة، إذ بحسب تعداد 1981 فان النسبة ترتفع عند غير المتزوجات إلى 17,1 في المئة وتنخفض عند المتزوجات لتصل إلى 8,9 في المئة فقط.
يذكر أن مشاركة المرأة في قوة العمل النسائية اقتصرت على الجانب الكمي، فمن المهم مراقبة الجانب الكيفي، في طبيعة فرص العمل المتاحة للمرأة في الاقتصاد البحريني، وما المهن التي تتركز فيها قوة العمل النسائية؟ وبالتالي ما مستويات الدخول لها؟ أو كم الأعباء والتحديات التي تواجهها. إذ إن هذه العناصر تعتبر من المكاسب التي تحقق للمرأة مكانتها في المجتمع. ومن الملاحظ أن أكثر من نصف النساء يعملن في القطاع الحكومي67,5 في المئة حتى العام 1991، ويتركزن في قطاع وزارتي التربية والتعليم والصحة، إذ استوعبت وزارة التربية والتعليم 56 في المئة في العام 1997، ووزارة الصحة 23 في المئة في العام نفسه، وذلك من إجمالي الموظفات الحكوميات.
وهناك أمر مهم يتعلق بمستوى الأجر الذي تحصل عليه، فهو - كما أشرنا - عامل من العوامل المهمة التي تعزز مكانة المرأة في المجتمع وتحسن من مستوى معيشة العائلة المرتبطة بها وكذلك أهميته باعتباره حافزا لزيادة الاستثمار في التعليم والتدريب. فقد سجلت الأرقام تراجعا في متوسط أجر المرأة البحرينية مقارنة بمتوسط أجر الرجل البحريني وعلى نحو متواصل منذ العام 1988، ويعزى هذا التراجع إلى نمو مشاركة المرأة في سوق العمل وتزايد دخولها في مهن غير تقليدية بالنسبة إليها وذات أجور منخفضة. ويشكل استمرار التحول في أجور الإناث البحرينيات توجها عاما وليس حدثا عابرا، إذ استمر طيلة السلسلة الزمنية التي وصلت إلى عشر سنوات.
وكشفت احدى الدراسات عن أن 41 في المئة من النساء العاملات البحرينيات يرين أنهن يواجهن صعوبات في عملهن ترتبط مباشرة بطبيعة العمل وظروفه مثل (مواعيد العمل، عدم توافر الأجهزة، نقص التدريب وعدم التخصص، والمشكلات مع الزملاء وسوء معاملة الجمهور).
أما عند البحث عن الأسباب الكامنة وراء زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل فقد تبين أبرزها في الآتي:
1- الدور المتزايد لمؤسسات المجتمع المدني التي ساهمت ولا شك في إيجاد فرص عمل للمرأة.
2- مشروعات التنمية الاقتصادية التي دفعت بمشاركة المرأة، وما أحدثته من تغيرات في الاعتراف بدور المرأة البحرينية المجتمعي ووضعها السياسي والقانوني.
3- التراكم المستمر لرأس المال البشري، وخصوصا من تأثير ما توافر للمرأة من فرص للتعليم وحيازتها المؤهل العلمي والمهني.
4- التراجع في معدلات الخصوبة التي انخفضت من 2,26 في المئة العام 1985 إلى 1,41 في المئة في العام 2000، وكذلك الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق.
5- لغرض تحسين المستوى المعيشي للأسرة.
6- بلورة المكانة الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي، إذ إن المكانة تزداد كلما زاد دخل الفرد الوسطي في الأسرة.
7- التحسب للتطورات التي قد تحدث في المستقبل، وما له من علاقة بتحسين فرص الزواج.
كما سجل الكثير من الحالات تفشي ظاهرة التمييز ضد المرأة في شتى مجالات العمل، والتي يرجع أسبابها الباحثون إلى طبيعة واقع المرأة في المجتمع المتأثرة بالقيم والموروثات التي تتعامل مع المرأة بدونية، ومنها الحالة الزواجية، إذ تعطى أفضلية التوظيف للرجل على حساب المرأة، كما أن هناك تمييزا فيما يخص مستوى الأجور والمكافآت والحوافز إذ هي اكبر نسبيا ولصالح الرجل، وتتفاوت مقاديرها بين الوظائف الإدارية الحكومية عنها في وظائف القطاع الخاص، وكذلك التمييز ما بين مهنة وأخرى مثل التدريس والتمريض، إضافة إلى قصور تمكين المرأة من المناصب الإدارية العليا ومواقع صنع القرار.
المرأة البحرينية والتعليم
يتصف المجتمع البحريني بحب وشغف أبنائه وبناته للتعليم والتعلم. والتعليم من العوامل الرئيسية التي أثرت على ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة، إذ لم يتوافر في البحرين وحتى العقد الثاني من القرن السابق، سوى الشكل التقليدي من التعليم «الكتاب»، والذي كان قائما على تعليم الصغار من الجنسين مبادئ الدين الإسلامي إضافة إلى مبادئ القراءة والكتابة والحساب في بعض الأحيان. ويعتبر هذا النوع من التعليم نوعا من التعليم الخاص يتحمل نفقاته الأبوان، ويقوم المدرسون بتدريس الذكور في بيوتهم أو الدكاكين، بينما تقوم المدرسات بتدريس الإناث في بيوتهن فقط. وكانت أكثر «الكتاب» مختلطة الجنسين، ولكن لا يسمح للبنات بالاستمرار حين يبلغن سن الحادية عشرة من العمر.
ويرجع التعليم النظامي النسائي في البحرين إلى العام 1928-1929 إذ تأسست أول مدرسة حكومية للبنات في مدينة المحرق، ويؤرخ أحد الدارسين في تاريخ البحرين بداية التعليم النظامي النسائي إلى العام 1905 إذ تم تأسيس أول مدرسة للبنات على يد الإرسالية الأميركية، وافتتحت أول مدرسة للبنيين العام 1919. اقتصر تعليم الفتاة البحرينية حتى مطلع الخمسينات على المستوى الابتدائي، أما مرحلة التطور فقد بدأت منذ العام 1960 عندما بدأ الاهتمام بالتطوير الكمي والنوعي. لقد مر النظام التعليمي في البحرين بتغيرات كثيرة لكي يخدم أهدافا مختلفة، تمثلت في تقسيم التعليم العام إلى العلمي والأدبي ومن ثم العلوم الصحية والتعليم الصناعي والتجاري، الفندقة، الزراعة والثروة الحيوانية والأنسجة والملابس.
وتشير الأرقام إلى أن معدلات النمو للتحصيل العلمي الجامعي للسكان البحرينيين من الإناث بلغت 11,9 في المئة في الفترة ما بين 1981 و1991، وهي أسرع من معدلات النمو للذكور والتي وصلت إلى 9 في المئة، وتقاربت معدلات المتخرجين في التعليم العالي ما بين الإناث والذكور، فبلغت نسبة عدد المتخرجات 15,9 في المئة في العام 1981 مقارنة بالخريجين 22,2 في المئة، و31,8 في المئة للإناث مقارنة بـ 38,1 في المئة للذكور العام 1991، وفي العام 2001 تقاربت النسبة بشدة، ما بين 46,8 في المئة للإناث و 47,9 في المئة للذكور، ويتوقع الاقتصاديون تفوق معدلات النمو في العام 2006. وتراجعت نسبة الأميات بشكل ملحوظ من 48,1 في المئة العام 1981 إلى 28,7 في المئة العام 1991 وإلى 17 في المئة العام 2001، ويرجع ذلك إلى ازدياد الوعي في المجتمع.
يرى الكثير من دارسي موضوع المرأة في منطقة الخليج أن «التعليم والعلم هما أهم عنصرين ساهما في تغيير وضع المرأة في الخليج العربي، وقد جاء التعليم قبل العمل بفترة طويلة ولكن العنصرين مترابطان. وعلى رغم تساوي النساء البحرينيات مع الرجال في نسب الالتحاق الدراسي وتفوقهن على الرجال في التعليم الجامعي فإنهن مازلن يشكلن ربع نسبة القوى العاملة الوطنية (25,77 في المئة)، وخصوصا أن معدل البطالة بينهن هو الأعلى، فقد ارتفع من 14,9 في المئة إلى 24,8 في المئة بالنسبة إلى العمالة الوطنية ما بين عامي 1981 و1991، ووصل عدد العاطلات عن العمل والمسجلات لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية ما نسبته 64 في المئة من معدل العاطلين عن العمل البحرينيين، ومن الواضح أن مشاركة المرأة البحرينية في قوة العمل تزداد كلما ارتفع التحصيل العلمي لها.
ويؤكد أحد الخبراء الاقتصاديين البحرينيين ان زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل ستؤدي إلى انخفاض معدل الخصوبة، ما يستلزم توفير جملة من الحوافز، ومنها إيجاد مجموعة من السياسات القانونية والتنموية والاجتماعية.
غدا: المرأة في قانون العمل
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 566 - الأربعاء 24 مارس 2004م الموافق 02 صفر 1425هـ