منذ فترة، والمعلومات ترد عن الوضع الطلابي والأكاديمي في جامعة البحرين، ولكن التريث كان سيد الموقف في كل مرة ترد فيها معلومة جديدة. هذه الجامعة شهدت في التسعينات انحسارا أكاديميا حادا بسبب طغيان الجانب الأمني على كل جوانبها، وبقي الجو الأمني مسيطرا عليها إلى ما بعد عهد الإصلاح بفترة، فأطلقت الصحافة حينها اسم «غوانتنامو» على الجامعة.
إطلاق اسم «غوانتنامو» على جامعة البحرين سابقا، هذا المعتقل الأميركي الذي آلم أبناء البحرين جراء اعتقال إخوة لهم فيه، وممارسة أشد أنواع العسف والتنكيل بهم، يقينا أنه سيكون في غاية الإيذاء لهذا الصرح الوطني الذي يخرّج الأجيال، ويدفعها إلى المستقبل في كل اتجاهات التنمية المستدامة في البحرين، لا إلى القهر والعسف وقلة الحيلة.
هذا المخيال حينما يعلق في ذهنية الطلبة عند تقييمهم سلوك وممارسات الجامعة، سيقدم طالبا مشوشا وغير ناجح على مستوى المواطنة والإنتاج، وعلى مستوى ما تلقنه من معرفة وعلم وخبرة، في قبال ما يعايشه من ضغوط يومية هي أقرب إلى التدبير المقصود منها إلى الطابع الروتيني الذي تتطلبه الإجراءات الإدارية والأكاديمية، وهذا يفقده طبعا القيمة الأكاديمية والمعرفية العالية التي حصل عليها، وخصوصا مع أجواء الضغوط اليومية الخاضعة لأمزجة المسئولين، غير الملتزمة باللوائح والقوانين.
جامعة البحرين تحسنت على مستوى الإجراءات الأمنية، فبعد التشديد على الطلبة، تخففت هذه الإجراءات وأصبحت معدومة حاليا، منذ إيكال شعبة الأمن والسلامة إلى عسكري متقاعد التزم بتمدن هذه الشعبة، وهو رئيس شعبة الأمن والسلامة علي عبداللطيف.
البعض اعتبر توظيف عسكري مثلبا، وربما قفز البعض الآخر إلى أن مهنة التعليم يجب أن تبتعد عن شبح الأوضاع الأمنية وكل ما يمت إليها بصلة، نتيجة الإسقاطات السابقة في مرحلة قانون أمن الدولة، ما يجعله ينفر من كل شيء له علاقة بالأمن، لكن الأمانة تقتضي القول إن الجامعة تمدنت كثيرا على مستوى إجراءات الأمن والسلامة، بعد توظيف الكثير من أبناء البحرين في شعبة الأمن والسلامة، وغالبيتهم من خارج السلك العسكري، إذ تم تدريبهم على التعاطي المسئول والمتحضر مع الطلبة.
الجامعة وبعد تعاقب مجموعة من الرؤساء عليها، استقرت في يد سيدة يشهد لها الجميع بالطيبة والأريحية، ويعول عليها الكثيرون في تصحيح الأوضاع الخاطئة في الجامعة، وهي الشيخة مريم آل خليفة، كما أن موقعها الجديد عضوا في الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون يلقي عليها مسئولية أكبر للنهوض بهذا الصرح الوطني الكبير، وخصوصا أن الكثير من المراقبين مازالوا يؤكدون أن الوضع الأكاديمي والإداري في جامعة البحرين مازال معقدا وغير مستقر، ويحتاج إلى الكثير من الجهد والصبر منها بصفتها رئيسة جامعة لتصحيحه.
هؤلاء يرغبون في أن تكون للصحافة مهمة خيرة في تحريك هذا الملف، وتذويب الاحتقان الأكاديمي والإداري الذي نشأ جراء بعض الممارسات التي يمارسها بعض المسئولين داخل أروقة الجامعة وعماداتها وأقسامها، ويعدون بالكثير من القصص والحكايا التي تبصِّر كل صاحب بصيرة وعقل وقلب بما يجري في الجامعة، وكجزء من المساهمة في حلحلة هذه الملفات، يمكن إثارة مجموعة قضايا، لتحريك هذه الرواكد، والدفع بالجامعة إلى أن تكون صرحا وطنيا بعيدا عن ممارسات التمييز والإقصاء التي تتحرك في دوائر رسمية أخرى.
مجلس الطلبة والانتخابات
المتابع للشأن الطلابي، وتحديدا الطلبة الناشطين في مجلس الطلبة المكون من 13 منتخبا و11 معينا في دورته الثانية، يدرك أن الطلبة كانو أمام خيارين بخصوص تجربة الدخول في انتخابات مجلس الطلبة قبل عامين، الأول: كان عدم المشاركة في انتخابات مجلس الطلبة، لعدم امتلاك هذا المجلس الصلاحيات المطلوبة سوى رفع المقترحات غير الملزمة لإدارة الجامعة، ورأى بعض الطلبة ممن دعا إلى عدم المشاركة أن المجلس جاء لخلق ذريعة لرفض وزارة العمل إشهار الاتحاد الطلابي في العام 2001، أما الخيار الثاني، فكان المشاركة في انتخابات مجلس الطلبة على رغم كل هذه الاعتبارات، بغية الضغط من الداخل وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب للطلبة، ورجح الخيار الثاني على الخيار الأول، وشارك نسبة من الطلبة في هذه الانتخابات.
بعد ما يقارب العامين على تشكيل مجلس الطلبة، والذي نجم عنه استقالة اثنين من أعضائه هم هاني العويناتي وحسين عبدالعزيز في دورته الأولى، وتلويح آخرين بالاستقالة في دورته الثانية، وصل الكثير من الطلبة الذين شاركوا في الانتخابات الماضية إلى قناعة مفادها أن خيار عدم المشاركة قد يكون أفضل، وهم مازالوا يتدارسون الخيارين بجد.
البعض منهم قال: «إنني أشعر بالازدراء والاحتقار من قبل المسئولين في الجامعة، ولا أشعر بكوني ممثلا للطلبة ولا مدافعا عن حقوقهم»، فيما قال بعضهم: «إدارة الجامعة إلى الآن لم تحسم خيارها من هذه التجربة، وما إذا كانت راغبة في إنجاح مجلس الطلبة أم لا، فالمسئولون في الجامعة يؤكدون لنا رغبتهم في إنجاح التجربة واهتمامهم بها، ويؤكدون أننا ممثلون عن الطلبة، فيما سلوكهم العملي وتصريحاتهم من وراء الكواليس تقول عكس ذلك، فهم يوعزون إلى رؤساء الأقسام في الجامعة عدم الالتفات إلى مطالب أعضاء مجلس الطلبة، وأن أي شخص يريد أي خدمة ما، فعليه اللجوء إلى الأقسام مباشرة».
هذا لسان حال الطلبة في حديثهم عن تجربتهم الأولى في مجلس الطلبة، إلا أن الحديث يتشعب كثيرا ليشمل جوانب كثيرة من شجون الطلبة في هذه التجربة، ويبقى التذكير بها في غاية الأهمية لإدارة الجامعة، وخصوصا أن الانتخابات المقبلة ستكون في شهر مايو/ أيار المقبل، في ظل خيارات مترددة للطلبة باتجاه دخول التجربة مرة أخرى أو عدم دخولها.
1- يثير هؤلاء الطلبة أن إدارة الجامعة كانت رافضة من الأساس فكرة القوائم الانتخابية، ولهذا فرضت فكرة أن يرشح كل طالب منتم إلى كلية ما مرشحا واحدا فقط، حتى لو كان المرشحون عن هذه الكلية عشرة، ما يعني انتفاء فكرة القوائم من الأساس، إذ لا يمكن لأية قائمة أن تسند إلا طالبا واحدا حتى لو كانت تمتلك مقومات دعم عشرة مرشحين، ما يضعف خيارات الطلبة ويشتت أصواتهم، وهذا ما جعل الجامعة آنذاك تتفاجأ بفوز قائمة «الطالب أولا» بـ 9 مقاعد من أصل 13 مقعدا، نتيجة التوازنات الدقيقة التي لعب عليها القائمون على هذه القائمة في ترشيح الطلبة، وتحريك الأصوات باتجاه ترشيح بعض المرشحين، والتضحية ببعضهم الآخر، أو موازنة الأصوات ليفوز أكبر عدد ممكن من الطلبة المنتمين إلى القائمة.
اللافت أن ما فرضته الجامعة من حصر التصويت في شخص واحد لا يوجد ما يسنده في اللائحة الأساسية لمجلس الطلبة التي أقرها مجلس أمناء الجامعة، ومع ذلك تم فرض هذا النظام الانتخابي غير المنصوص عليه في اللائحة الأساسية على الطلبة، وهذا يفتح المجال لتناول ملف آخر، هو منح المسئولين في الجامعة سلطات تقديرية واسعة من دون اكتمال البنية القانونية والإجرائية التي تنظم هذه السلطات، وهو ذاته مكمن الخلل المؤدي إلى وجود الكثير من الممارسات خارج القانون، مع رغبة شديدة من أصحابها في ممارستها بسرية تامة مع الطلبة، عبر تهديدهم بشتى أنواع التهديد إذ وردت بشأنها قصص كثيرة، فهذه السلطات التقديرية تمنحهم هذا الحق، وتضعف حيلة الطلبة عن المطالبة بحقوقهم، في ظل عدم اكتمال اللوائح التنظيمية أو قدرة الاداري في الجامعة على تجاوزها وعدم العمل بها.
2- نظام الجمعيات الطلابية الموجود في الجامعة يمثل في حد ذاته عائقا أمام تطور تجربة مجلس الطلبة. هذه الجمعيات يوجد بها أعداد قليلة جدا لا تتجاوز 100 طالب، ووضعت إدارة الجامعة على دخولها قيدا (6 أشهر على حق التصويت) في قانونها الذي تناولته الصحف المحلية، ولكنه لم ينشر حتى موعد انتخابات الجمعيات الشهر الماضي. المشكلة في هذه الجمعيات التي نمت على خلفية تاريخية أساسها حل الإدارات المنتخبة، واستبدالها بإدارات معينة تتبع رئيس الجامعة مباشرة، ولا شغل لها إلا بالأنشطة الترفيهية من دون النظر في مشكلات الطلاب وهمومهم الحقيقية، أنها أصبحت موطنا للتردد وعدم قبول الطلبة للدخول فيها، بعد أن كانت مبعث نشاط وحيوية الطلاب مطلع التسعينات، فضلا عن القيد الذي وضع عليها (6 أشهر على حق التصويت). العنصر المرتبط بتجربة مجلس الطلبة في نظام الجمعيات الطلابية هو تساوي أصوات المرشحين عن هذه الجمعيات القليلة العدد مع أصوات المرشحين المنتخبين من كل الطلبة بلا استثناء في كل الكليات، والذين يفوقون ألف صوت في الكلية الواحدة عن كل مرشح، مع فارق التفويض في التمثيل بين هذه الجمعيات القليلة العدد والمقيدة باشتراطات حين دخولها وبين المنتخبين مباشرة من طلبة الكليات بلا قيود، وعدم وجود أثر لهذا التفويض على مستوى الصلاحيات الممنوحة، فضلا عن تقريب مرشحي الجمعيات الذين ارتبطوا تاريخيا بإدارة الجامعة وسلوكها في التعاطي مع الشأن الأكاديمي، وهذا ما سيدفع إلى الحديث عن طبيعة الامتيازات التي تمنح لمرشحي هذه الجمعيات، ومن أخطرها تكلمهم باسم الجامعة لضرب العناصر المنتخبة من زملائهم في مجلس الطلبة.
هذه هي الخلفية أو القاعدة الأساس التي تحرك التعقيدات في سلوك الطلبة إزاء الجامعة، وسلوك الجامعة إزاء الطلبة، وهي الخلفية التي لم تتخلص منها إدارة الجامعة بعد، إذ تفرض معايير في التعاطي مع الشأن الطلابي لا علاقة لها البتة بالقوانين والأنظمة داخل الجامعة، وإنما لها علاقة بالصلاحيات التقديرية الممنوحة لعمداء الجامعة ورؤساء أقسامها، والممتدة في إطارها الإجرائي والمنهجي إلى العهد السابق، ما تثير أسئلة كثيرة عن طبيعة الصلاحيات الممنوحة للأساتذة والعمداء ورؤساء الأقسام، وحجم علاقتهم بالطالب وحدودها وفق القانون بما لا يضر بحقوق وواجبات كلا الطرفين، والتي ستكون مورد نقاش في مقالات مقبلة عن وضع الجامعة. إن إثارة موضوع بهذا الحساسية، نتيجة السمعة الطيبة التي نقلت عن رئيسة الجامعة الشيخة مريم آل خليفة، ورغبتها في التطوير الدائم لواقع الجامعة وطلبتها، وربما لإمومتها بصفتها امرأة وعاطفتها تجاه أبنائها الطلبة، بما يؤكد نجاح البحرين في إنتاج سيدات على درجة كبيرة من القيادة والريادة، ويقينا أن هذا المستوى من الحديث الصريح والشفاف، سببه بلا شك كون هذه السيدة على رئاسة جامعة البحرين
إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"العدد 565 - الثلثاء 23 مارس 2004م الموافق 01 صفر 1425هـ