العدد 561 - الجمعة 19 مارس 2004م الموافق 27 محرم 1425هـ

كيف تدير المعارضة بيتها الداخلي وعلاقتها مع السلطة؟

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

لاتزال مسافة التباعد بين بعض اطراف المعارضة والحكومة كبيرة جدا، ولاتزال المسافات بين بعض اطراف المعارضة والناس متباعدة أيضا، وفي ظل هذه المسافات المتباعدة تتحرك مناطق الفراغ السياسي والاجتماعي وحالات الاحتقان المتعددة لتفرض إيقاعها على الجميع، سلطة ومعارضة، وهنا لابد من تأكيد مسألة في غاية الأهمية والشفافية لمن كان له عقل وقلب، وهي عدم إمكان إزالة حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي هكذا بطرفة عين، أو بشجب واستنكار، وإنما الحاجة قبل كل شيء - سواء على المستوى الرسمي أو المعارض - إلى إذابة المسافات المتباعدة بين الطرفين، وعدم استغفال أي من الطرفين الطرف الآخر، لأن أية عملية استغفال من الجانب الرسمي خصوصا، سيعقبها تحرك شعبي مضاد لأجندة الطرف الرسمي المعارض، لكون الناس أحست بأنها غير قادرة على تصديق الطرفين، ولا حتى اتباع أحدهما، وهذا ما يقود إلى تحريك الناس لأجندتها الخاصة.

مرة أخرى، إذا أريد تحليل التداعيات الأخيرة والحوادث المؤسفة التي حصلت في الصالحية والبرهامة والخميس والسنابس برؤية موضوعية وحيادية، فهي بكل تأكيد فرض الكثير من قطاعات الشباب لأسلوبهم في العمل وإثبات الوجود من خلال هذا الأسلوب على حساب الطرف الرسمي والمعارض.

بكلمة واحدة لا ثاني لها، فإن ما حدث من أخذ الشباب زمام المبادرة في تحطيم وإحراق المحلات في المناطق المذكورة، سببه مجموعة تداعيات رئيسية، يجب لفت نظر الطرف الرسمي والمعارض إليها:

أولا: ما حدث في المنامة من هجوم الأهالي على ابعض الأماكن، بعد المناشدات التي وصلت إلى الجهات المعنية بالتصدي لهذه الأماكن المشبوهة، إلا أن ما حدث في الصالحية أتى من دون مناشدة ولا سابق إنذار، على رغم التحركات السرية التي قام بها بعض أعضاء المجلس البلدي لحل القضية، ما يعني أن هذا السلوك مرشح للظهور بشكل تلقائي ومن دون سابق إنذار، وأن مشبوهين ومتحاملين على الانفتاح السياسي قد يلجون في هذه الأوضاع المتوترة لتأجيجها، كما يلج الجمل في سم الخياط، وعلى المعارضين أن يتأهبوا لحملة توعية بالأولويات السياسية، وأسلوب تحريك الأجندة من الآن، وإلى عدم تثنية المشكلة أو تثليثها بتحميل هذا الطرف أو ذاك جزءا من مسئولية الحوادث، حتى لو كان يتحملها فعلا، لأن أي توزيع للمسئولية أو تقسيمها على أطراف متعددة، سيرسل رسالة خاطئة لمن يريد تكرار هذه الحوادث، والمطلوب ألا تكون هذه الحوادث عقبة كأداء تعطل المطالب السياسية، وتحركنا في دائرة الإدانة المزدوجة في كل مرة، وإلا سنفقد رصيدا كبيرا من حريتنا السياسية وقدرتنا على متابعة الملفات السياسية المعقدة، في هذا الظرف المعقد من عمر العلاقة بين المعارضة والسلطة.

هذا الموقف تحديدا بحاجة إلى جرأة كبيرة وشيء من الدوس على النفس وعاطفتها تجاه إخوانها ومريديها لا بهدف القسوة، وإنما بهدف ضبط إيقاع الساحة، والمضي قدما في تحريك الأولويات السياسية، فالموطن الذي تدان منه، وأنت غير قادر على صده أو رده سوى الانجرار إلى الإدانة مع من يدين بحسن نية أو بسوء نية، هو موقف ضعف لا ينبغي أن تقع فيه كل مرة، لأنه سيعطل قدرتك على إقناع الناس بمطالبك السياسية، ومشروعية حركتك في الساحة في ظل التجاذبات الكثيرة، وبالتالي لا ينبغي أن تكون هذه الحوادث المؤسفة موضع صمت من الرموز ولا موضع تأويل وإسقاطات غير نزيهة من أطراف كثيرة.

نقطة أخرى في غاية الخطورة، على الرموز تحديدا الالتفات إليها، لأنها مصدر كل هذه الحوادث المؤسفة، وهي تعدد مصادر الفعل السياسي داخل الصفوف المعارضة والشعبية، وتعدد المطالب السياسية التي تريد حلا من دون القدرة على تنظيمها وترتيبها كأولويات في الساحة، ثم تحريكها ضمن منظومة قيادية مركزية لها، لا ضمن مجاميع صغيرة تريد تحريكها في أي وقت، وبأي أسلوب شاءته للعمل على إنجازها، ففي حين يتحرك الملف الدستوري مثلا بأعلى إيقاع سياسي في البلد، وضمن خطوات تريد المعارضة القيام بها، تتحرك ملفات أخرى أقل أولوية، أو يمكن جدولتها ضمن سلم الأولويات بعد اتفاق أطراف الفعل السياسي عليها، وعلى كيفية تحريكها، إلا أنها تتحرك متوازية في أضخم إيقاع سياسي له، ليسقط الخياران معا.

إشكالية أخرى تتعلق بطبيعة الفعل السياسي ومصادره المتنوعة، وهي أن القائمين على الملفات المطروحة في الساحة، يرون أن الأولوية لملفاتهم السياسية على الملفات الأخرى، أو يرون استقلاليتهم في طرح ملفاتهم السياسية عن السياق العام لعمل المعارضة، إما لكونهم يعتبرون أنفسهم هيئات سياسية مستقلة عن الجمعيات السياسية، أو لكونهم يعتبرون المعارضة غير قادرة على تبني ملفاتهم، وفي كلتا الحالتين، فإن سبب هذا التزاحم في الأولويات، راجع إلى سوء التنظيم الإداري والهيكلي، وعدم قدرة المعارضة على توازع المهمات السياسية، وجدولتها على سلم الأولويات، بحيث لا ينقض أحدها عمل الآخر وفاعليته وقدرته على الإنجاز.

المعارضة مطالبة بإيجاد تسيق في الفعل السياسي وإن تنوعت مراكز ومصادر القوة، وإيجاد نوع من التنسيق والتفاهم بين كل الأطراف الفاعلة في الساحة، وتذليل الصعوبة الناجمة عن استقلال بعضها في القرار، وتحركها خارج منظومة الأولويات السياسية للمعارضة، فالكثير من القائمين على هذه الهيئات هم أعضاء فاعلون في الجمعيات السياسية، ولكنهم متذمرون من الخلل الحاصل في سلم الأولويات، ما دفعهم بشكل عفوي إلى تقديم أولوياتهم، حتى لو أضرت بالأولويات السياسية الكبرى.

وهنا يجب لفت نظر بعض الأقلام التي تحاول الاصطياد في الماء العكر، أن توجيه الرسائل إلى الشخصيات المعارضة والجمعيات السياسية بالتحرك الجاد لاحتواء الحوادث المؤسفة التي تحدث بين الفينة والأخرى، ليس معناه إدانتها بهذه الحوادث، وكونها المسبب لها والباعث عليها، فهذه رغبات تهجس قلوبهم قبل ألسنتهم بها، ولكن الرموز والجمعيات السياسية بعيدون كل البعد عن أجواء هذه الحوادث السياسية، وإنما توجيه الخطاب إليهم لكونهم أكثر قدرة على عقلنة الحراك السياسي ممن يشجب ويدين بلا حساب، بل يشجب ويدين وقلبه موغر على الناس.

ثانيا: تأجيل الندوة الجماهيرية. مرة أخرى، فإن تناول تأجيل الندوة الجماهيرية ليس مرده الاعتراض على قرار التأجيل، فالتأجيل وفق الرؤيا المنظورة له، ووفق حسابات معينة له ما يبرره مع عدم نقض الرأي الآخر وطبيعة تبريراته في إبقائه على الموعد المقرر للندوة، وضمن هذه الحسابات، فإن المعارضون أولى بأنفسهم في تداول هذه القضايا وإقرارها قبل أن يصل الأمر إلى القواعد الجماهيرية، ويعلمون بحصول خلاف ما بين قياداتهم.

الإشكال الوارد سببه خلفيات التأجيل، وبشكل صريح عدم شفافية الجمعيات السياسية في الإعلان عن سبب التأجيل الحقيقي، ومصارحة الناس وإقناعهم بصحة موقفهم من التأجيل، بل إن البعض أنكر تأجيل الندوة مع اتخاذ قرار مسبق بذلك، ما يعني وجود خلل في آلية التعاطي مع الناس، والأسلوب الأمثل لتوضيح الموقف لهم في القضايا الحساسة التي تتطلب حسما وشفافية وصدقا في القرار، وبالتالي فالقيادة غير قادرة على إقناع مريديها بموقفها بسبب عدم الشفافية وعدم الحزم.

من هنا، يمكن الجزم بأن خلفية أية أجندة سياسية تقوم عليها فئات وقطاعات من الشعب خارج إطار تحركات الجمعيات السياسية المعارضة، كالحوادث المؤسفة الأخيرة، سببه عدم إقناع المعارضة للشارع بمواقفها السياسية، وضياع الشارع بين الخلافات الجزئية للرموز والجمعيات السياسية، ما يدفعهم بشكل واضح للدفع بأجندتهم الخاصة كبديل عن الأجندة السياسية المعارضة، أو حتى تحريك أجندة المعارضة المجمدة أو المتغافل عنها بأسلوبهم الخاص.

هذا الفهم يقودنا إلى إرسال رسالتين دقيقتين ومحددتين. فالمعارضة مطالبة بأن تقنع الشارع بوجودها كممثل لهموم الناس وآمالهم، بحيث لا يكون البديل إلا الخيار السلمي الذي تتبناه المعارضة، ولكنها غير قادرة على المضي في آلياته بعيدا، نتيجة الخلل في آليات العمل السياسي، والأخطاء الكثيرة القاتلة. أما الرسالة الاخرى فإن كثيرا من هؤلاء الشباب على رغم كل الأخطاء التي ارتكبوها، فانهم شباب يقبلون الكلمة الحسنة اذا وجهت لهم، وغير خارجين عن النسيج الوطني العام بمقدار ما هم منفعلون ومتهورون، كنتيجة طبيعية للتجاذبات الحادة التي تلقي بظلالها الثقيلة والكئيبة على الشارع.

الحكومة أكثر إدراكا لهذه المعادلات من المعارضة، وأكثر قدرة على ملاحقة تفاصيلها للفارق في الإمكانات والقدرات، ولكنها في الكثير من ممارساتها تقوم بتعقيد الساحة السياسية، في ظل عجز المعارضة على إحداث توازن سياسي معقول، وتحريك الخطاب السلمي إلى وجهته الصحيحة، ما يعني أن التعاطي مع هذه الحوادث لا ينبغي أن يخرج خارج السياق الوطني، ويتحمل كل من الطرف المعارض والرسمي مسئولية الحفاظ على أجواء الانفتاح السياسي، وعدم اللجوء إلى الكيد البيني، الذي لا يثير طرفا في الساحة بالقدر الذي يثير القطاعات الواسعة من أبناء الشعب.

توجد حاجة إلى تفصيل الواقع، والبحث عن الإشكالات في تفاصيله، سواء على مستوى التفاصيل في إيقاع السلطة أو إيقاع المعارضة، لإقناع الاطراف بأنهم قادرون علي التعرف على الخبايا والتعقيدات التي تقف وراء كل سلوك سياسي وحال احتقان، أملا في وصول هذه البلد الحبيبة والعزيزة على نفوس جميع البحرينيين إلى شاطئ التوافق السياسي

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 561 - الجمعة 19 مارس 2004م الموافق 27 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً