لعن الله الحاجة... فإنها تحوّل الأسُود أحيانا إلى ثعالب وأصحاب المؤسسات الإعلامية إلى عبيد، ويضطر المثقف في بعض الأحيان إلى الرضوخ عندما تواجهه الأزمات فيبيع ثوابته مقابل دعمه ودعم مؤسسته. وكما يقولون من شب على شيء شاب عليه، وكان «فخامة» الرئيس العراقي الحنون على شعبه جدا قد حوّل الكثير من خيرة المثقفين العرب ومؤسساتهم إلى عناصر تخدم توجهاته وتمهد لمعاركه التي دخلها عندما صار حارسا بحسب تقييمه وتقييم أزلامه للبوابة الشرقية، قبل أن يتحول إلى موحد للأمة العربية بعدوانه على الكويت أيضا بحسب تقييم المطبلين له، فقد برزت صحف عدة ورؤساء تحرير يعتمدون في تسيير صحفهم على أموال الشعب العراقي التي بعثرها «فخامته» من أجل تحويل الصحف الى أبواق تزين للأمة العربية ممارساته الفجة.

وما ان غاب عن المسرح بعد غزو فرقة «الروك أند رول» الأميركية العراق حتى سقطت هذه الصحف في يد أصحابها، فبدلا من أن تعتمد في نشاطها على قرائها وإعلاناتها اختارت الطريق السهل بأن تصبح بائعة لأفكار الرئيس صدام ومروجيها، وكانوا يظنون ما كان يظنه ذلك الرجل الذي دخل جنته وهو ظالم لنفسه فقال: «ما أظن أن تبيد هذه أبدا» (الكهف:35)... نعم سقطت في يدهم بعد أن سقط صدام في يد من أتوا به يوما على قطارهم فأفلس أولئك المثقفون وكادت تقف مؤسساتهم، لأن ذلك الذي كان ينفخ في جيوبهم خرج ولن يعود، ولهذا كما يبدو دفعتهم الحاجة الى البحث عن ممول آخر. ومن المرجح أن الممول هذه المرة إما أميركا أو «إسرائيل» من خلال قناع أميركية.

ولهذا كان أول من حاول «تعريب الجريمة» التي قيل بداية انها تمت على يد الانفصاليين الباسك (إيتا) في مدريد بنسف مجموعة من القطارات التي ذهب ضحيتها ما يزيد على 200 قتيل و1500 جريح، إحدى الصحف العربية اللندنية التي أكدت ان رسالة وردت اليها من دون غيرها باللغة العربية تكشف ان تنظيم «القاعدة» وراء تلك الجريمة لتستعدي الشعب الإسباني الذي يتعاطف مع العرب فتحوله إلى عدو لهم هو الآخر. وعلى رغم ان رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أثنار اتهم منظمة ايتا الباسكية الانفصالية فإن الصحيفة العربية اللندنية اسندت هذا الشرف لتنظيم «القاعدة» لتزيد من تورط العرب في كوارث هم في غنى عنها. ولكي تكتمل التهمة قالت انهم رأوا سيارة واقفة قرب الموقع وبها شريط يقرأ فيه أحدهم القرآن باللغة العربية، أي ان «خريطة طريق» اتهام العرب مرسومة بدقة، ولا أقول إلا: لعن الله الحاجة ولعن الله من عودهم عليها