العدد 553 - الخميس 11 مارس 2004م الموافق 19 محرم 1425هـ

الزرقاوي رجل صنعه الأميركيون

المخابرات الألمانية تشكك في معلومات المخابرات الأميركية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

أصبح اسم أبو مصعب الزرقاوي على صلة وثيقة بعدد من المجازر التي وقعت على أرض العراق. لم يعد سرا أن «القاعدة» تعمل بنشاط في هذا البلد الذي تحول بعد الغزو إلى ساحة لتصفية الحساب بين «القاعدة» والجنود الأميركيين. كل ما نعرفه عن الزرقاوي هو مجموعة من الصور التي يظهر فيها تارة بالزي العربي وتارة بقبعة يستخدمها الأشخاص الذين ينهبون المصارف.

قبل غزو العراق وضع الأميركيون مكافأة مالية لمن يرشد إلى مكانه قيمتها خمسة ملايين دولار. وقبل تفجيرات عاشوراء في بغداد وكربلاء زاد الأميركيون قيمة المكافأة، عشرة ملايين دولار. انه العدو رقم 2 في قائمة المطلوبين، بعد أسامة بن لادن.

تفجيرات بغداد والنجف لم تكن الأولى من نوعها. في أغسطس/ آب 2003 وقعت انفجارات كبيرة في النجف أودت بحياة عدد كبير وعلى رأسهم زعيم مجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيدمحمدباقر الحكيم بعد عودته من منفاه في إيران. آنذاك ورد اسم الزرقاوي بين المتهمين. وقال عضو مجلس الحكم المؤقت موفق الربيعي إنه واثق بأن الزرقاوي وراء التفجيرات الأخيرة في بغداد وكربلاء وأوضح: هذه رسالة واضحة من الزرقاوي وقد تبلغنا بها وفهمناها.

أما الإدارة الأميركية فإنها لا تشك بأن الزرقاوي يقف وراء تفجيرات بغداد وكربلاء. وقال قائد القوات العسكرية الأميركية في العراق جون أبي زيد: تشير تحليلات أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن هذه التفجيرات من عمل الزرقاوي إذ من عادته التخطيط ليقع أكبر عدد ممكن من الأبرياء ضحية أعماله.

لكن الأميركيين يفترض أن يتحملوا مسئولية أمن العراق المحتل، ولا يكفي انهم يواجهون عمليات التفجير التي تودي بحياة المئات من المدنيين بحيرة وعدم القدرة على الكشف عن الفاعلين. وكان من السهل عليهم تحميل الزرقاوي مسئولية التفجيرات الأخيرة والدليل الوحيد الذي استطاعوا الاستناد عليه ورقة في 17 صفحة حصلوا عليها في يناير/ كانون الثاني الماضي خلال مداهمة أحد المساكن وتتحدث عن خطة لقيام حرب أهلية في العراق. وقال عضو في الإدارة الأميركية إن النص صادر عن الزرقاوي. كما لا يكل رجل واشنطن في بغداد، بول بريمر عن تكرار تصريحاته بأن «التفجيرات الأخيرة ليست من عمل المقاومة العراقية بل من تخطيط وتنفيذ إسلاميين متطرفين أتوا من خارج العراق». غير أن البعض في واشنطن أيضا يشك بصحة ورقة الزرقاوي إذ ليس هناك ما يثبت صحتها كما ليس هناك ما يثبت عدم صحتها. ولا يعرف الأميركيون نوع العلاقة بين الزرقاوي وبن لادن وما إذا كان الزرقاوي في العراق يخطط لحرب أهلية.

المخابرات الألمانية تشك بصحة ما يقوله الأميركيون بشأن الزرقاوي ومن ضمن الحجج التي ذكرتها تحليلات خبراء الأمن الألمان أن الورقة من دون توقيع ولا تحمل اسم الذي أعدها وأنه من الأسهل للأميركيين تحميل الزرقاوي مسئولية التفجيرات في العراق لأن هذا أسهل الأمور. لكن واشنطن تتجاهل حقيقة أن توجيه اتهامات لـ «القاعدة» والزرقاوي وتحميل السنة مسئولية التفجيرات في مناطق الشيعة، تشجع على إحياء مشاعر العداء المذهبي وتزيد من احتمال وقوع مصادمات دامية بين الطرفين تكون بداية حرب أهلية.

أينما انفجرت قنبلة في العراق يجري الحديث عن الزرقاوي. وحملوه مسئولية تفجيرات عاشوراء بعد أن حمّله الأكراد مسئولية تفجيرات إربيل كما حمله الأميركيون مسئولية عدد من الهجمات التي استهدفت عسكريين وممثلي الدولة في العراق. من هو هذا الرجل الذي لا تملك القوة العظمى عنه أكثر من مجموعة من الصور؟ تسببت الولايات المتحدة نفسها في منحه شهرة عالمية وانتشار اسمه من العراق إلى إندونيسيا، بعد أن استخدم وزير الخارجية الأميركي كولن باول اسمه ليبرر غزو العراق. منذ أن ذكر باول اسم الزرقاوي في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي وقال إنه تفاوض مع القيادة العراقية نيابة عن «القاعدة» للقيام بنشاطات مشتركة ضد مصالح الولايات المتحدة. اليوم لم تقدم واشنطن ما يثبت اتهام صدام حسين بالتعاون مع «القاعدة» وحتى على رغم الاتفاق بين خبراء الأمن الدوليين على أن الزرقاوي يدعو ويمارس الإرهاب على أرض العراق.

كغيره من الأتباع انتقل الزرقاوي (37 عاما)، في الثمانينات إلى أفغانستان للمشاركة في حرب المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي وفي هذا البلد تعرف الزرقاوي على بن لادن وعملا معا في دعم حرب المجاهدين في صف واحد مع «السي آي إيه». بعد عودة «الأفغان العرب» إلى بلدانهم أنشأ الزرقاوي خلية سرية تعرف باسم «التوحيد» وسرعان ما تعرضت إلى مطاردة الاستخبارات الأردنية ما دفع زعيمها إلى الفرار مجددا إلى أفغانستان. في هذا الوقت كانت «القاعدة» صاحبة نفوذ كبير في هذا البلد خلال عهد طالبان. أنشأ الزرقاوي معسكرا تدريبيا في حيرات وأصبح واحدا من أبرز قادة «القاعدة». في هذا الوقت حكم عليه غيابيا الأردن بالإعدام بعد تحميله مسئولية جرائم قتل والتخطيط لعدد من التفجيرات. لم ينشط الزرقاوي عربيا وأفغانيا فقط بل نشط أوروبيا في ألمانيا على سبيل المثال.

استغربت المخابرات الألمانية ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي عن اتصالات بين الزرقاوي وصدام حسين. والدافع أن المخابرات الألمانية حصلت في وقت مبكر على معلومات وافرة عن الزرقاوي من خلال مراقبة اتصالات هاتفية بينه وبين عدد من مؤيديه داخل ألمانيا. وعرفت أنه فقد إحدى ساقيه في أفغانستان وأمضى بعض الوقت للعلاج في بغداد قبل انتقاله للعيش بعض الوقت في شمال العراق ساهم في إنشاء تنظيم «أنصار الإسلام» بمعاونة عدد من الأكراد.

من خلال عدد من المداهمات والاعتقالات حال الألمان دون وقوع تفجيرات داخل ألمانيا. ففي إحدى المكالمات طلب الزرقاوي البحث عن خبير في زرع العبوات الناسفة داخل سيارات للقيام بأعمال تفجير الغرض منها الإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا. وعرف الألمان آنذاك أن الزرقاوي رجل يخطط للقتل بأعصاب باردة. كل ما يعرفه الألمان اليوم أن الزرقاوي يستعين بطرف اصطناعي بعد أن فقد إحدى ساقيه في العام 2001 خلال غارة أميركية على موقع لـ «القاعدة» في أفغانستان وعلى خده جرح قديم وعلى يده اليسرى وشم.

أمضى الزرقاوي بعض الوقت في إيران بعد فراره من أفغانستان ويشك خبراء الأمن الألمان بأن يكون قد غدر بشيعة العراق. ونفت «القاعدة» بدورها وجود صلة لها بتفجيرات عاشوراء وجاء في بيان صادر عنها أنها لا تمت بصلة لنزيف الدم بين المسلمين. الأميركيون يصرون على تحميل الزرقاوي مسئولية تفجيرات بغداد وكربلاء وهذا الزرقاوي ليس أكثر من شبح، أنه لا يرسل شرائط تسجيل لمحطات التلفزة ولا يصدر عنه بيانات ولا يظهر على شاشة «الجزيرة» أو «العربية» أو «السي ان ان». إنه شبح يستفيد الأميركان من اختفائه عن الأنظار حتى يعوض عن فشلهم في إحلال الأمن والاستقرار في العراق المحتل

العدد 553 - الخميس 11 مارس 2004م الموافق 19 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً