العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ

مياه لبنان ... وحرب «إسرائيل» عليها

أمير بوخمسين comments [at] alwasatnews.com

دشن لبنان بشكل رسمي عمليات ضخ المياه من نبع الوزاني في الجنوب اللبناني، لتزويد أكثر من عشرين قرية بمياه الشفة، وهو الأمر الذي اعترضت عليه إسرائيل زاعمة أن مثل هذه العملية ستؤثر على منسوب مياه بحيرة طبرية التي تعتبر المصدر الرئيسي للمياه العذبة في إسرائيل، وهي التي تسيطر من العام 1982 على ثلاثة أرباع المنسوب المتدفق إلى مستوطناتها. وما قام به لبنان من استقطاع لا يشكل إلا نسبة 10 في المئة من نبع الوزاني، والتي لا تعادل حصته الكاملة، ومع ذلك هدّد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» اريل شارون بشن حرب على لبنان، وتدخلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحل المسألة بين الجانبين، إلا أن لبنان رفض تدويل الأزمة، واستقبل الموفدين الأميركي والأوروبي على أساس أنهما خبراء وليس وسطاء، وأكد أن حقه في مياه الوزاني يخوله إجراء عمليات الضخ.

المسئولون في الدول العربية وغيرها يقولون إن الحرب القادمة في الشرق الأوسط هي حرب مياه. وما تقوم به إسرائيل من سرقة مياه الأنهار اللبنانية والمياه الجوفية لهضبة الجولان السورية المحتلة إلا مثال بسيط عن أهمية المياه. وما يحدث كذلك من قبل تركيا وتهديدها سورية والعراق بقطع تدفق نهر الفرات ولفترات ينذر بالخطر. وهناك أثيوبيا ومحاولة السيطرة على حوض النيل في مواجهة مصر والسودان. جميع هذه الجبهات تعيش على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة.

وللاطلاع على المشروع المائي الإسرائيلي (1)، الذي طرح العام 1974، وأعيد طرحه مرة أخرى العام 1978، وتم تطويره ليطرح مرة ثالثة ضمن دراسة موسعة (التعاون الاقتصادي والسلام في الشرق الأوسط) وتم نشره كدراسة مستقلة 1990، وهذا يدل على أنه يمثّل محورا رئيسيا للتصور الإسرائيلي للتعامل مع موضوع المياه. ويرتكز المشروع على ادعاء إسرائيلي صاغه البروفيسور الإسرائيلي (جدعون فيشلزون) على النحو التالي (2): «إن البنية المائية السطحية منها والجوفية في الشرق الأوسط غير متواصلة، وهذا ما يقيم ارتباطا مائيا بين مناطق جغرافية مختلفة، تشير خريطة مصادر المياه في الشرق الأوسط، إلى المصادفات الجغرافية. وهذه الظاهرة تقوض مفهوم حقوق الملكية وشرعية الاستخدام محليا فقط، وتفرض الحاجة إلى اتفاق لنقل المياه إلى مناطق لم تشأ المصادفات أن تمنحها إياها. لكن التقويم السياسي الذي يزيد بحكم طبيعته الحواجز وينشئ الفواصل، ألحق ويلحق الضرر بتحقيق هذا الاعتماد المتبادل».

ويميل «الإسرائيليون» إلى الربط بين تحقيق السلام وإنهاء حال الحرب بينهم وبين الأطراف العربية من جهة، وإقرار مشروعهم المائي من جهة أخرى. وفي هذا الصدد يشير مفوض المياه في إسرائيل وأحد أعضاء الوفد الإسرائيلي في لجنة المياه بالمباحثات متعددة الأطراف بفيينا العام 1992 البروفيسور دان سالازفسكي إلى أنه (3): «إذا كان أحد يقصد السلام فينبغي ألا يجادل بشأن المياه، وعليه أن يجلس لمحاولة البحث عن حلول فنية، فإذا كانوا يقولون (يقصد العرب) إنه لا يمكننا التحدث إليكم عن المياه لأننا لانزال أعداء فإنهم لا يقصدون السلام».

ويقول رئيس الوفد الإسرائيلي في الجولة الخامسة من المحادثات متعددة الأطراف بشأن المياه يوسي بيلين، حينما دعا إلى نبذ الحديث عما أسماه (حقوق الماضي)، والتي تتمثل في المياه التي اغتصبتها إسرائيل والانطلاق من (الأمر الواقع الحالي) وهو من منظوره «وجود نقص في المياه لدى الدول العربية وإسرائيل معا، مما يطرح ضرورة تعاونهما لزيادة الموارد بدلا من التركيز على حقوق الفلسطينيين والسوريين وغيرهم في مصادر المياه الجوفية» (4).

وتتمثل أركان المشروع الإسرائيلي في الآتي:

1- تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من مصادر خارجية. ويطرح المشروع مياه النيل أو اليرموك أو الليطاني أو جميعها مصدرا رئيسيا خارجيا، ويصف هذه الخطوة بأنها الخطوة الأولى الواعدة التي تتوافر لها إمكانات تقنية، فضلا عن ضرورتها السياسية لتجاوز الصراع المائي المرتقب في هذه المنطقة، والذي قد يشكل خطرا على السلام.

2- نقل مياه النيل إلى شمال النقب، إذ يزعم المشروع أن كميات ضئيلة من المياه بالمقياس المصري (5 من الاستهلاك) لا تشكل عنصرا مهما في الميزان المائي المصري.

كما أن هناك مشروعا مصريا حاليا لتزويد سيناء بالمياه يمكن مده. كما يستكمل المشروع مزاعمه بالقول إن لدى مصر فوائض متوقعة من المياه.

3- مشروع أردني/ إسرائيلي مشترك لاستغلال مياه نهر اليرموك، وذلك بتخزين مياه السيول الشتوية لنهر اليرموك في بحيرة طبرية الواقعة داخل حدود «إسرائيل».

4- مشروعات مع لبنان تتضمن الاستغلال الكهربائي لنهر الحاصباني، ونقل مياه الليطاني إلى «إسرائيل» واستغلاله كهربائيا.

5- هيئة مائية مشتركة أردنية/ إسرائيلية للتنمية المشتركة واقتسام موارد المياه.

ويحتوي المشروع الإسرائيلي على كمٍّ كبير من المزاعم الكاذبة، التي لا تؤيدها حقائق الأوضاع المائية في المنطقة. فإسرائيل لا تفهم إلا منطق القوة، وهي تحاول فرض سياساتها على دول المنطقة بالقوة وعبر الدعم الأميركي اللامحدود.

لذلك، فالمشروع «الإسرائيلي» المائي يرمي إلى تغطية الاغتصاب للمياه العربية بجعل ما تم عملا مشروعا، واستنزافها للموارد العربية، خصوصا أنه يجد مظلة شرعية يسعى البنك الدولي إلى القيام بها للتغطية على المشروع الصهيوني المائي، والمتمثل في سرقة المياه العربية.

إن وقوف لبنان حكومة وشعبا، خلف المقاومة، وإعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن «المقاومة الإسلامية جاهزة للرد سريعا وفي خلال دقائق على أي اعتداء إسرائيلي، يستهدف منشآت ضخ نهر الوزاني الذي دشنه لبنان رسميا في 16 من الشهر الجاري، لإرواء عشرات القرى التي كانت إسرائيل تحتلها حتى مايو/ آيار 2002»... يبعث روح الأمل في نفوس شعوب الأمة، التي لاتزال تتلقى الضربة تلو الأخرى، ويعيد إليها كرامتها. لأنه حال حدوث حرب أو حال اضطراب قد تفضي إلى نظام عربي قوي، وهو الذي سيرجح المسار المائي... إذ التمسك بكل شبر وعدم التنازل للقوى المعادية، من شأنه أن يحقق للأمة كرامتها... وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، وتجربة لبنان في حرب التحرير السابقة، وطرد العدو الصهيوني من أراضيه في العام 2000، لدليل واضح على أن إرادة الشعوب لا تهزم

العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً