العدد 548 - السبت 06 مارس 2004م الموافق 14 محرم 1425هـ

الدولة المطوقة بالجدار المسدود

تسوية شارون الجديدة

علي بدوان comments [at] alwasatnews.com

الزوبعة الاعلامية التي أثارها أرييل شارون أخيرا على خلفية مقترحاته وأفكاره الجديدة التي طرحها في بشأن الفصل الأحادي في مؤتمر هيرتسليا 18 ديسمبر/ كانون الأول 2003 (أسمها الأصلي: قيسارية) شمال تل أبيب، أضافت أوراقا جديدة الى أرشيف الصراع الفلسطيني والعربي/ الاسرائيلي. والجديد الذي تكرر فيها ما أكد عليه شارون بالنسبة لضرورة قيام الكيان الفلسطيني في سياق عملية الفصل بين «الشعبين»، بعد أن كان الحديث عن الكيان/ الدولة من محرمات (تابو) حزب الليكود.

وعند الفحص والتدقيق نجد أن شارون بأفكاره ومقترحاته الجديدة قام بإعادة تلخيص الموقف اليميني الإسرائيلي على ضوء الإنجاز النوعي الكبير الذي حققه ببناء القسم الأعظم من الجدار الفاصل بشكل يتعدى حدود مناطق فلسطين 1948 أو ما يسمى بالخط الأخضر (بالمناسبة فان تعبير الخط الأخضر تعبير عنصري إسرائيلي أيضا يكثر تواتره على صفحات المطبوعات العربية)، وعلى ضوء وجود مقترحات جدية مقدمة من أجهزة الأمن الإسرائيلية لتفكيك بؤر المستعمرات المكلفة أمنيا واقتصاديا لإسرائيل على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المستعمرات التي يصفها شارون باعتبارها غير شرعية، ولم يجد معظمها من ساكنين لها من المستوطنين الجدد على رغم كل التسهيلات والمنح المالية التي قدمتها الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت منذ مؤتمر مدريد العام 1991 والى حينه. ففي عهد بنيامين نتنياهو تم إنشاء 42 مستعمرة منها، وتم بناء 6045 وحدة استعمارية استيطانية في عهد أيهود باراك، وهناك 35 مستعمرة وبؤرة استيطانية منذ قدوم أرييل شارون، وفق معطيات وزارة الداخلية الإسرائيلية ومكتب الإحصاء المركزي المنشورة اخيرا. علما بأن العدد الإجمالي للمستعمرات اليهودية المقامة فوق الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967 دون مدينة القدس بلغ حتى منتصف أغسطس/ آب 2002 ما مجموعه 185 مستعمرة على مساحة إجمالية قدرها 10183,5 هكتارا موزعة بواقع 167 مستعمرة على أراضي الضفة الغربية دون القدس، وعلى مساحة 8419,9 هكتارا، و18 مستعمرة على أراضي قطاع غزة، وعلى مساحة 1763,6 هكتارا، وهناك مساحات تسيطر عليها سلطات الاحتلال أكبر من المساحة العمرانية أو المبنية عليها المستعمرات.

إن القنبلة السياسية الحقيقية التي أطلقها شارون في مؤتمر هرتسليا تضمنت جانبين اثنين: إصراره على إتمام بناء الجدار الفاصل وبالمواصفات التي يراها، وتهديده بإجراءات أحادية الجانب مع الطرف الفلسطيني. بينما لم يكن تأكيده على ضرورة قيام «كيان فلسطيني» سوى تحصيل حاصل لمواقف ليست بالجديدة عند حزب الليكود.

فالمعركة التي تحركها القوى العنصرية في حزب الليكود، والقوى الغارقة في صهيونيتها في الدرجة الأولى وهي قوى مازالت تعتقد بأنها تستطيع أن تعيد الأمور إلى سابق عهدها، تدور حول ماهية وطبيعة الكيان الفلسطيني. وعلى حد تعبير مارك هيلر من معهد يافا للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب «إن المسألة للغالبية العظمى من الإسرائيليين ليست معرفة ما إذا كان سيتم قيام دولة فلسطينية أم لا، لكن متى وكيف وضمن أي حدود وبأي صلاحيات وسلطات، وهذه الأمور لم يتم تسويتها بعد».

انحكمت ذهنية شارون تاريخيا إلى منطق القوة، وبمبدأ الإملاء لفرض الأمر الواقع السياسي الاستيطاني التوسعي مع الطرف الفلسطيني تحت شعار «خفض توقعات العرب والفلسطينيين»، و«فرض التبادلية» كأساس ومقدمة لتنفيذ أي اتفاق مهما يكن جزئيا تاركا لنفسه حق تعيين معايير هذه التبادلية ومراقبتها وإصدار الأحكام بشأنها الخ وكل هذا ضمن منظور وسعي دائب لفرض الاستسلام بموازين القوى العسكرية المحض وبقوة الأمر الواقع مستثمرا ضعف القيادة الفلسطينية، وانتكاس حوار القاهرة الفلسطيني/ الفلسطيني في تجميع عناصر القوة الفلسطينية وإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية وزجها في الصراع الدائر، ومستفيدا من محدودية الضغط الخارجي السياسي والمادي على «إسرائيل»، هذا الضغط المشتت بين التحيز الأميركي الفاقع، واستفحال تقيح الملف العراقي، وتواضع الدور الأوروبي والعجز العربي على المستويين الرسمي والشعبي.

وعمليا، وعلى المدى المنظور، إن شارون ينطلق من ارث وفلسفة القوة التي تربى ونشأ عليها في حزب الليكود، ومن أرضية التفوق العسكري لفرض التسوية إذ: «صنع السلام يستند إلى جبروت الجيش الإسرائيلي والقوة الشاملة لإسرائيل، وعلى قدرة إسرائيل الردعية» كما كان قد كرر أكثر من مرة.

ويمكن القول إن مساحة التباين في الرأي موجودة داخل الطيف السياسي والمجتمعي في «إسرائيل» بالنسبة لمسألة الدولة الفلسطينية، وان كانت هذه المساحة ضيقة نسبيا. فاليمين الصهيوني (القومي/ العلماني) ومعه كتلة «شاس» التي تمثل اليمين التوراتي الشرقي يرى فيها إدارة محلية جديدة محصورة ومغلولة، وبشكل أوضح يرى فيها كيانا «عديم التواصل الإقليمي» أقل بكثير من دولة وأكثر بقليل من حكم ذاتي مع ضم واسع للمستوطنات وسيادة إسرائيلية أبدية على القدس الكبرى التي تمثل مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية. فضلا عن السيطرة الإسرائيلية المستديمة على المنافذ والمعابر والجو إضافة إلى السيطرة على الحد الفاصل بين فلسطين والأردن، أي على كامل منطقة غور الأردن من الشمال مرورا بوادي عربة حتى أقصى الجنوب. وبعبارة ثانية فإن اليمين القومي الصهيوني يريد حلا لمشكلة الفلسطينيين بكيان مقطع الأوصال ومحصور في جوف الضفة الغربية، ومطوق بالكامل الأمر الذي يجعل من هذا الكيان الفلسطيني أشبه بمحميات آبارتهيد جديدة. إنه يريد دولة أشبه بإدارة محلية فلسطينية بقيادات محلية مبعثرة تحت قبضة الاحتلال، يسميها الفلسطينيون ما يشاؤون «دولة، إمبراطورية، مملكة» أو أي اسم آخر.

وبالاستخلاص الواقعي يمكن اعتبار مقترحات ومشروع شارون باستهدافاتها الإسرائيلية الداخلية، محاولة لإعادة تكتيل وتحشيد قوى اليمين الصهيوني بشقيه التوراتي والعلماني، ولتجديد حضورة الشعبي داخل الوسط اليهودي في الدولة العبرية، ومحاولة إضافية لتعزيز الحضور السياسي وملء الفراغ على الطاولة الدبلوماسية بعد سلسلة من المشروعات والاقتراحات التي قدمت دوليا (خريطة الطريق الأميركية، مشروع شمعون بيريز، وثيقة جنيف). مع أن مجمل المبادرات المذكورة مازالت بدورها مشروعات مثقلة بمسار شائك، وباشتراطات لا تقود سوى إلى دولة فلسطينية «عائمة الحدود ومقيدة، منزوعة السلاح»، ولا تقوى على حماية ذاتها... وجميعها مشروعات تنطلق في منهجيتها من اعتماد المقاربة الإسرائيلية، التي تُغَلّب الطابع الأمني على السياسي وتعتبر حل موضوع الأمن بما في ذلك استئناف التعاون الأمني، شرطا مسبقا لبدء المفاوضات السياسية.

وإذا أردنا أن نتفحص أكثر خطوط دولة شارون الفلسطينية نجد أنها قائمة على: مناطق حبيسة/ محاصرة من قطاع غزة والضفة الغربية ( 60 في المئة في أحسن الأحوال من مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلومترا مربعا + 40 في المئة في أحسن الأحوال أيضا من مساحة الضفة الغربية مع القدس الشرقية، والبالغة 5880 كيلو مترا مربعا + تفكيك المستعمرات التي تشكل عبئا أمنيا للاحتلال أو اقتطاع أجزاء منها + ضم شريط بعرض 20 كيلومترا على طول خط غور الأردن من وادي بيسان إلى خليج العقبة جنوبا) وكل هذا بعد شطب مساحة القدس الكبرى التي تتجاوز مساحتها ربع مساحة الأرض المحتلة العام 1967 في الضفة الغربية.

وعليه، فالدولة الفلسطينية التي يمكن أن تتمخض عن خطة مشروع شارون الجديد باشتراطاته الثقيلة على الجانب الفلسطيني ستكون دولة (الجزر المتناثرة) التي يتداخل فيها كل شيء: أراضي الكيان الفلسطيني مع الجدار الفاصل والمستوطنات ومناطق الضم، ومع الطرق الالتفافية، ومع أجزاء من القدس الكبرى، وتتداخل فيها حدود السيادة والصلاحيات، وذات حدود كاملة مع حدود الدولة العبرية، من دون أي حدود مع مصر والأردن وسورية ولبنان، لذلك أينما ذهبت تجد لها حدودا مع دولة الاحتلال لغرض رئيسي يتمثل في تطويقها بالكامل وابقاء السيطرة العسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية والتجارية.

إنها أشبه بالكيان الذي قصده مناحيم بيغن الأب الروحي لشارون، أثناء مفاوضات كامب ديفيد الأولى في العام 1978 التي سميت بمفاوضات «ميناهاوس»، وتوقفت في حينها بسبب من المقاطعة والرفض الفلسطيني

العدد 548 - السبت 06 مارس 2004م الموافق 14 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً