العدد 545 - الأربعاء 03 مارس 2004م الموافق 11 محرم 1425هـ

أجهزة الأمن: هل أنت مسلم؟

ألمانيا تبدأ حملة ضد الإسلاميين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لم يعرف الشاب التونسي (محمد أ) حين قصد متجرا للإلكترونيات في مدينة ميونيخ التي يقيم فيها أن شراء جهاز تسلية للطيران يستخدم في لعبة بلاي ستيشن سيكلفه قضاء ساعات طويلة قيد التحقيق مع مختلف أجهزة الأمن الألمانية. بعد استفساره من أحد العاملين عما إذا كان جهاز التسلية يشبه التحليق في الحقيقة اتصل الموظف بالشرطة وأبلغهم بوجود شخص مثير للريبة في المتجر. ما تعرض له (محمد أ) بعد ذلك كان حلما مزعجا للغاية: تحقيقات مطولة وسؤاله عن أشخاص لم يسمع بهم من قبل، وما صلته بأسامة بن لادن كما تم التحقيق في ملفه وفي النهاية ثبت للمحققين أنهم يحققون مع شاب عربي همه الوحيد كان شراء لعبة الطيران لقتل وقت الفراغ ليس أكثر. هذا مثال من أمثلة كثيرة تشير إلى توتر أعصاب أجهزة الأمن الألمانية في تعاملها مع الإسلاميين داخل أراضيها. منذ وقوع هجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 تبين للألمان من خلال الكشف عن نشاط خلية محمد عطا في مدينة هامبورغ أن ألمانيا ساحة واسعة يستخدمها الإسلاميون في تنفيذ نشاطاتهم.

وقررت حكومات الولايات (16 ولاية تتألف منها ألمانيا الموحدة) بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية على تشديد إجراءات الأمن وملاحقة الإسلاميين وتطبيق قانون الملاحقة الذي تم العمل به في السبعينات خلال الصراع الدامي بين جماعة بادر ماينهوف والدولة الألمانية الغربية.

الدافع وراء تشديد إجراءات الوقاية التي أقرتها ألمانيا كرد فعل على هجوم 11 سبتمبر ظهور معلومات عن نشاطات الإسلاميين في ألمانيا ودورهم في دعم المقاومة العراقية. وذكرت مجلة «دير شبيغل» في عددها الأخير أن هناك اتصالات مكثفة تجري بين جهات نشطة في العراق وإسلاميين يقيمون في ألمانيا وأوروبا. وجاء في هذا الصدد الحديث عن عضو المقاومة العراقية المختص في صنع العبوات الناسفة علي الفضيل. فقد انفجر لغم بين يديه أسفر عن بترهما وتمت اتصالات مع إسلاميين في ميونيخ لاستقباله وتأمين العلاج له. تمت الرحلة الطويلة عن طريق إيران ثم إيطاليا وفرنسا لكن فضيل التابع لتنظيم «أنصار الإسلام» لم يصل ألمانيا بل اختفت آثاره بعد وصوله إلى بريطانيا. تكشف الاتصالات المكثفة التي تجري من ألمانيا مع إسلاميين في العراق وإيران وبلدان أوروبية على وجود عدد كبير من مؤيدي «أنصار الإسلام» في ألمانيا بالإضافة إلى عدد مماثل للمتعاطفين مع منظمة «القاعدة». هذا ما يؤكده خبراء الأمن الألمان الذين يقولون أيضا انه مع كل انفجار يحدث على أرض العراق ضد الاحتلال الأميركي قد يكون مؤيدو المقاومة العراقية في ألمانيا وهولندا وبريطانيا وإيطاليا قاموا بدور لدعم المقاومة. وصنع «أنصار الإسلام» الأخبار في ألمانيا خلال أعياد الميلاد ورأس السنة حين ذكرت معلومات أنهم يعدون لتفجير مستشفى في مدينة هامبورغ يخضع فيه للعلاج جنود أميركيون نقلوا من العراق ومنذ ذلك الوقت يحقق المدعي الفيدرالي العام ضد الفرع الألماني لتنظيم «أنصار الإسلام» الذي يتزعمه الملا الكردي كريكار الذي طلب حق اللجوء السياسي في النرويج. وألقت الشرطة البافارية القبض على (محمد ل) بعد التقاط اتصالات هاتفية من العراق وطلب مجهولون منه تأمين علاج جرحى ينتمون لتنظيم «أنصار الإسلام». تنبهت الحكومة الألمانية للتحركات التي تجري داخل ألمانيا وتوجه وزير الداخلية أوتو شيلي التابع للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم إلى واشنطن واجتمع مع وزير العدل الأميركي جون أشكروفت واتفق على تشكيل قوة أمن أميركية ألمانية مشتركة لضرب معاقل الإسلاميين في أوروبا. واضطرت السلطات الألمانية إلى تصحيح البيانات بشأن أرقام الأشخاص الذين انطلقوا من ألمانيا لمحاربة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان والشيشان من 19 إلى 50 ويعتقد أن العدد الحقيقي أكبر لصعوبة توفر المعلومات عن نشاطات الإسلاميين. ويحدق أفراد شرطة الحدود هذه الأيام بجوازات سفر العرب خصوصا عند المغادرة أو الوصول إلى الموانئ الألمانية لمعرفة البلدان التي زاروها حديثا والمدة التي أقاموا فيها. ويحظى الشخص باهتمام خاص إذا كان داخل جواز سفره تأشيرة تعود لدول مثل السودان أو سورية أو أفغانستان أو باكستان. وقال مسئول أمني ألماني رفيع المستوى أن العراق تحول إلى مركز بارز يلتقي فيه خصوم الولايات المتحدة والمشاركة في حرب الجهاد ضد الاحتلال. كل يوم يشتد الحماس بمؤيدي المقاومة العراقية في أوروبا للسفر إلى ساحات القتال. ويشير رئيس المخابرات الألمانية (بي ان دي) أوغوست هانينغ إلى الشبه الكبير بحرب المجاهدين في أفغانستان خلال الاحتلال السوفياتي والوضع الحالي في العراق وقال: خلال الاحتلال السوفياتي لأفغانستان تحول البلد إلى مركز لتجمعات المجاهدين من أنحاء العالم الإسلامي. وخسرت روسيا الحرب أمام المجاهدين واضطرت لسحب قواتها بعد سنوات من القتال الضار الذي كلف روسيا عشرات الآلاف من الجنود وخسائر مادية كبيرة ومن أبرز ظواهر حرب المجاهدين في أفغانستان، ظهور منظمة «القاعدة» حتى كان زعيمها أسامة بن لادن يقاتل الروس ويتعاون مع الـ «سي آي إيه» في تمويل المجاهدين بالمال والعتاد.

وتشير بيانات المخابرات الألمانية إلى ازدياد حركة سفر الإسلاميين من ألمانيا وأوروبا إلى دول مجاورة للعراق للعمل في نقل الجرحى للعلاج في أوروبا ومنهم من يكمل طريقه إلى العراق للمشاركة في محاربة جنود الاحتلال. وتعتقد سلطات الأمن الألمانية أنه تم خلال العام الماضي تهريب أكثر من مئة جريح عراقي إلى ألمانيا. كما يعتقد أنه تجري الاستعانة بعصابات تهريب الأفراد التي تتقاضى ما بين 2000 و12 ألف دولار لقاء تهريب الشخص الواحد إلى أوروبا وتكون تركيا في الغالب نقطة الانطلاق. لكن عصابات تهريب الأفراد لا تتقاضى عمولة على تسهيل دخول الإسلاميين القادمين من أوروبا إلى العراق لأنهم يعتبرونها خدمة من أجل حرب الجهاد على حد تعبيرهم. وقالت مجلة «دير شبيغل» أن «أنصار الإسلام» ينشطون في مناطق في جنوب ألمانيا تحديدا إذ قامت شبكة تعمل في تزوير جوازات السفر وتجمع الأموال لشراء معدات الرؤية في الليل وترغيب الشباب العرب والمسلمين بالسفر إلى العراق. ويعتقد مكتب حماية الدستور(البوليس السري الألماني) أن عدد أتباع «أنصار الإسلام» في ألمانيا يبلغ نحو خمسين شخصا غالبيتهم من العراقيين الأكراد الذين اضطروا إلى مغادرة العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين وطلبوا اللجوء السياسي لألمانيا ويعيش غالبيتهم في جنوب البلاد لأن شرطة الأجانب ترسل غالبية العراقيين الأكراد منذ وقت إلى بافاريا. ويقول وزير داخلية ولاية بافاريا غونتر بيكشتاين أن غالبية هؤلاء الأشخاص ليسوا متطرفين لكنهم ينجرون مع أتباع التنظيم.

سبب تركيز «أنصار الإسلام» على ألمانيا كون رئيس الفرع الألماني عضو بارز في قيادة التنظيم ويدعى ابراهيم نجاح وهو تركماني الأصل (21 عاما من العمر) وسبق أن حارب الأميركيين ومنذ وصوله إلى ألمانيا في العام 2000 وحصل على شهرة واسعة في أوساط مؤيدي «أنصار الإسلام». وفي سبتمبر العام 2002 غادر ألمانيا وتوجه إلى شمال العراق وفي مارس/ آذار الماضي نجا مع رفاقه من غارات جوية شنتها الطائرات الأميركية على مواقع «أنصار الإسلام» في شمال العراق ثم فر إلى أفغانستان وعاد إلى العراق ليمسك منصب مسئول العلاقات الدولية ويشرف على نشاطات المؤيدين في ألمانيا.

إن الأشخاص أمثال ابراهيم نجاح هم مشكلة لسلطات الأمن فهم يتدربون على صنع العبوات الناسفة وإقامة الخلايا السرية وعقد اتصالات دولية وغالبية الأشخاص الذين يقيمون في أوروبا ثم يتوجهون إلى حرب الجهاد يعودون لاحقا ويصبحون قنبلة مؤقتة. لهذا السبب تريد ألمانيا اتباع الطريق الألماني لمكافحة الإسلاميين وسيصبح بوسع دوريات الشرطة إيقاف أي عربي أو مسلم يثير الشبهة وسؤاله عما يفعل وإلى أين يتجه وتفتيشه بحثا عن خريطة للمدينة التي يوجد فيها تحسبا لرصده مكانا لتنفيذ عملية تفجير.

من الطرق التي اتبعها الألمان في حربهم ضد جماعة بادر ماينهوف كان مراقبة الأشخاص الذين يدفعون إيجارات الشقق وفواتير الكهرباء نقدا وكذلك خطوط الهاتف خصوصا الاتصالات التي تجري مع سورية والعراق وتعتقد سلطات الأمن الألمانية أن هذه الإجراءات تساعد على خفض عدد الهجمات التي يتعرض لها جنود الولايات المتحدة في العراق

العدد 545 - الأربعاء 03 مارس 2004م الموافق 11 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً