العدد 544 - الثلثاء 02 مارس 2004م الموافق 10 محرم 1425هـ

قراءة في الصحف العربية: غواية الإصلاح الأميركي لن تقود إلاّ... إلى الكارثة

أمنة القرى comments [at] alwasatnews.com

.

تناولت الصحف العربية على نحو واسع مشروع «الشرق الأوسط الكبير» مع سعي واشنطن، من دون جدوى إلى تبديد مخاوف البلدان العربية ومصر والمملكة العربية السعودية خصوصا، من مبادرتها نحو الإصلاحات في «الشرق الأوسط»، والتي كررها الرئيس المصري حسني مبارك، عندما قال، حسبما نقلت عنه «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية، انه لا يمكن فرض حلول أو إصلاحات من الخارج، وحذر من الإطاحة بأي نظام آخر في المنطقة بدعوى الإصلاح. فيما شدد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، على ان «مستقبل المنطقة العربية هو شأن عربي يقرره أبناء الأمة العربية وحدهم».

في حين طمأن وزير الخارجية الأميركي كولن باول، في حديث إلى القناة الفضائية الأميركية (الحرة) خلال رده على سؤال عن مبادرة «الشرق الأوسط الكبير» ورد الفعل السعودي المصري عليها، بالقول «لن نقترح خطة إصلاح من الخارج وان هذه دول (دول الشرق الأوسط) ذات سيادة لها مصالحها الخاصة ولها شعوبها وثقافتها وهويتها وتاريخها. ما نحاول أن نفعله هو أن نساعد كل دولة منها بالوسيلة التي اختارتها للتحرك إلى الأمام على طريق اعتقد ان من مصلحتها السير فيها، وان الكل أبدوا التزاما بالديمقراطية وحقوق الأفراد».

وأجمعت غالبية افتتاحيات الصحف العربية على رفض المشروع، بصفته مطلبا مشبوها هدفه المزيد من السيطرة الأميركية على المنطقة وطموحه أن يجعل من «إسرائيل» عضوا في أسرة العالم العربي الإسلامي لينسى العرب والمسلمون الصفة الاحتلالية الاستيطانية للدولة اليهودية، بحسب ما أكدت «الوطن» القطرية. ولفت أكثر من معلق عربي إلى ان فكرة الإصلاح استنادا إلى التجربة الأميركية في العراق «الطازجة جدا» لا تبشّر بالخير، لكن الكثير من المعلقين العرب وجهوا الدعوة إلى توحيد الجهود الذاتية العربية لإجراء إصلاحات بعيدا عما ترسمه الولايات المتحدة للمنطقة. وحرضت سحر بعاصيري في «النهار» البيروتية على هذا التوجه لافتة إلى انه إذا كان الحكام العرب يشعرون بالذعر من المبادرة الأميركية لـ «الشرق الأوسط الأكبر» فإن الشعوب العربية تشعر بذعر مزدوج أولا من المبادرة ثم من رد فعل الحكام عليها. ورأت افتتاحية «الخليج» الإماراتية ان إعلان دول عربية عدة رفض المشروعات الأميركية التي تزعم السعي إلى «دمقرطة» الدول العربية والإسلامية يمثل خطوة متقدمة لا تكفي وحدها لمواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة، لأن المطلوب فعل جماعي عربي من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات القادرة على صد الهجوم الذي هو جزء من استراتيجية أميركية واسعة جندت وتجند لها الإمكانات المادية والسياسية والعسكرية والإعلامية اللازمة. وشددت صحيفة «الخليج»، على انه لا يجوز التعامل مع ما ينهال على المنطقة من مبادرات ومشروعات ببساطة، أو انها عاصفة وتمر، مؤكدة ان الأمر جدي والولايات المتحدة ترى ان الوقت الراهن هو فرصتها الذهبية للتغيير والتبديل وإعادة الصوغ كما ترتئي مصالحها المتطابقة بالكامل مع المصالح الإسرائيلية. وأكدت «تشرين» السورية ان الإصلاح يجب أن يخرج من الداخل لا أن يأتي من الخارج، ولفتت أيضا إلى ان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية هو الأساس الذي لابد من الانطلاق منه لإنجاح أية أفكار.

وفي السياق كتبت «الرياض» السعودية التي كررت على أيام متتالية موقفها من المشروع، ان على الولايات المتحدة أن تدرك ان الإصلاحات لا تتم بالإملاء بل بالعلاقات المتساوية... وقالت انه إذا كانت أميركا تريد أن تكون من أصحاب النوايا الحسنة فعليها أن تثبت بالفعل لا بالدبلوماسية الملتوية انها تريد كسب العرب والتفكير بما تهديه من مشروعات لشرق أوسط كبير... وطالما ان الأمر متعلق برؤى أحادية تريد أميركا تركيبها وتفصيلها للمنطقة فإن الرفض المبدئي من قبل السعودية ومصر لمشروع الشرق الأوسط الكبير قد يحسم تداول هذه الأفكار.

وفي افتتاحية تحت عنوان «العرب المستلبون»، لاحظت «الرياض» ان معالم الأمة العربية ضاعت بالإقليمية ثم بعودة إلى أصول تاريخية تضع العروبة والإسلام في صف الاستعمار. كما لاحظت انه منذ سبتمبر/أيلول والوضع العربي على لوائح الدول الكبرى، أي فرض سياسات ولوائح ونظم يجب إقرارها بالتهديد أو استعمال القوة، ومن دون رأي من دول اعتادت أن تخسر محيطها الوطني، وتبالغ في تنازلاتها للعالم الخارجي، ومادام الأمر يجري بخلق حكومة «باب عالٍ» في أميركا وبمساعدة أوروبا، فليس في الأمر ما يحرج إذا كانت القرارات تُستورد ولا تُستنبت من الداخل.

واعتبرت ان مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، قد يكون إحدى مفردات إعادة صوغ المنطقة وفق مشيئة دولية، لا عربية ولا إسلامية، طالما ستدخل هذه التشكيلةَ دولٌ مثل تركيا و«إسرائيل» وآسيا الوسطى، وأفغانستان وباكستان وغيرها لتعوم داخلها أقلية عربية هي بذاتها منقسمة على نفسها، وهي الإطار الجغرافي لا الثقافي ولا السياسي وبغرض دفع الثمن لصالح الآخرين، وخلصت الصحيفة السعودية، ساخرة بالقول «وكل عام وشرقكم الكبير بخير». وسألت «الوطن» السعودية: كيف تكون هناك مبادرة أميركية وتكون شعوب المنطقة آخر من يعلم بها؟ واعتبرت انه إذا كانت هناك من خدمة تسديها أميركا للمنطقة إن كانت فعلا حريصة على استقرارها فهي أن تترك دفة الإصلاح والتغيير تسير كما خطط لها فأهل مكة أدرى بشعابها. وبصراحة كتبت «الوطن» القطرية ان «الشرق الأوسط الكبير» مشروع صهيوني صرف. معتبرة ان هذا المشروع الجديد يجعل من «إسرائيل» عضوا في أسرة العالم العربي الإسلامي لينسى العرب والمسلمون الصفة الاحتلالية الاستيطانية للدولة اليهودية. وأكدت «الرأي» الأردنية ان مسيرة الإصلاح تنبع من داخل العالم العربي ولا تفرض عليه بالضرورة. واعتبرت «عكاظ» السعودية ان على الدول العربية أن تحشد طاقاتها ومقدراتها لتقف في وجه فرض أي نموذج أو نمط إصلاحي عليها.

وقالت ان العرب والمسلمين وهم يشاهدون ممارسات الظلم والبطش والقمع والاحتلال وحال الذعر والاضطراب والتسويف والمماطلة في فلسطين أو العراق أو أفغانستان قد أدركوا ان دعوات الإصلاح الأجنبية ما هي إلاّ وسيلة للتدخل في شئونهم وشئون دولهم. وفي افتتاحية ثانية، ذكرت «عكاظ»، أن التجارب الأميركية في كل أرجاء المعمورة التي جاءت تحت مفهوم التدخل من أجل الإصلاح هي تجارب فاشلة بل مذلة ومكتوبة بدم أسود في كتاب الإنسانية وبالتحديد تدخلاتها في مصائر شعوب أميركا الجنوبية.

وإذ شددت «عكاظ»، على ان أميركا لا تستطيع أن تتجاوز حدود قوتها العسكرية، تساءلت عما إذا كان القادة الأميركيون سيعون ذلك أم انهم سيمعنون في غواية الإصلاح التي لن تقود العالم إلاّ... إلى الكارثة لو استجاب أحد لأفكارها، وختمت بالقول ان هذا ما جعل العالم بأجمعه يرفضها... ويرفض من يسوق لها... ولاحظ وليد شقير في «الشرق» القطرية ان الجديد في المشروع الأميركي، هو توسيع الرقعة الجغرافية للإصلاحات الديمقراطية عبر ضم أفغانستان وباكستان وإيران وتركيا و«إسرائيل» لتنطبق تسمية «الشرق الأوسط الكبير» على المنطقة التي يشملها مخطط «دمقرطة» مجتمعاتها من جهة، وتوسيع رقعة الدول التي يفترض إشراكها في هذه المهمة الجليلة و«السامية» بدعوة الدول الصناعية والاتحاد الأوروبي و«الناتو» إلى همة في العملية وتمويلها، من جهة ثانية. ومن هنا اعتبر شقير، ان مشروع «الشرق الأوسط الكبير» والأوسع يبدو مطاطا إلى درجة يمكن وصفه معها انه غطاء لتجديد الهيمنة على العالم بدعوة سائر دوله إلى المشاركة في تمويل إجراءات تغيير الأنظمة في المنطقة بالقوة وعبر قوات «الناتو»، وبالتالي فإنه دعوة لأوروبا والدول الآسيوية المتقدمة كي تسلّم بما رفضه بعضها عند اتخاذ أميركا قرارها الأحادي بالحرب على العراق. ولفتت «القدس العربي» الفلسطينية في «المانشيت» إلى «قلق مصري سعودي من إطاحة إصلاحات أميركا بالأنظمة». مشيرة إلى ان تقارير صحافية تؤكد أن تصاعد الضغوط الاميركية أخيرا على حكومتي السعودية ومصر لتطبيق اصلاحات شاملة أدى لحال من القلق الشديد بين الاوساط القيادية في البلدين من أن تؤدي إلى تغيير نظاميهما. لكن الصحيفة الفلسطينية، رأت ان رفض هذا المشروع الأميركي خطوة في الاتجاه الصحيح، ويكشف عن صحوة ولو متأخرة من قبل نظامين عربيين ساندا كل المشروعات الأميركية السابقة، ومن بينها مشروع احتلال العراق، وهو المشروع الذي أدى إلى إرهاب المنطقة بأسرها، وتنصيب بوش زعيما عليها يسمح لنفسه باختيار الإصلاح وأساليبه وطرقه والعمل على فرضه على دول المنطقة.

غير ان «القدس العربي»، لاحظت أيضا ان البيان المصري السعودي المشترك تحدث بكلام عمومي عن تأكيد الزعماء المضي قدما على طريق التنمية والتحديث، فرأت ان هذا كلام إنشائي سمعناه على مدى ثلاثين عاما وهو يعني استمرار الأوضاع الفاسدة والقمعية التي جعلت من المنطقة العربية الأكثر تخلفا في العالم أجمع على صعيد التنمية والديمقراطية والحريات.

وإذ تساءلت «القدس العربي»، أليس من العيب أن تكتفي الحكومة المصرية وهي الدولة العربية الأكبر في الوطن العربي بإرسال ورقة إلى محكمة العدل الدولية للتعبير عن وجهة نظرها تجاه الجدار العنصري الإسرائيلي بينما ترسل جنوب إفريقيا وعدة دول افريقية وآسيوية وزراء خارجيتها أو مندوبين عنها للترافع ببلاغة وشجاعة ضد هذا الجدار وتطالب بإزالته؟ استدركت طالبة ترك قضية فلسطين وقضية العراق جانبا، داعية الزعماء العرب إلى رفض المشروع الديمقراطي الأميركي شريطة ان يبدأوا بالإصلاحات الحقيقية، وإطلاق الحريات، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وإقامة دولة المؤسسات. وختمت بالقول ان غير ذلك ليس مقبولا على الإطلاق، فأميركا هي التي أتت بكم، وهي التي حافظت على بقائكم، والآن تريد التخلي عنكم بعد أن استنفدت أغراضها منكم، وحصلت على كل ما تريد. وسخر حازم صاغية في «الحياة» اللندنية من انه إذا كانت الحكومة الأميركية من خلال «الحرّة» أو أية قناة تلفزيونية أو إذاعية أخرى تتوقّع «تغيير» العالم العربي فالأمر «وهم» بالتأكيد. معتبرا ان الإعلام ليس بديل السياسة تماما كما ان الصورة ليست بديل الواقع. لكنه رأى انه مع هذا، فلا داعي لفتاوى التحريم أو ما يشبهها في مواجهة القناة الجديدة لأنه ينبغي أن تتسع الساحة الإعلامية لها ولغيرها. بيد ان صاغية، لاحظ ان الحدّة في مواجهة «الحرّة» تقول ان ذاك الصوت الجديد يملك تأثيرا ما أو على الأقل يمكن أن يملك هذا التأثير، معتبرا ان هذا ما ينبّه إلى حقيقة أخطر من «الحرّة» أو «الجزيرة» أو غيرهما ألا وهي احتكار القنوات التلفزيونية جزءا ضخما جدا من «السجال» السياسي الدائر ومن حركة المبايعة والمعارضة.

ورأى صاغية، ان المهم ليس الصراخ التلفزيوني بل الخرس السياسي. والمهم ليس ان الأميركيين صارت لهم محطتهم، بل ان القطاعات الخاصة العربية أعمدة المجتمعات المدنية المرجوة لا تملك سياسات ولا تملك تاليا محطات. وتساءل صاغية، عن مكان الرأسماليات العربية المستنيرة والليبرالية التي تريد لمجتمعاتها أن تستقر وتتحدث وتبني السلام والديمقراطية؟ كما تساءل عن استعدادات هذه الرأسمالية إذا وُجدت لأن تطوّر وسائل الإعلام ووسائل أخرى تخدم مشروعها السياسي التاريخي المفترض.

لكن إحسان الطرابلسي (كاتب عراقي في الولايات المتحدة) الذي نشر مقالته في «يديعوت أحرونوت»، انتقد الإعلام العربي بشكل عنيف، معتبرا انه لا توجد منطقة في العالم موبوءة إعلاميا مثل منطقة «الشرق الأوسط»، فالعالم العربي بحاجة إلى أكثر من هذا إعلاميا فيما إذا أرادت أميركا أن تنتصر على الإرهاب في «الشرق الأوسط». وأوضح ان العالم العربي بحاجة إلى عدة صحف حرة تتبنى الاستراتيجية الإعلامية التي تتبناها قناة «الحرة» كي تتيح للكتاب الأحرار في العالم العربي التعبير عن آرائهم فيها بدلا من الوقوف على أبواب الصحف الحكومية والدينية والقومية الخضراء والبيضاء والصفراء والحمراء. وأكد ان العالم العربي بحاجة إلى عدة إذاعات سياسية ودينية وتربوية واقتصادية تحررية كي تصحح المفاهيم المغلوطة السائدة في العالم العربي التي أنتجت هذا الإرهاب الفظيع. كما ان العالم العربي بحاجة إلى عدة مواقع على الانترنت تُعنى بالسياسة والدين والتربية وتقف في مواجهة المد الأصولي الديني على الانترنت وخصوصا موقع «إسلام أون لاين» و«إخوان أون لاين» وغيرهما من المواقع الأصولية الدينية التي هي عبارة عن مستنبتات للإرهاب الديني المسلح. وختم بالقول ان مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لن ينجح في تفكيك الأصولية الدينية في العالم العربي والإسلامي والقضاء على الدكتاتوريات المختلفة الأصول ما لم يتم التركيز على الإعلام والفكر معا تركيزا كبيرا، معتبرا ان العالم العربي فارغ من فكر الحداثة وفكر الحرية والديمقراطية، وغارق في ثقافة الشعوذة والسحر وعلوم الجن، وخاضع لإعلام أجهزة المخابرات العربية.

وفي السياق كتب شفيق الغبرا (رئيس الجامعة الأميركية في الكويت) في «الرأي العام» الكويتية ان المنع والتشدد في القرار وفي الثقافة يساهمان بالنهاية لصالح البيئة المفجرة للارهاب. لكن يبقى ان هناك من يسخر من فكرة الإصلاح بناء على التجربة الأميركية في العراق «الطازجة جدا» وقد عبّر عنها غسان شربل في «الحياة» اللندنية، ساخرا من انها «فكرة جيدة» أو «خوش فكرة» (العبارة بالعراقية التي رددها الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر أمام الصحافيين للدلالة على انه بدأ لتوه بتعلم اللغة العربية) أن تتعرف الإدارة الأميركية على حقائق «الشرق الأوسط» قبل حقنه بأمصال الديمقراطية إذ اننا نخشى أن يكون ««الشرق الأوسط الكبير» مجرد عراق كبير

العدد 544 - الثلثاء 02 مارس 2004م الموافق 10 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً