الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الاسلام واكرمنا بنبيه محمد (ص) وعرّفنا بولاية أهل بيته الاطهار السادة الابرار ومهّد لنا سبيلهم ووعدنا بشفاعتهم والفوز لديه بحبهم... والصلاة والسلام على سيدالاولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الأمناء على حلاله وحرامه واللعنة الدائمة على أعدائه واعدائهم الى يوم الدين.
وبعد: تطل علينا ذكرى ثورة سيدالثوار وقائد الأباة محسن الانسانية معلم البشرية الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) ويجب علينا ان تكون لنا وقفة تأمل في دراسة هذه الواقعة الكبرى المليئة بالدروس والعبر والمزدانة بمشاعل الهداية تنير الدروب للثائرين وتشجع المصلحين وتؤمل الفوز للمستضعفين.
انها لذكرى نهضة ابتدأت احداثها حين اعلن قائدها وراعي مسيرتها رفض الخنوع للذلة والهوان وأبى أبي الضيم الجنوح لهوى الدناة والبخوع للانحراف وابدى صفحته للطغاة فأزاح الاقنعة عن وجوه المتفيئين في ظلال اجنحة الظلام.
وبدأ مسيرته مبدعا
- «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي أصبر».
وكانت آخر كلمة تلقاها أتباعه منه وهم بعيدون عنه:
- «من لحقني استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح»، وقوله: «كأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل».
هذه هي الخطوط التي رسمها لنهضته الميمونة (ع) وعلينا، نحن المدعين تمسكنا بنهجه ونأمل ان نكون في ركب السائرين في تحقيق أهداف ثورته والمنضوين تحت لوائه، أن نطبق هذه المفاهيم القيمة على أنفسنا فيجب ان يكون كل حسيني بل كل محمدي بل كل ذي وعي مثالا لأولئك الذين فهموا مغزى كلامه الشريف وجسدوه بأفعالهم قبل أقوالهم وبتضحياتهم قبل الهضم بأفكارهم على مر التاريخ فأصبحت أقوالهم مشعلا للهداية وقبورهم منارا تنير الدروب للسائرين في ركبه وتهز عروش الطغاة وتزلزل الارض من تحت اقدامهم البغاة وتبشر المستضعفين بالفوز والنصر العظيم فسلام الله عليه وعليهم.
اعلموا ايها الاخوة المسلمون في كل مكان انني معكم روحا وعقلا وفكرا وعاطفة وان كنت ثاويا في النجف الاشرف لكي أواصل مسيرتي في خدمة الحوزة النجفية الشريفة ومن خلالها خدمة المسلمين في ارجاء المعمورة الا انني معكم في مواقفكم الحسينية والمجالس التي تعقد في انحاء العالم ولا سيما في بلاد البحرين العزيزة اعايشكم في المواكب الحسينية وفي المجالس وكل الاعمال التي تقام تحت راية الحسين (ع) وبما انه لكم وللمسلمين كافة حق عليّ من التشرف في خدمة الحوزة العلمية أقدم بعض الأمور التي لا ينبغي لاحد ان يغفل عنها ولا يجوز لمسلم ان يتساهل تجاهها:
الأمر الأول
يجب ان تكون المجالس التي تعقد شبيهة بالمجالس التي عقدت في دور بني هاشم ومنازل آل الرسول (ص) بعد فاجعة كربلاء المؤلمة، نزيهة عن الاغراض الدنيوية الدنيئة لتكون كل تعزية ومجلس يتضمن تذكرة للمفكرين وتعليما وتربية للناشئين ويجب أن تزين تلك المجالس بروح التقوى وملاحة الورع فتخلو من رغبات الدنيا ومباهجها وتكون ذريعة لتعليم شبابنا وبناتنا ليتربى أولادنا فنجعل من كل واحد منهم مثالا لعلي الاكبر والقاسم بن الحسن (عليهما السلام) وتعلم الناشئة كيف تتمكن من ان تهتدي باتباع سلوك عبدالله بن الحسن كما ينبغي ان نهيئ ظرفا لائقا لتعليم نساءنا كيف يماثلن زينب العقيلة (عليها السلام) ويحظين باتباع سيرتها في صلابة العقيدة وثبات الجأش عند الهزائز وتصبح مثالا للتقوى والورع والطهارة والعفة وتعرف بناتنا كيف تتشرف باتباع سيرة سكينة وفاطمة ورقية بنات سيدالشهداء (سلام الله عليهم) واعلموا ان من لم يتمكن من الاهتداء بهدي هؤلاء فهو الخاسر الأكبر وليس في تشيعه للاطهار (عليهم السلام) في شيء.
الأمر الثاني
ان تكون المواكب الحسينية بعيدة عن الاغراض الدنيوية الدنيئة ونزيهة عن قصد الرياء والسمعة ويكون كل مشارك مثالا لحبيب بن مظاهر الاسدي وبرير الهمداني وكل شاب ممثلا لشخصية جون ووهب فتكون مجموعة المواكب كواكب اكتسبت انوار الهداية من اولئك الاقمار التي احاطت بركب سيدالشهداء (عليه السلام) فاستنارت به وبثت النور للآخرين على مر الاجيال.
واعلموا انه لا ينبغي الخلط بين المقاصد فإن الغاية من انشاء هذه المواكب حينما انشئت والغرض من الحث على المشاركة فيها نشر دعوة سيدالشهداء (عليه السلام) الى الايمان والتقوى والورع وهي امتداد وتجسيد وترسيخ لدعوة الرسول (ص) «قولوا لا إله الا الله تفلحوا».
والمواكب التي تخلو منها سمات الدين وتتجرد منها معانيه السامية وتبتعد عن مسارها الصحيح لا تعني شيئا لدى الأئمة (صلوات الله عليهم اجمعين) ومن قبلهم الرسول الأعظم (ص).
الأمر الثالث
المعزى بهذه التعازي والمواكب هو الرسول الأعظم (ص) ثم سائر الأئمة مع الزهراء (صلوات الله عليهم اجمعين) والمتلقي والمتقبل لها ولي الله الاعظم أرواحنا لمقدمه الفداء بقية الله في الأرض الوارث لدماء الشهداء من لدن الشهيد الاول من ذرية آدم هابيل وانتهاء الى آخر شهيد استشهد في سبيل الحق فانه (عجل الله فرجه الشريف) هو المخاطب بالتعازي وهو الوارث لهذه الدماء وهو المطالب بذهول الانبياء (ع). وأولادهم وهو المنتقم لكل مظلوم من كل ظالم ولكل مستضعف من كل طاغية فعلى المشاركين ان يعرفوا ويراعوا ذلك جيدا وألا يكونوا في مجلس التعزية أو في الموكب الحسيني في هيئة لا يرتضيها ولي الله الاعظم أو خلف غاية لا تتفق وطريق سيدالشهداء (ع) الذي رسمه في مبدأ نهضته الجبارة.
الأمر الرابع
الخلط بين الأوراق لا ينبغي وليس ذلك من شأن المخلصين ولا يتفق مع طريق المفكرين فان الغايات السياسية والمادية والشخصية لابد أن تسبتعد عن تلك المجالس والمواكب ويجب ان تكون المواكب مسالمة ولا تمس عقائد الآخرين ولا تثير الفتن والحزازيات لأن سيدالشهداء لم يقم أشرا أو بطرا أو ظالما أو مفسدا.
الأمر الخامس
على خطباء المنبر الحسيني الكشف عن مواقف الحسين الاصلاحية وبيان الجوانب المضيئة من نهضته الشريفة ليبثوا بها الهداية والرشاد ويحاولوا من خلال ذلك ترسيخ العقيدة الاسلامية ويحثوا الناس على تجسيد مقاصد الحسين (ع) بأعمالهم وعليهم ان يبينوا انما استشهد الحسين (ع) من أجل الدين، اصوله وفروعه وانما تحمل ما تحمل لتبقى جذوة الايمان متقدة وطريق الصالحين واضحا لمن يريد ان يسلكه.
وفي الختام ادعو الله سبحانه ان يحمي البلاد الاسلامية عموما والبحرين خصوصا من شر العاديات ومآسي الفتن وشر الفوضى وان يحفظ دماء المسلمين الزاكية من ايدي الاشرار... ويجب ان يُعلَم ان من يمد يده الى مال مسلم أو عرضه أو نفسه فإنه ليس من الدين في شيء وليس له في الآخرة من خلاق أولئك الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.
كما ان فتح اللسان من مسلم على أخيه المسلم والنيل منه به أو بريشة قلمه لا يخدم الدين وانما يخدم اعداء الدين والاسلام والمسلمين الذين يتربصون بنا الدوائر. ولو كان هناك خلاف في الرأي فليكن النقاش حوله في اطار علمي بناء هادئ بعيدا عن المساس بالذوات.
أرجو الله سبحانه ان يمن على المسلمين بالاتحاد تحت كلمة «لا إله الا الله محمد رسول الله وأولاده الاطهار أولياء الله» ويحمي بلاد الاسلام من شر الاعداء.
هذه رسالتي من جوار مرقد سيد الأوصياء (عليه السلام) الى اخوتي وابنائي والى كل من يهتم بأمور المسلمين وتهمه نهضة الحسين (ع) في اطراف المعمورة ولاسيما في البحرين العزيزة وابناءها الموالين المؤمنين والسلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك. عليكم مني جميعا سلام الله ابدا ما بقيت وبقي الليل والنهار. والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين عليهم السلام... والسلام عليكم مني جميعا ورحمة الله وبركاته
العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ